صفحات العالم

الثورة السورية سيئة الحظ..!!/ حسن خضر

الثورة السورية سيئة الحظ لأنها: أولاً، انزلقت إلى الحرب الأهلية. وثانياً، تمفصلت مع صراعات ومصالح إقليمية ودولية لا تحتل مصلحة السوريين، بالضرورة، رأس أولوياتها. وثالثاً، لأنها اُخترقت من جماعات أصولية متطرفة.

تؤثر هذه العوامل على الوضع في سوريا فرادى، أحياناً، ومُجتمعة في أحيان أخرى. وما ينجم عنها في الحالتين يعزز الإحساس بسوء الحظ، وفداحة الثمن المرعب الذي دفعه، ويدفعه، السوريون.

لم يكن الانزلاق إلى الحرب الأهلية قدراً لا فكاك منه، لو توفرت شروط مشابهة لما جرى في الثورتين التونسية والمصرية، وهذا يعني انحياز مؤسسة الجيش إلى المطالب المشروعة للمطالبين برحيل النظام، ويعني، أيضاً، إدراك النخب في بيروقراطية الدولة، والمجتمع المدني، لمخاطر إصرار النظام على عدم الرحيل.

لكن هذه الشروط لم تتوفر: فالمؤسسة المؤسسة العسكرية لم تشهد انشقاق قطاعات كبيرة، وجيدة التسليح، كما حدث في الحالة الليبية، وأسهم تغليب الانتماء الطائفي على المصلحة العامة في التفاف بيروقراطية الدولة حول النظام، أما المجتمع المدني الذي شهد انحياز شخصيات مؤثرة إلى جانب الثورة، فلم يكن على درجة من القوّة تمكنه من إحداث أثر على الأرض.

وفّر كل ما تقدّم أرضية مناسبة لإشعال فتيل الحرب الأهلية. وهذا ما تجلى في لجوء النظام إلى العنف ضد المتظاهرين السلمين من ناحية، وفي عدم الاعتراف بشرعية ومشروعية مطالبهم. وبهذا المعنى كان خيار الحرب الأهلية على رأس أولويات النظام.

ولم يكن النظام ليحتمل العزلة الإقليمية والدولية الناجمة عن اندلاع الحرب الأهلية لولا وجود حلفاء يمكن الوثوق بهم في الإقليم والعالم. وعلى رأس هؤلاء إيران، وحزب الله في لبنان. وقد برهن الطرفان على صحة الرهان، بالانخراط المباشر في الحرب الأهلية، وباسم شعارات تعزز الانقسام الطائفي في سورية. وفي العالم وجد النظام حليفاً قوياً وفاعلاً في روسيا الاتحادية، التي يمثل دورها في الصراع في سورية وعليها جزءا من استراتيجية استعادة دور القوّة العظمى، بما في ذلك إعادة أجواء الحرب الباردة.

ومع ذلك، ينبغي التذكير، دائماً، بالدور الحاسم لإسرائيل في التأثير على موقف الولايات المتحدة، والغرب عموما، إزاء تسليح المعارضة، ومسألة التدخل الدولي. يخشى الإسرائيليون أن يتحوّل السلاح، الذي يصل إلى المعارضة السورية، ضدهم (خاصة الأسلحة المضادة للطائرات والدروع)، وبالقدر نفسه لا يبدو أن إسقاط نظام الأسد يخدم مصالحهم الاستراتيجية، وفي المقابل فإن إنهاك واستنزاف سوريا جيشا، ومجتمعاً، ودولة، في حرب أهلية طويلة الأمد، يخدم مصالحهم بصورة أفضل.

والمفارقة، هنا، أن النظام السوري، الذي استمد شرعيته على مدار عقود طويلة من ادعاء المقاومة والممانعة، ينال فرصة إضافية للبقاء على قيد الحياة، نتيجة حسابات إسرائيلية معقدة ترى أن وجوده أفضل من غيابه.

أما العلامة الثالثة على سوء حظ السوريين فتتجلى في حقيقة اختراق جماعات القاعدة، وما يتفرع عنها من ألوان الطيف الجهادي، لصفوف المعارضة السورية، ونجاحها في الحصول على موطئ قدم في الأراضي السورية. ويبدو أنها أفضل تسليحاً، وتدريباً، من جماعات أخرى.

وإذا كان من المنطقي تصوّر أن القاعدة، وما يتفرّع عنها من ألوان طيف الجهاديات السلفية، تظهر في كل منطقة وهنت فيها سلطة الدولة المركزية. فمن المنطقي، أيضاً، تصوّر أنها لم تكن لتتمكن من إيجاد موطئ للقدم، والحصول على عدة وعتاد جيدين، دون الاعتماد إلى قوى في العالم والإقليم.

وعلى الرغم من حقيقة أن ثمة الكثير من المعلومات المتداولة حول القاعدة، والجهاديات السلفية، إلا أن ذلك كله لا يمثل، على الأرجح، سوى قمة جبل الجليد. فمن المستحيل بالنسبة لجماعة غير دولانية حل المشاكل اللوجستية، والمالية، والتنظيمية، والتدريبية، والتسليحية، والدعائية، التي يستدعيها النشاط المسلح، في أماكن مختلفة من العالم، دون الاعتماد على دول قائمة، وأجهزة راسخة، ومؤسسات قائمة.

ولا ينبغي استبعاد فرضية أن النظام السوري نفسه، الذي سبق له التعاون مع جهاديات مختلفة في العراق، حرّض على انخراط هؤلاء في الحرب الأهلية، طالما أن في وجودهم ما يبرهن على صحة اتهامه لمعارضيه بالإرهاب، وخدمة أجندات خارجية.

ومؤخراً، اكتسب الأثر السلبي لانخراط القاعدة، والجهاديات الأخرى، في الحرب الأهلية السورية، بعداً كارثياً، نتيجة التحوّلات الجارية في بلدان الربيع العربي، وفي طليعتها شكوك متزايدة إزاء الأهداف الحقيقية، والخفية، للإسلام السياسي، وطبيعة العلاقة بين مختلف مكوّناته، وجماعاته، المتطرفة، والمعتدلة.

وإذا كان هذا، كله، لا يعني أن النظام سيتمكن من البقاء بعد كل ما حدث، فإنه لا يعني، أيضاً، أن سوريا ما بعد الأسد ستتمكن من التقاط أنفاسها، وتضميد جراحها، في وقت قريب. وهذه، للأسف، علامة إضافية من علامات سوء الحظ.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى