صفحات العالم

الأردن في Mission Impossible

محمد أبو رمان

يحيط المسؤولون الأردنيون تطورَ مهمةِ تصنيف الجماعات المقاتلة في سورية، التي عُهد بها لهم، بسرية مطلقة، فلا تتوفر أي معلومات عن خط سير الأمور، والخطة المتبعة لحل الإشكاليات التي تواجهها. وتفيد تسريبات مسؤولين غربيين بأنّ روسيا قدمت إلى الأردن قائمة أسماء 22 من فصائل المعارضة، منها بعض فصائل “الجيش الحر”، لإدراجها في “التنظيمات الإرهابية”، وقدمت تركيا اسم “وحدات حماية الشعب” الكردي، وقدمت دول عربية وخليجية إدراج أسماء 18 فصيلا تابعة لإيران وتقاتل في سورية.

ثمّة من يرى أن مؤتمر المعارضة في الرياض عبّد الطريق أمام الأردن، بعد أن أعلنت أغلب الفصائل المسلحة والقوى السياسية إيمانها بالدولة الديمقراطية والمدنية، وباستعدادها للجلوس على طاولة الحوار للتفاوض مع ممثلي النظام السوري، وهي خطوة مهمة لاستبعاد أغلب هذه الفصائل، ومنها جيش الإسلام وأحرار الشام وأخرى إسلامية من مربعات التصنيف بالإرهاب. إلاّ أن هذه المواقف المتقدمة قد لا تقنع، بالضرورة، الطرف الآخر المهم في المعادلة، أي النظام السوري، خصوصاً أن حليفيْه الرئيسيين، الإيراني والروسي، ما يزالان يتمسكان بمواقف حادّة من الفصائل المسلحة، لا سيما الإسلامية منها.

وعلى الرغم من أنّ الروس هم من اقترحوا الأردن للقيام بهذه المهمة، إلاّ أنّ حديث المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية عن عدم إحراز تقدم في تصنيف الجماعات الإرهابية في سورية غير مطمئن، ما قد يعطي مؤشرات على أنّ الموقف الروسي لن يكون مرناً أو متساهلاً مع المخرجات المتوقعة.

على الأغلب، لن نتوقع من الروس والإيرانيين التسليم بمخرجات مؤتمر الرياض، أو بإعلان الفصائل المسلحة المختلفة القبول بالدولة الديمقراطية المدنية، إذ سيتم التشكيك بها، وهناك مؤشرات أولية على ذلك عبر التصريحات السلبية الأولية التي صدرت عن طهران تجاه المؤتمر والدور السعودي والمشاركين فيه، ولا تختلف تصريحات بشار الأسد، أخيراً، عن هذا الموقف تجاه الفصائل السنية المسلحة عموماً.

الأمر لا يختلف بالنسبة للمحور التركي، السعودي والقطري، فعلى الرغم من أنّ هنالك اتفاقاً دولياً على تعريف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، بوصفهما جماعتين إرهابيتين، إلاّ أنّ هنالك “مساحة رمادية” واسعة في مشهد الفصائل السنيّة المسلحة، فأحرار الشام تتحالف مع جبهة النصرة في جيش الفتح، والجبهة الشامية في الشمال تتآلف من فصائل إسلامية لم تعلن جميعاً موقفاً محدداً، بعد، من مقرّرات مؤتمر الرياض، خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية والمدنية.

تتمثل المعضلة الثانية المطروحة، في السياق نفسه، بالفصائل المسلحة المحسوبة على النظام السوري وإيران، خصوصاً المرتبطة بالحرس الثوري وفيلق القدس وحزب الله، فإذا وافقت الدول الداعمة للمعارضة على تصنيف تنظيم الدولة الإسلامية والنصرة، وعلى شرط خروج المقاتلين الأجانب في هذه التنظيمات، فستطالب، في المقابل، بتطبيق المعيار نفسه على الفصائل المسلحة في الطرف الآخر، وهو ما سيرفضه، بالضرورة، النظام السوري وحلفاؤه.

يُخفف مسؤولون أردنيون من حجم هذه الإشكاليات، ومن خشية تورّط الأردن فيها، بالقول إننا لسنا مطالبين، وحدنا، بالقيام بهذه المهمة، ما قد يضعنا في بؤرة التجاذبات والحساسيات الدولية والإقليمية والسورية المحلية، فالدور الأردني تنسيقي بدرجة رئيسية. مع ذلك، لا تبدو المهمة في متناول اليد في ظل هذه التناقضات، فهي، في أفضل الحالات، معقدة جداً، ويزيد من إشكاليتها عامل الوقت، فالمطلوب إنجازها بأسرع وقت، ما يتيح للدول الكبرى تحديد من سيجلس على الطاولة، ومن يحق دعمه وتقديم السلاح له، فكيف سيكون حجم الاختلاف، إذا انتقلنا من النظري، أو السياسي التفاوضي، إلى الميدان والواقع لتطبيق هذه الرؤى والتصنيفات.

ليس واضحاً بعد، بالفعل، كيف سيتعامل الأردن مع هذه التباينات، أو بعبارةٍ أدق التناقضات، الكبيرة، في تعريف الإرهاب والتطرف بين الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية، ولا يكشفون شيئاً عمّا يقومون به حالياً، لحل الطلاسم التي تجعل من مهمتهم أشبه بعنوان سلسلة أفلام توم كروز Mission Impossible، مع عودة الأطراف المختلفة إلى المربعات الأولى من المواقع المتشددة في ملفات الحل السياسي.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى