صفحات سوريةميشيل كيلو

المعارضة السورية.. وعلاقاتها العربية/ ميشال كيلو

 

 

ظاهريا، يبدو المشهد السوري المعارض موزعا بين بعض الدول الخليجية، فالائتلاف ليس في هذه النظرة غير كتل توالي هذه الدولة او تلك، ومن لا يتبع للدولة ب يجب أن يتبع حكما للدولة س، حتى إن كان من مؤيدي الدولة الاولى او من الذين يتفهمون سياساتها ومصالحها ويميلون إلى مواقفها.

إلى جانب الكتل، ثمة انتماءات ائتلافية فردية تعتبر بدورها مناهضة بالضرورة لهذه الدولة موالية لغيرها، بالنظر الى أن معايير الولاء والمعارضة تنبع هنا من مواقف الدول وليس من مواقف وخيارات السوريين، التي قد تختلف عن خيارات دولة ما دون ان تكون بالضرورة معارضة او مناهضة لما تنتهجه من سياسات، وتدافع عنه من مصالح!

تنتج هذه الاوضاع سوء فهم متجدد بين بعض دول الخليج وبين كتل وتيارات وشخصيات المعارضة، وتضطر بعض دوله للبحث عن شركاء من خارج «الممثل الشرعي للشعب السوري»، مع ما ينتج عن ذلك من تعقيد يربك ويشوش علاقاتها بالمسألة السورية، ويسببه من خلافات بينها وبين معارضين سوريين يعرفون اوزان الدول وادوارها، لكنهم يرفضون أن يعتبروا اصدقاء لهذه اعداء لتلك، لاعتقادهم ان انسياقهم وراء مواقف عربية متناقضة سيضر بهم وبشعبهم، وان عدم وجود موقف عربي موحد منهم هو السبب في التنافر والتباعد بين ما بقي من ثورتهم وبين مصالح العرب العليا، التي يوافقون على خدمتها ويؤمنون باتفاقها مع مصالحهم، ليس فقط لأنها حاضنة عليا تنضوي فيها، بل كذلك لانها جزء تكويني منها يصعب تحقيق ما يلائمه، إن كان ضدها او خارجها.

ليس من مصلحة أي تجمع وطني سوري أن يكون ضد أية دولة عربية، فكيف إن كانت الدولة في حجم ومكانة وتأثير المملكة العربية السعودية: الجهة العربية الوحيدة القادرة اليوم على بلورة وتفعيل استراتيجية عربية شاملة تحافظ على ما بقي من الجسم العربي، بعد تهميش مصر وتدمير المشرق وانخراطه في حروب قد تستمر لعقود. سيرتكب السوري خطأ وطنيا جسيما إن هو اتخذ موقفا عدائيا من المملكة، او تسبب في ارباكها سياسيا وإضعاف تأثيرها على احداث بلاده اقليميا وعربيا، وستعزز علاقاته بالمملكة طموحات شعبه وثورته الوطنية، ان أرساها على المحددات الثلاثة التالية:

قبول القرار الوطني السوري المستقل باعتباره رأس مال وطني وعربي لا غنى عنه، يستحيل اسقاط النظام في غيابه، كما يستحيل بدونه مقاومة تدخلات إيران واسرائيل في شؤون العرب عموما والخليج خصوصا.

احترام حق الشعب السوري في البديل الديموقراطي، لكونه الخيار الوحيد الذي يقوي العالم العربي عامة وبلدان الخليج خاصة، وعلى رأسها المملكة: الكيان العربي الذي يقوم اليوم بدور مماثل لدور سورية الديموقراطية المأمول، عنيت: الدفاع عن وجود ووحدة ومناعة الجسد العربي، المهدد بضعفه وبتعارض إرادات حاكميه وبعض مناحي ضعف شعوبه.

قيام الثورة المنتصرة بإنهاء الصراعات التي أنهكت العرب طيلة اكثر من نصف قرن، وببدء مرحلة تنسج بينهم شبكة علاقات تزيد من ترابط وتلاحم توجهاتهم ومصالحهم وكياناتهم، وتجعل لكل واحد منها مصلحة وجودية في امن وسلامة وازدهار غيره. لن تخوض سورية الديموقراطية صراعات عبثية مع احد، وستكون للعرب جميعا، ليس فقط لأنها جزء تكويني منهم، بل كذلك لأن قسما كبيرا من معاناتها الراهنة يعود الى ما أصابهم من فرقة، وحل بدولهم من ضعف انتجته صراعاتهم.

ليس من مصلحة الشعب السوري اتخاذ مواقف محايدة او باردة تجاه التحديات التي تواجه الخليج ودولته المركزية وقائدته السياسية: المملكة. وعلى الشعب السوري دعم سياسات الرياض تجاه نظامي الاسد وإيران، ما دامت معركتها ضدهما هي الرد على معركتهما ضده. وليس من المقبول في اي وقت تخفيض علاقاته مع المملكة إلى مستوى ما دون استراتيجي، وتلاعب اي كان بصلاته معها لاي سبب، وسنغلط كثيرا بحق قضيتنا ان ابتعدنا عن الرياض او سمحنا بابعادنا عنها، ومن غير المقبول ايضا ان يتقرب اي سوري منها لابعادها عن اطراف يلصق عداءه لها بالدولة الشقيقة، التي لا يجوز زجها في خلافاتنا، ومن واجبنا تطوير كل ما هو مشترك بيننا وبينها، في اطار ما يجب ان يربطنا بها من اخوة وتعاون. أخيرا، ليس تصنيف السوريين إلى اصدقاء واعداء للرياض غير خطأ خطير العواقب يضر بها وبمصالحنا الوطنية، التي لا يجوز ان تتعارض مع مصالحها.

للمملكة مصلحة في انتصارنا على نظامنا ورد خطر إيران عن وطننا وشعبنا، وردع الاسد عن قتلنا ومنعه من طردنا الى خارج وطننا وتدمير ما بنيناه طيلة قرون، وتحويل ثورة قمنا بها من أجل الحرية إلى اقتتال طائفي ومذهبي إجرامي، فلا أقل من أن نمتن علاقاتنا مع السعودية كدولة شقيقة، وأن يجعل كل مخلص منا لوطنه وشعبه من التعاون معها سبيلا الى تجاوز محنتنا، وبلوغ بر الأمان واقامة دولتنا الحرة: السيدة والمستقلة.

ليست علاقاتنا مع المملكة ولا يجوز ان تكون ظرفية عابرة او تكتيكية عارضة. ومن المحتم أن نقيم معها نمطا من الشراكة الاخوية لا يطويه الدهر أو توهنه الأيام، أرست المملكة اسسه خلال الاعوام القليلة الماضية من اجل رد المحنة عنا، بينما تجاهلنا كثيرون او تركونا نغرق في دمائنا!

المستقبل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى