صفحات الناس

مهجرو قرى وبلدات درعا الخمسة: العودة المرهونة بالمفاوضات/ وردة الياسين

 

 

نامر، الكتيبة، خربة غزالة، الشيخ مسكين، عتمان: هي خمس قرى وبلدات في محافظة درعا تم تهجير سكانها بالكامل على دفعات إثر معارك عنيفة أفضت إلى إحكام قوات النظام سيطرتها عليها، وإلى دمار واسع في أبنيتها وبنيتها التحتية. وهي تتمتع بأهمية استراتيجية تعود إلى مواقعها على طريقي محافظة درعا الدوليين الرئيسيين الحديث والقديم، اللذين يصلان دمشق بمدينة درعا ثم معبر نصيب على الحدود الأردنية.

لا تزال هذه القرى والبلدات خالية تماماً من السكان، واليوم يطالب أبناؤها المهجرون بأن تكون عودتهم جزءً أساسياً من أي حلٍّ في الجنوب السوري، وهو ما يبدو أن النظام يرفضه تماماً حتى اللحظة.

نامر، الكتيبة، خربة غزالة

تقع قريتا نامر والكتيبة، وبلدة خربة غزالة، على الأوتوستراد الدولي الحديث (دمشق – عمان)، وتبعد نامر المطلة مباشرة على الأوتوستراد حوالي 4 كم عن مدينة إزرع الخاضعة لسيطرة النظام، وعن مدينة درعا حوالي 24 كم. يبلغ عدد سكانها حسب إحصائيات مجلس محافظة درعا الحرة لعام 2016 حوالي 4500 نسمة، ثلثهم من الطائفة المسيحية.

أما بلدة خربة غزالة وقرية الكتيبة التي تعدُّ جزءً منها أو حياً من أحيائها، فيقدّرُ عدد سكانهما معاً بحوالي 24000 ألف نسمة، ذلك أيضاً حسب إحصائيات مجلس محافظة درعا الحرة لعام 2016، وهما تبعدان عن مدينة درعا نحو 20 كم.

تم تهجير سكان القريتين والبلدة إثر معركة جسر حوران الشرسة، التي كانت قد أطلقتها فصائل الجيش الحر في خربة غزالة بتاريخ 8 آذار 2013، وذلك بهدف فرض سيطرتها على الأوتوستراد لقطع طرق إمداد قوات النظام إلى مدينة درعا، وإلى اللواء 38 في قرية صيدا، الذي كانت فصائل الجيش الحر في ريف درعا الشرقي تحاول انتزاعه من قوات النظام.

وضعت تلك المعركة النظام في وضع حرج، لأن مدينة إزرع أصبحت مفتوحة أمام فصائل الجيش الحر من ناحية قرية نامر، وقد يصبح سقوط مدينة درعا أمراً محتملاً جداً في حال تمكنت الفصائل من السيطرة على المنطقة، الأمر الذي دفع النظام لاستخدام كثافة نارية كبيرة وصواريخ ثقيلة من بينها صواريخ أرض- أرض، لتنتهي معركة جسر حوران بعد 67 يوماً بسيطرة الفصائل على اللواء 38، ولكن بالمقابل سقطت نامر بيد قوات النظام بتاريخ 15 نيسان 2013، ثم لحقتها الكتيبة وخربة غزالة بتاريخ 12 أيار 2013، ليحولها النظام كلها إلى ثكنات عسكرية بعد أن هَجَّرَ أهلها بالكامل، وذلك بهدف تأمين الأتوستراد الدولي من احتمال معاودة الفصائل الهجوم عليه انطلاقاً من هذه المناطق.

يقول أحد المقاتلين الذين شاركوا في معركة جسر حوران: «تمكنا من السيطرة على الأوتوستراد وقطعناه مدة يومين خلال معركة جسر حوران وكنا سنحرز تقدماً كبيراً، لكن ما حدث هو إعلان قادة الكتائب بعد شهرين من بدء المعركة عن نفاذ للذخيرة، ثم أصبحنا نلمس تخاذلاً ملحوظاً من قبلهم، بالإضافة لاشتداد قصف النظام، ما دفعنا إلى مغادرة مواقعنا، والخروج نهائياً من خربة غزالة التي لا نزال مشردين عنها منذ ما يزيد عن الأربع سنوات».

نزح أهالي نامر والكتيبة وخربة غزالة إلى القرى المجاورة، وخاصةً علما والصورة، وقريتي الغارية الشرقية والغربية اللتين تركّزَ فيهما أهالي خربة غزالة، كما أن هناك عائلات بكاملها نزحت إلى الأردن، أو هاجرت إلى دول أوروبا لاحقاً.

الشيخ مسكين

تقع مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا الشمالي، على طريق دمشق- درعا القديم، وهي تتوسط المحافظة وتبعد عن مدينة درعا حوالي 22 كم، وتعد منطقة وصل بين نوى وإبطع وداعل الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وإزرع والصنمين الخاضعتين لقوات النظام. يقدّرُ عدد أبنائها بحوالي 35000 نسمة حسب إحصائيات مجلس محافظة درعا الحرة لعام 2016.

شهدت الشيخ مسكين معارك كرّ وفرّ بين قوات النظام والفصائل المسلحة المعارضة منذ بدايات تحوّل الثورة إلى صراعٍ مسلّح، وجاء تهجير أهلها نتيجة تلك المعارك على مراحل، كانت أولها عندما سيطرت الفصائل المسلحة على الحي الجنوبي للشيخ مسكين، ولكن النظام ما لبث أن استرجعه، فترك قسمٌ من الأهالي المدينة ونزحوا للمناطق المجاورة. وفي أواخر 2014 شنت فصائل الجيش الحرّ والفصائل الإسلامية التي استخدمت السيارات المفخخة، هجوماً على مدينة الشيخ مسكين، ونجحت في فرض سيطرتها عليها وعلى اللواء 82 فيها في بدايات 2015، وخلال هذه المعركة نزح عدد كبير من الأهالي.

بقيت المدينة تحت سيطرة الفصائل المسلحة، إلى أن تدخلت روسيا لتساند النظام وتقلب المعادلات على الأرض، إذ في أواخر 2015 شنت قوات النظام الميليشيات المساندة لها هجوماً واسعاً على الشيخ مسكين بغطاء كثيف من الطيران الروسي، وتمكنت من استعادة السيطرة عليها بتاريخ 26 كانون الثاني 2016، وتهجير أهلها جميعاً، الذين نزح أغلبهم إلى مدينة نوى وبعض القرى في ريف درعا الغربي، بعد أن سويت نسبة كبيرة من بيوتها ومنشآتها بالأرض.

تقول أم باسم من مدينة الشيخ مسكين، وهي نازحة في مدينة نوى: «نزحتُ مرتين مع أولادي الثلاثة من الشيخ مسكين، كانت المرة الأولى في شهر كانون الأول عام 2014، ولكن ما لبثتُ أن عدتُ إليها بعد ثلاثة أشهر تقريباً. لكنني بعد ما يقارب العام عدتُ لأتركها من جديد، وفي هذه المرة نزح زوجي معي بعد أن كان قد رفض الخروج أول مرة، فالقصف الجوي كان شديداً جداً، ومن الصعب اتقاؤه».

عتمان

تكتسب قرية عتمان أهميتها بالنسبة للنظام والمعارضة من كونها بوابة مدينة درعا الشمالية على طريق دمشق – درعا القديم، وهي ملاصقةٌ لها تماماً، ويبلغ عدد أبنائها حوالي 12500 نسمة حسب إحصائيات مجلس محافظة درعا الحرة لعام 2016.

جعل موقع عتمان منها خط جبهة ساخن، وهجرها أغلب أهلها بسبب ذلك الأمر، وبقيت القرية تحت سيطرة الفصائل المعارضة المسلحة إلى أن تدخل الروس وشنَّ طيرانهم غارات عنيفةً عليها أسقطتها بيد قوات النظام بتاريخ 2 شباط 2016، ليتم تهجير ما تبقى من أهلها وتدمير معظمها. يسكن معظم أبناء عتمان اليوم في القرى والبلدات القريبة منها، مثل طفس وداعل.

يتحدث أبو رامي عن منزله في قرية عتمان: «بنيت منزلاً لي ولأولادي على مساحة 1 دونم من الأرض، وكسوته بأغلى وأفضل أنواع السيراميك والرخام. تركته في صيف 2014 بسبب القصف المستمر واليومي الذي كانت تتعرض له القرية، متنقلاً مع عائلتي بين قرى وبلدات درعا المحررة، لأستقر ومنذ ستة أشهر في مدينة الحراك، في منزل يضيق بي وبعائلتي الكبيرة. لا يمكنني استئجار منزل أكبر، بسبب عدم توافر المنازل الخالية نتيجة ارتفاع أعداد المهجرين والنازحين داخلياً في مناطق درعا الخارجة عن سيطرة النظام».

*****

كان الحديث عن أوضاع ومعاناة مهجري القرى والبلدات الخمس في أوساط المعارضة غالباً ما يكون مقتضباً، ويشار إليه باستحياء ومن بعيد، بسبب المجازر والمعارك المستمرة في درعا وعموم البلاد. لكن منذ الإعلان عن هدنة في الجنوب السوري في تموز الماضي، وبعد أن صار الحل السياسي هو الطريق الوحيد المطروح، بدأ الحديث عن مأساة المهجرين يتصاعد، وأصبحت مسألة عودتهم مطلباً أساسي، بل وصارت بنداً مطروحاً على طاولة المفاوضات والمقايضات بين النظام والمعارضة ورعاتهما الدوليين.

ثمة بنود عديدة على طاولة المفاوضات فيما يتعلق بالجنوب السوري، بعضها معلن، والأرجح أن هناك بنوداً غير معلنة أيضاً تتعلق بمصالح الدول الضامنة للأطراف. ومن البنود التي كَثُرَ الحديث عنها معبر نصيب الحدودي مع الأردن وإمكانية افتتاحه، ويسعى النظام وحلفاؤه إلى فتحه بما يؤدي إلى عودة الحركة التجارية مع الأردن، ولكن دون تقديم أي مقابل، أو تقديم مكاسب قليلة لفصائل الجبهة الجنوبية التي تسيطر على المعبر عسكرياً.

ولإبراز قضية أهالي هذه القرى والبلدات، وتوجيه رسالة تفيد برفض التوقيع على أي اتفاق حول أي مسألة في الجنوب، بما فيه الاتفاق حول معبر نصيب، دون إعادة المهجرين، فقد تمت الدعوة من قبل قوى ثورية مسلّحة ومدنية في درعا، إلى اعتصام مهجري الكرامة.

اعتصام مهجري الكرامة

انطلقت في صباح 5 أيلول الماضي المرحلة الأولى من اعتصام مهجري الكرامة، الذي تم تقسيمه على ثلاث مراحل، انتهت الأولى التي استمرت ثلاثة أيام بتاريخ 8 أيلول. ثم جاءت مرحلته الثانية في 26 أيلول، وكانت ليوم واحد، ولم يُعلن بعد عن تاريخ المرحلة الثالثة.

تم اختيار مكان الاعتصام ليكون فوق جسر أم المياذن، وأم المياذن تقع على الطريق الرئيسي المؤدي لمعبر نصيب الحدودي، وتبعد عنه مئات الأمتار. وقد وجه المعتصمون رسالة إلى فصائل الجبهة الجنوبية، وهيئة المفاوضات العليا في الخارج، مفادها أنهم يرفضون أي اتفاق أو حديث عن أي تفصيل يتعلق بالهدنة، قبل عودتهم إلى قراهم وبلداتهم المحتلة من قبل قوات النظام، بالإضافة لإطلاق سراح المعتقلين.

كان من ضمن الشخصيات التي حضرت الاعتصام، قادة غرفة عمليات البنيان المرصوص التي خاضت معارك المنشية الأخيرة في مدينة درعا قبل الهدنة، ورئيس مجلس محافظة درعا الحرة. وتمت تغطية الاعتصام إعلامياً، وبثّته الهيئة السورية للإعلام (SMO) مباشرةً على صفحتها على الفيس بوك.

يقول (ع. الحاج علي) من خربة غزالة: «تم تهميشنا لمدة طويلة، ونحن عبر اعتصام مهجري الكرامة نريد أن نُعلم الفصائل المسلحة في الداخل قبل المفاوضين في الخارج، بأننا لن نسكت بعد الآن على تهميشنا وحقنا في العودة لقرانا وبلداتنا، ولن نقبل أن تُباع قرانا كما بيعت أول مرة! ويجب أن تكون عودتنا عودة كرامة، وبموجب ضمانات دولية بحيث لا يتعرض النظام لشبابنا المطلوبين من قبله، أو نكون تحت رحمة قواته وميليشياته، أو نصبح بنداً في صفقة نكون نحن الخاسرين الوحيدين فيها».

ويتحدث المحامي (ف. الزعبي) عن اعتصام مهجري الكرامة فيقول: «أعتقدُ أن اختيار مكان الاعتصام بالقرب من معبر نصيب لم يكن عبثاً، والهدف يكمن في جعل مطلب عودة مهجري الكرامة إلى قراهم وبلداتهم بنداً من بنود التفاوض. عودة مهجري الكرامة مرهونة بتحديد عمق المناطق الآمنة (مناطق خفض التصعيد)، التي نصت الهدنة على إقامتها، كما أن فتح معبر نصيب لإعادة التبادل التجاري بين سوريا والأردن، شيء يعتبر محققاً بحسب بنود الهدنة إن لم تنقض، ولكن عدم وضوح تفاصيل وآليات تطبيق بنود الهدنة، أو ربما عدم الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، أدى إلى أن يعرض كلٌ من النظام والمعارضة المسلحة في الداخل أوراق الضغط التي بحوزته، فالنظام يحكم السيطرة على قرى وبلدات مهجري الكرامة الخاوية من سكانها، فيما يخضع معبر نصيب لسيطرة فصائل الجبهة الجنوبية، وكلا الطرفين يريدان تحقيق مكاسب مادية ومعنوية من عرضهما لأوراق الضغط، مع العلم بأنه لا النظام ولا معارضته كانا طرفين عند إبرام الهدنة في الجنوب السوري!».

تصرُّ المعارضة المسلحة (كتائب الجبهة الجنوبية)، ويؤيدها قسم لا بأس به من الأهالي، خاصة أهالي القرى والبلدات الخمس، على أن فتح معبر نصيب الذي لم يتم التوصل حتى اللحظة إلى اتفاق صريح ومعلن حول آليته، ينبغي أن يكون مشروطاً بتحقيق أمرين: إطلاق سراح المعتقلين، وعودة المهجرين. لكن يبقى أنه ليس واضحاً فيما إذا كانت الفصائل تملك أوراق ضغط كافية لإجبار النظام على تنفيذ هذه المطالب، ولا فيما إذا كانت الأطراف الإقليمية والدولية الضامنة تنوي ممارسة أي ضغط حقيقي على النظام، خاصة أن العودة لا يمكن أن تتم دون ضمانات دولية، ضمانات واقعية يمكن تنفيذ مقتضياتها على الأرض، بما يحمي المهجرين من قوات النظام في حال عودتهم إلى قراهم وبلداتهم.

موقع الجمهورية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى