صفحات الحوار

مصطفى رستم : العدوّان الأساسيان للأسد أجهزة أمنه وإعلامه


حوار معن عاقل

العدوّان الأساسيان للأسد: أجهزة أمنه وإعلامه

أخذوني بسيارة فخمة وعدت بالحافلة والحمد لله كنت أحمل أجرة الطريق

الحل الأمني هو استجابة للمؤامرة إذا سلمنا بوجود هذه الأخيرة

هناك مساعدون في الأمن أهم من فاروق الشرع بكثير

فكرة البعث انتهت وصارت كلمة البعث مرادفة للقاعدة

لا خطر من تشرذم المعارضة لأنها مستهلكة وقيمتها رمزية فقط

حاولنا توحيد المعارضة واكتشفت أنها لا تثق ببعضها وتتبادل الاتهامات

قانون التظاهر هو في الحقيقة قانون منع التظاهر

أنهوا حالة الطوارىء وجعلونا نترحم عليها

الإيغال في استخدام الحل الأمني هو الذي يستدعي التدخل الخارجي

بدأ حديثه بمجرد دخولنا إلى منزله، وحين سنحت لي فرصة استئذانه لتشغيل الكاميرا، كان نصف الحكاية، حكاية البداية، قد ضاع، لكن ما تبقى منها يشي أنها كانت محادثة تجري بينه وبين مسؤول كبير. على أية حال يبدأ التسجيل مع مصطفى رستم هكذا:

“قلت له ( أي للمسؤول الكبير) كيف تستطيعون تحمل كل هذا العلق؟ أجاب وما هو العلق؟ قلت القيادة القطرية ومجلس الشعب والجبهة التقدمية. ضحك وقال نسيت مجلس الوزراء، فقلت: لم يخطر لي على بال…”

يستطرد مصطفى رستم القيادي السابق في حزب البعث، السجين لمدة 23 عاماً: “أنا أول شخص قال لا لحافظ الأسد، وأنا معارض جدي، لكنني لست عدواً لأحد، أما أن يعاملوك كعدو فهذا يعود لهم.

قلت لهم: أنتم عاملتموني بعداء شديد، وفيما بعد تساءلت عن السبب ثم اكتشفته، لأنكم سجنتموني 23 عاماً، إذاًَ أنتم تفترضون أنني عدو وبالتالي عاملتموني بعداء أشد، تصور لهذه الجريمة التي اقترفتها ولا يسعني التنصل منها”.

هنا تذكرت السؤال الذي طرحته فور دخولي: أنت ذهبت في بداية الأحداث والتقيت مسؤولين كبار، ماذا دار بينكم؟

* يجيب رستم: ” قلت لهم آخر مرة إلى أين تأخذون الوطن، وإلى أين تأخذون أنفسكم، أنا مقتنع أن هناك معادلة، بقدر ما تقتلون من المعارضة وتوقعون بها الخسائر، بقدر ما ستلحق بكم خسائر أكبر، وهذه معادلة رياضية طردية.

برأيي، بعد التوجه لحماه حدثت قطيعة، وعندما وجهت لي دعوة للحوار، والتقيت شباب تنسيقيات السلمية، وسألتهم رأيهم بالدعوة، مع أنها شخصية، ارتأوا رفضها، فأجبتهم إنني سأصر على الحوار، لأن السلطة تدعي أنها تريد الحوار لكن الناس لا تريد، وفي الوقت نفسه سأرفض هذه الدعوة لأن المقصود منها ليس الحوار، إنما تغطية الحل الأمني لذلك اعتذر”.

– برأيك هل هناك إمكانية لأن يتبنى النظام حلولاً إصلاحية جوهرية للخروج من الأزمة، وبالتالي إيقاف الحل الأمني؟

* رستم: منذ اليوم الأول كنت مقتنعاً أن النظام سيضرب، ولن يتراجع لأن الاستبداد لا يستطيع تغيير جلده، وثمة من أجاب على هذا السؤال بشكل طريف عندما كنا ضيوفاً على عائلة ثرية منزلها مؤلف من ثلاثة طوابق، سأَلتْ سيدة من أفراد العائلة عن سبب عدم إقدام د. بشار على حل الموضوع وسبب عدم تساهله، فرد هذا الشخص، ما رأيكِ لو تعطيني الطابق الأول، وتعطي الأستاذ مصطفى الطابق الثاني، وأنت خذي القبو فهو جميل جداً، أجابت باستهجان: لكن هذا منزلي، فرد عليها، هكذا الأمر بالنسبة لبشار الأسد بالضبط، رجل ورث سورية ونحن نريد أن نشاركك وبالتالي كيف نشاركك.

وماذا كان رأيهم عندما طرحت عليهم مخاطر الحل الأمني ؟

*رستم: أنا مقتنع أنهم لن يتقدموا خطوة واحدة، لكن هذا شيء، وأن نحاول الضغط إلى أقصى حد من أجل المشاركة شيء آخر، والضغط ليس على  د. بشار، هناك طبقة حاكمة.

طبقة أم أسرة ؟

*رستم: هناك أسرة وطبقة حاكمة، وهناك فئة اجتماعية تشعر أن مصيرها في خطر، وهناك أناس يحبون بشار الأسد، وهناك فئة تعتقد أن مستقبلها غامض إذا زالت هذه الأسرة، لذلك يجب أن يتركز خطابنا على هؤلاء جميعاً، وأنا سمعت من أحدهم تعليقاً فحواه: هل يعقل أن يطلب مصطفى رستم من بشار الأسد تحقيق مطلبين هما أن يكون المواطن حراً وأن يشارك في مصيره، وهل رستم مقتنع أن بشار سيقوم بذلك ؟

على كل حال أنا متفق مع هذا الشخص، وبشار الأسد لن يتراجع، المهم هناك فئة اجتماعية تحس أن مصيرها مهدد، ويجب إيصال رسائل لها بأن ذلك غير صحيح، وهي لن تستجيب فوراً لأن هناك أحياناً ردود فعل لا عقلانية، لذلك لدي قناعة أن التغيير لن يحدث إلا بتبديل موازين القوى ومادام الرئيس يعتقد أن ميزان القوى لصالحه لن يتغير شيء.

قابلت ضباطاً ذوي رتب عالية، وأحدهم طلب مني  توجيه رسالة باسمي الشخصي للرئيس في 20 أيار، أخبرته أن الوقت تأخر، وأن القرار المناسب في الوقت المناسب، لكنه ألح، فكتبت رسالة فحواها إن نظام الاستبداد ساد لقرون مديدة والآن جعل التطور العلمي والتقني هذا النظام في طور الانقراض وعملياً لم يعد هناك سوى بضعة أنظمة من هذا النمط في أسيا، وبالتالي لا يمكنك لا أنت ولا غيرك الوقوف في وجه التطور، لذلك انتبه لمصلحتك، أطلب منك إيقاف الحل الأمني والتوجه للناس الذين تعتقلهم والنظر إليهم كشركاء في المستقبل، صحيح الوقت تأخر، لكن يمكن إيجاد حل إذا ما سرت في هذه الاتجاه، وذكرت له أن لديه عدوين أساسيين الأول الأجهزة الأمنية البارعة في استفزاز المواطنين وإثارة حقدهم ضد السلطة والثاني إعلامه المستفز، وبصراحة الأمور تتفاقم بفضل هذين الجهازين، وأشرت في الرسالة إلى وجود نوع من الفساد وأن مكافحته تبدأ بإزالة الاستبداد، وهناك عبارة شهيرة تقول السلطة المطلقة فساد مطلق، إضافة إلى وجود نوع من التزوير الفاجر والمزعج مثل الانتخابات، وأشرت إلى أن عملية التزوير غير معقولة وتحدث ردة فعل طبيعية لدى المواطن وهي مقاطعتها طالما تتقرر النتائج سلفاً.

وجهت هذه الرسالة في 28 أيار وفهمت أنها وصلت للرئيس، لأنهم كانوا مرتبكين من لهجتها أو شيء من هذا القبيل .

أنا لم أسع للقاء أحد، وأريد لفت الانتباه، للتاريخ، أنه عندما يأتيني أمن الدولة، يسألني ما الحلول العاجلة والآجلة يعدني أن الإجابة ستصل لرئيس الجمهورية، وفي اليوم التالي يأتي عقيد من الأمن العسكري ليسأل السؤال ذاته، وبعد ذلك  أذهب إلى دمشق فأفاجأ أن مدير مكتب الأمن القومي يطلب رؤيتي، والتقيته قبل خطاب الرئيس الأول بيوم وسألته إذا كانت هناك قرارات إصلاحية فأجاب أجل، مضيفاً أنه لا يعرف ما هي، لكنها ستكون على طاولة الرئيس الساعة العاشرة صباحاً إذاً من حقي الاستنتاج أن هناك جهات في الأمن تريد إصلاحات .

أعرف طبيعة الأمن، لا يجرؤون أحياناً على تقديم اقتراح لكنهم قد يسوقون اقتراحاً، وأشرت للرئيس في الرسالة أن الحكاية ليست تعديل مواد في الدستور، لان هذا الأخير لا يطبق أصلاً، وضربت له مثلاً المادة 28 المتضمنة منع التعذيب الجسدي والنفسي منعاً باتاً، وحتى المادة الثامنة  لم تطبق أصلاً، وكنت تحدثت بشأنها مع حافظ الأسد عندما حاول إقناعي بالتعاون مع بعضنا، قلت له إذا أقدمت غداً على الحركة التصحيحة اعتبر أن الحزب انتهى، فرد إذا لم تكن واثقاً بنا استلم أنت الحزب، فقلت له: فخارة وتقوم بتكسيرها، وتقول لي اجلس وابدأ بتلزيقها، لا يمكن ذلك، الحزب مؤسسة إذا انضرب خلص انتهى.

لهذا أبلغني ناجي جميل بعد تسلم حافظ الأسد السلطة بأن قرارنا هو أن يكون الفريق قائداً للمسيرة، فأجبته بأنكم كقيادة استقلتم من دوركم وهذا أمر طبيعي. بالنسبة لي استقلت من القيادتين القطرية والقومية منذ عام 67 لأنني طالبت بصحافة وانفتاح وإقامة جبهة، رفضوا فاستقلت. أرسل لي عبد الحليم خدام  وعبد الله الاحمر والرائد عز الدين ادريس ليخبروني أن الفريق وافق على سياستي التي أطالب بها منذ عامين، فأجبتهم مع فارق واحد، كنت أطالب بجبهة لتقوية وضع الحزب، الآن ستستخدم لضرب الحزب، وبالتالي لن تقوم جبهة، ثم جاء أدهم مصطفى وفايز إسماعيل ويوسف فيصل من أجل الموضوع نفسه فقلت لهم شخص لم يتحمل رفاقه هل تعتقدون أنه سيتحملكم، لن تكون هناك جبهة، وهذه الدعوة هي لتمضية مرحلة، والتغطية عليها، وهذا  ما قادني إلى السجن.

أنا أقول للدكتور بشار الأمر لا يتعلق بالدستور، وليست حكاية قانون، بل هل تمتلك إرادة التغيير أم لا، هذا هو المفتاح، فإذا امتلك الإرادة، يحتاج إلى أدوات ويجب أن يتعاون مع أناس بالمعارضة لهم مصلحة بالتغيير.

إذاً تعتقد أن هناك جزء من السلطة لديه رغبة حقيقية بالإصلاح؟

*رستم: عندما يأتي البعض ليأخذ رأيك ويسوقه للرئيس، ماذا تستنتج، أليس هناك من يرغب بالتغيير. وللإنصاف، ليسوا جميعهم كانوا يريدون التسويق، لكن بعضهم مثل مندوب القصر الجمهوري ومندوب العميد ماهر كانوا يرون ماذا يمكنهم الاستفادة مني، أنا ذهبت للضغط باتجاه التغيير، وهم بحثوا كيفية الاستفادة مني، لذلك عندما ذهبت إلى اللاذقية أخذوني بسيارة فخمة، وفي المساء عدت بحافلة، والحمد لله أنني كنت أحمل أجرة الطريق.

الحياة السياسية دبت في الشارع، وما يحدث الآن لا ينتظر أي قانون على الإطلاق، فهو عمل سياسي مباشر بامتياز، والقول ان المواطنين ليس لديهم وعي هو كلام فارغ فالمواطن يعي لب الموضوع وداخل في عمق الحكاية .

إذا كان هناك من لديه رغبة حقيقة بالإصلاح، فهذا يعني أن هناك إمكانية للحوار؟

*رستم : المتظاهر غير معني بالحوار، يدخل في لب الموضوع بأن النظام سوف يسقط، دخلت في جدل مع المتظاهرين بأنني لن أطالب بإسقاط النظام لأنني سأطالب بالتغيير الذي يتضمن الإسقاط،ولن أكون أسير الشكل،لأنني إذا طالبت بالإسقاط ولم يكن ميزان القوى ملائماً، أكون وقعت في مأزق، أما أن أتراجع أو أضع نفسي في طريق مسدود. وبصراحة أقول لك، ما دموا أقوياء لن يحاوروا، وإذا المعارضة قويت، لن تحاور، لكن في لحظة ما قد ينشأ تفاوض وليس حواراً .

هناك شيء اسمه عمى القوة، وليس بشار وحده المصاب به، إنما بوش أيضاً أصيب به، وكان يعتقد أن الولايات المتحدة لديها القوة الكافية لإنهاء هكذا أنظمة، لأنه كان يشعر أنها أنظمة ضعيفة ومهلهلة، وبالتالي موجودة في فراغ وجاءت على فراغ، وعندما تورطت الولايات المتحدة في العراق تحولت إلى قوة مدمرة لنفسها، ولأول مرة في  التاريخ تبدأ مقاومته خلال 15 يوماً، مقاومة للاحتلال وللقوى الاجتماعية وللنفس، وما حدث في العراق ظاهرة جديدة في التاريخ يجب أن تدرَّسْ، وبالتالي اكتشف بوش أن قوته لا تفيد وبدأت تضعف.

ألا يخشى أن يؤدي انهيار السلطة فجأة لأي سبب إلى انهيار أجهزة الدولة بالتالي الدولة في آن معا؟

*رستم : لا، في إحدى مؤتمرات الإنقاذ الوطني ُطرحَتْ فكرة حكومة الظل، وقال لي د. وليد البني ببساطة نحن نعتبر النظام سقط بالتالي يجب ألا يكون هناك فراغ، وأجبته بأنه سقط أخلاقياً وأدبياً، هذا ممكن، لكن لم تزل لديه درجة من القوة والتماسك واضحة، أما أن نقول سقط فهذا غير معقول، وفي حديثي الأول على قناة الجزيرة قلت أن المسألة لا تتعلق بشهر أو شهرين، وليست مسألة نظام أو نظامين، المسألة تتعلق بعقود، نحن نؤسس لعقود، أقول الاستبداد انتهى لكن كم سيلزم من الوقت، لا أعلم، لكنني مقتنع أن التاريخ يسير على هذا النحو، وبالتالي هو مهزوم، وعندما أمد يدي له، أحاول إنقاذه، فالمهم في الصراع هو محاربة الوحش في الآخر وليس قتل الآخر.

هل يعني هذا أنك تريد إنقاذ النظام ؟

*رستم : إنقاذه كإنسان من خلال ضرب توجهه وإنهاء المشكلة بأقل الخسائر، ستسألني إن كان قلبي حنوناً عليه إلى هذه الدرجة، سأرد بأن المسألة وطنية والقصة لا تتعلق بالحنان، إنما هناك خصوصية لهذا النظام، وهي أنه يمثل فئة اجتماعية، شئنا أم أبينا، هم من أبناء وطننا، أولادنا وأولادهم، أحفادنا وأحفادهم يجب أن يعيشوا سوية. وأنا حين أتحدث عن التغيير هدفي الحفاظ على وحدة الوطن لذلك قلت إن ميزان القوى قد يملي علينا في مرحلة من المراحل نوعاً من التفاوض وليس الحوار، وبالتالي قبول حل وطني وسطي أو أكثر من وسطي أو أقل، لأننا لسنا وحدنا في الصراع، لهذا قلت لوليد البني إن طرح حكومة ظل أمر خطير، لأنها خطوة قد تتبعها خطوة ثانية وهي طلب الاعتراف الدولي فيها وبالتالي استدراج للتدخل الخارجي.

لكن السلطة بإصرارها على الحل الأمني تهدد الوحدة الوطنية وتفتح باباً للتدخل الخارجي؟

*رستم : قلت على قناة الجزيرة تعقيباً على خطاب الرئيس، سأسلم أن هناك مؤامرة، لكن القضاء عليها يكون بعدم الاستجابة لها وسحب البساط من تحت أرجل المتآمرين، ويجب قطع الطريق عليهم بإجراء إصلاحات، لذلك أرى أن الحل الأمني هو الاستجابة للمؤامرة أوبصيغة أخرى، إذا استمر الحل الأمني ستبدأ المؤامرة: لأنه لا توجد مؤامرة في الحقيقة، وبصراحة ما يقلقني الآن هو ما صرح به أردوغان بأن مستقبل سورية غامض وفي خطر، ويومها تساءلت ألا يوجد صحفي عربي يسأل أردوغان عن ماهية هذا المستقبل الغامض، فإن أجاب نكون فهمنا شيئاً، وإن لم يجب نفهم أيضاً شيئاً، لأننا في ثقافتنا نسمي لواء اسكندرون بالسليب، وهم يعتبرون سورية سليبة، ولديهم خلفية تاريخية عبارة عن أربعة عقود من السيطرة، وبالتالي طبيعي أن يعتبر المواطن التركي أن سورية اقتطعت من بلده، قد تقول لي إن هذا خطأ أو صواب، هذا موضوع نقاش آخر، لكن هذه الحالة تجعلنا نحس بالخطر، ولا بد في صراعنا مع الاستبداد أن نأخذ بعين الاعتبار أن القوى الخارجية ستبدأ اللعب، ولذلك قلت لهم في مؤتمر الإنقاذ أن دعوتهم خطيرة جداً، فأجابني وليد البني أنه يتفق معي، وطلب مني الحضور لنكون معاً ضد هذه الفكرة، لكني رفضت، لأن على السياسي أن يعرف على أي أرض يضع قدمه عندما يريد الإقدام على خطوة. الدعوة كلها قائمة على  خطأ، أولاً قائمة على أن النظام سقط، وهو لم يسقط، وثانياً على فكرة حكومة الظل، وهذه لها أبعادها، فالسلطة المباشرة تمارس ضغوطاً وقادرة على خنقنا بالمادة الغذائية والسلاح والشبيحة، وبالمناسبة قادرة على تجييش مئات الآلاف، وإذا نظرنا إلى مظاهرات التأييد نجدها فعلاً مئات الآلاف، وأنا مقتنع أنه قادر على إخراج الملايين، لذلك لا أقول له إنه يكذب، إنما أرد عليه بأنني أتمنى لو يصدق أن هؤلاء مؤيدون له، فإذا صدق تحل المشكلة بالانتخابات، لكن المشكلة أنه لا يصدق.

لو كانت لديه قناعة أنه يملك نسبة 70 – 80 % من المؤيدين هل تتوقع منه إجراء انتخابات حرة وبرقابة دولية؟

*رستم: ليته يصدّق، لكنهم غير مصدقين، ويعرفون الحقيقة تماماً وهو ما سمعته من أحدهم منذ عشر سنين، عند بدء التضييق على المنتديات فيما سمي بربيع دمشق، قال لي نحن نعرف أن 80 % من الناس ضدنا و20 % معنا، وبالتالي دورنا هو كيف نحول دون تجمع 80 %، وكيف نفتتهم، هذا هو جوهر السياسة، كان هذا الرجل يتحدث بإخلاص وبعيداً عن الإعلام ولديه رؤية صحيحة ويعرف القوى التي يملكها وسبل تجمع الناس. إذاً سيعتمد استمرار النظام إما على قوته أو على عدم وجود بدائل قوية، لكن البدائل ضعيفة، وهو لم يعد قادراً على البقاء قوياً لأنه هش جداً وقائم على الفساد والرشوة وليس القناعة.

وذات مرة ألقيت محاضرة عن الفساد جاء فيها أنه يمكن لأفريقيا الوسطى أن يكون لها زبائن عندنا وقادرة على أن تشتري زبائن لأن من يستطيع أن يبيع ذمته بعشرة آلاف ليرة يبيعها بمليون، وبالتالي نظامنا ضعيف جداً وهش، وحتى الآن أرى د. بشار أو السلطة ليست هي من يدير البلد إنما الأجهزة، لكن ما يريده الرئيس ينفذ، مثلاً عندما يطلب منهم أن يعتقلوا يقومون بالتنفيذ، أما عندما لا يتدخل ينفذون على طريقة “حارة كل مين إيدو له”، لذلك سياسات الأجهزة الأمنية مختلفة.

هل يمكن القول أن انهيار السلطة قد يترافق مع انهيار أجهزة الدولة وبالتالي الدولة، لأنه كما تقول نظام ضعيف وهش ولأنه لم يبنِ مؤسسات حقيقية؟

*رستم : هنا موضوع السلطة والدولة، فالسلطة شئنا أم أبينا ابتلعت الدولة أو دمرتها والدولة هي جملة من القوانين والأنظمة لمؤسسات تدير مصالح الناس، ولكن السلطة لا تهتم بالقوانين، والدستور لا يطبق، ولا توجد أنظمة ولا قوانين، ومساعد في أمن الدولة أو الأمن العسكري يقول للوزير نريد توظيف فلان، عليه أن ينفذ سواء كان ذلك ممكناً أو غير ممكن.

إذاً، السلطة ابتلعت الدولة أو عزلتها ودمرتها، لذلك عزل السلطة هو حماية الدولة، ومهمتنا هي العودة للدولة، وبالتالي شئنا أم أبينا السلطة شلت المجتمع والدولة، والآن نهوض المجتمع حقيقي ولا رجعة فيه، وأراه كالصوص الذي خرج من البيضة وأصبح كائناً حياً أو عملاقاً خرج من القمقم، كان متكلساً بالرعب وانكسر وانتهى. لدي قريب بسيط عبر عن ذلك ببساطة في أول يوم من التظاهر، أراد الخروج فأخطأ الجامع، وذهب إلى مسجد آخر، انتظر حتى خرج المصلون، وبدأ يهتف حرية حرية، لم يرد عليه أحد ووجد نفسه في ورطة، فقال لهم لطيزي. كان يوجد هناك عناصر أمن، وأخذوا يضحكون عليه، فهرب وظل طوال يومه فاراً يعتقد أن الأمن يطارده، وفي اليوم الثاني وجد نفسه رجلاً آخر، لا علاقة له بالشخص الأول، قال لي أنه أحس أنه ولد من جديد، لذلك أنا مقتنع بالانتصار، لكن كم يكلف وكيف يمكن تقليل عدد الضحايا.

منذ فترة شهر تقريباً، جاءني مساعد في الأمن وقال لي ببساطة بالنسبة لبشار الأسد إما أن يضرب مثل الخلق أو يترك، هذا مساعد، مع ذلك هو يمثل قوة، لذلك أقول دون أن أظلم فاروق الشرع أن هناك مساعدون في الأمن أهم منه بكثير.

الواضح إذاً أن هناك توجه لضربة كبيرة، وأنا لم أجادله بالموضوع لأنه ليس صاحب قرار، لكنه نقل لي توجهاً، لذلك علمت أنهم سيوجهون ضربات كبيرة، ليس قتلا فقط، إنما اعتقالات واسعة أيضاً، بمعنى إذا اعتقلنا في حماة 7 – 8 ألاف وفي السلمية 400 – 500، يمكن أن نوقف التظاهر، لذلك كان ردي عليه، إنكم تقعون في أخطاء جدية وحقيقية، وبالتالي سياستكم من ألفها إلى يائها فاشلة، أنتم قلتم الإصلاح وألغيت حالة الطوارئ واتبعتم الحل الأمني فماذا كانت النتيجة، إذا كان القصد هو الردع لم يرتدع أحد، بالعكس تزايد أو تضاعف عدد المتظاهرين، إذاً المفروض التوقف، وهم لا يدركون أن الشروط في مرحلة حافظ الأسد كانت مختلفة تماماً، أولاً كان هناك عمل مسلح من طرف حزب واحد محدد وواضح اسمه الإخوان المسلمون، فانفرد بهم وضربهم، وثانياً كان الوضع الدولي مناسباً، الآن الوضع مختلف، هناك حركة شعب يواجه بصدر عار. سر الخطأ عندهم أنهم يعتقدون إذا قتلوا عشرة أو عشرين ألف أو اعتقلوا مئة ألف تتوقف المظاهرات. لو كانت هناك منظمة مثل الإخوان المسلمين تعمل لكانت الفكرة صحيحة، لكن شعباً قام، ولا يقاتل، أو يقاتل بروحية جديدة، وهنا روعة الوعي، فهو مدرك أنه بسلميته يعبر عن نمط ثقافة جديد في تاريخنا، والسلمية تعني أنه لا يرغب بقتل الآخر حتى لو كان عدوه إنما تعني تحرير من يقتله أيضاً.

فكرة عدم قبول الآخر وقتل الآخر كنا نمتلكها كحركات سياسية قديمة سواء كانت قومية أو يسارية أو دينية، فالآخر كان دوماً عدواً محتملاً، لذلك علاقتنا ببعض كانت دوماً علاقة تآمرية أدت إلى صدامات واسعة معروفة بين الشوعيين والقوميين في العراق، وكيف علق الشوعيون القوميين على المشانق، وكيف وضع القوميون الشوعيين في الزنازين عندما استلموا السلطة، أي أصبحت عشائرية، عشيرة البعث ضد عشيرة الشيوعيين، فالخلفية الثقافية تستنبطن دوماً أن الآخر هو عدو محتمل، بينما الآن أنت تطرح بالسلمية ثقافة ووعي جديدين، وروعة هذا الوعي أنه يتضمن مصحلتك لأن الأمن قد يقتل في حماة حتى 1000 لكن لو حملوا السلاح سيكون القتلى بعشرات الآلاف، إذاً عملياً هناك مصلحة مادية مباشرة بمسألة السلمية، وبلغني أن سلاحهم السري في حماة سيكون على النحو التالي، إذا  دخل الجيش الزواريب والحارات سيكون هناك فدائيون يتمددون أمام الدبابات وثمة صور تنقل مباشرة عبر الأقمار الصناعية الحدث، فعملية التضحية هذه تبرز وحشية الخصم، لكنهم حتى الآن لم يدخلوا الأحياء.

الواضح أن الحامل الأساسي للحراك هو الإسلام الشعبي، وهذا له تداعيات خارجية وداخلية، وأنت تحدثت عن مطامع خارجية تركية، وداخلياً هذا يثير مخاوف الأقليات وله تداعيات فيما بعد، إذ قد يجري تسييس هذا الإسلام الشعبي؟

*رستم: أولاً يجب الاعتراف أن مجتمعنا متدين، والتدين شيء وتسييس الدين شيء آخر، بمعنى أن الإخوان المسلمين برأيي أضعف مما نتصور.

نحن كحركة كنا أقوياء وتلقينا الضربات 17 مرة، ومع ذلك طلبوا منا أن نعيد البعث الديمقراطي، لأننا كسجناء نعادل من حيث الحجم كل التجمع الديمقراطي الوطني، كنت ضد الفكرة، لأن فكرة البعث انتهت، وصارت كلمة البعث مثل القاعدة، القصة لم تكن أننا كنا صالحين أو أرذال، القصة أن صدام حسين وحافظ الأسد كانا ممثلين للبعث لأربعة عقود، وبالتالي الناس لم تعد تقبله نفسياً. بقي الاتجاه الديني، كيف يتسيس وهناك دعوة لكتلة وطنية  وتأطير للتنسيقيات فكرتها بسيطة تقوم على أن حراكاً سياسياً يجمع أوسع طيف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لديهم مهمة محددة هي تغيير النظام وإقامة نظام وطني ديمقراطي، لكنه يتضمن مواجهة أخرى، لأنه شئنا أم أبينا، سيبرز اتجاه ديني ايدولوجي يدعو للخلافة ونرغب بمواجهته، إلا أن الوضع الشعبي لمصلحة الكتلة الوطنية لأننا إذا حسمنا إن 30 % أقليات، يبقى 70%، لا يمكن أن نسميهم طائفة، وبالمناسبة السنة ليسوا طائفة، لأن من بين 300 مليون في الوطن العربي هناك 250  مليون سني، فالطوائف هي أقليات، بالتالي هؤلاء 70 % نصفهم على الأقل لن يكون متديناً وبالتالي لديك  60 – 75 % توجههم وطني، وهنا جاءت الفكرة الدعوة لكتلة وطنية.

ربما هذا الكلام دقيق في حال استمر الحراك ولم يكن هناك عامل خارجي؟

*رستم : لماذا قلت كتلة, لأن فرنسا حاولت أن تقيم خمس دول، نجحت بإقامة لبنان وإعطاء اسكندرون لتركيا، لكنها فشلت بسبب الرد الوطني وأنجز الاستقلال، نحن الآن مهددون بالانقسام، شئنا أم أبينا، إذا هذا النظام انشق، ونرى الإعلام يجيًش بطريقة طائفية، وحادثة جسر الشغور كانت خطرة جدا ورسالة خطرة، كان هناك 86 رجل أمن علوي ظلوا يومين محاصرين ولم تنجدهم السلطة، وابن عمة رئيس المفرزة أخبرني أن هناك حديثا مسجلا أربع مرات يقولون لهم ليس لديهم سلاح ولا ذخيرة وسوف نذبح ولم ينجدوهم وتركوهم، لماذا؟ كان يمكن إرسال حوامات لهم، كيف تركوا 86 انسانا للذبح، وبقوا يومين يقاومون دون نجدة، هذه بصراحة إشارة استفهام ولها دلالة سياسية، وأعتبر أن هناك خلفية سياسية لإهمال السلطة لهم.

وهناك إشكالية ثانية أفترضها من طرف المعارضة وهي أن الناس يقتتلون، ولكن لماذا التقطيع والتشويه، هذه أيضا رسالة سياسية وليس عملية سياسية، وأخشى أن تكون من أحد أطراف المعارضة ومضمونها أن هذا مصيركم أيها العلويون، وبالتالي ليس أمامكم سوى استخدام كل القوى لجر البلد إلى الحرب الأهلية.

برأيك لماذا لم ينجدوهم ؟

*رستم: أنا سألتهم هذا السؤال، وبرروا بأن الجسر منطقة صعبة وأن هناك طائرة انضربت، فقلت لهم لماذا لم ترسلوا عشر طائرات، لأنه على فرض كان الصراع مع إسرائيل، هل تتركون سرية كاملة تباد ولا تحاولون إنقاذها، بصراحة هناك غرض سياسي في خلفيتها، والتقط أهل الجبل الرسالة، وتساءلوا لماذا تركتم أولادنا يذبحون ويوما ما ستتكشف الأمور، ونعرف لماذا جرى تقطيعهم

هوجموا وقتلوا وقطعوا، لكن لماذا دفنوا؟

*رستم: المسألة لها سبب سياسي وليس قتالاً عسكرياً أبداً، لأنه كما قلت لماذا دفنوا. وقالوا هناك سلفيون بدرعا، وقناعتي أنه لا يوجد، لم أقل لهم كذابين، ولكن من حقي أن تكون هناك محاكمة علنية، عملوا لجنة تحقيق منذ أربعة شهور فأين ذهبت هذه اللجنة؟ وإذا هناك عملية طمر لأن القصة ليست صحيحة.

 أما بالنسبة لما حدث في الجسر وادلب أشعر أن القصة غامضة، وحتى من يأتي من ادلب  والجسر لا يستطيع أن يجيب على شيء لأنه لم يفهم ما جرى وما القصة، أما الدولة فيجب أن تكون  تعرف لكنها لا تقول شيئاً، أنا لست متشككاً في المعارضة والأطراف الخارجية فقط، إنما في السلطة وتصرفاتها، لان كل ما تقوله وتفعله غير مقنع، وهنا مكمن الخطر، وإذا أرادت الاستمرار في الحل الأمني بهذا الشكل سيتطور الأمر إلى صراع طائفي، لأنه إذا انتصرت السلطة يعني أن الناس وصلت لليأس واليأس، سينتج حملة إرهابية خطيرة جدا تتناول طائفة محددة.

أي تكلفة نجاح هذه الحركة اقل بكثير من تكلفة فشلها؟

*رستم: هذا صحيح، لأن الوعي أحياناً غير كاف، فالرصاص والسكين يخلقون ردود فعل لا عقلانية ومن يدقق في الحرب الأهلية اللبنانية يجد أنه كلما اتفقت الأطراف يذهب عشرة إلى عشرين بريئاً وأحياناً نساء ودائماً وقودها الأبرياء، هذا احتمال لكنه ضعيف وشعبنا لن يكون طائفياً.

ما هو البديل القادم برأيك؟ وأي إيديولوجية سيحمل ؟

*رستم: يتساءل الغرب أحياناً عمن سيتسلم السلطة لاحقاً، وهم غير واثقين من البديل ويجب أن يكون الرد على ذلك وطنياً فإذا كانوا يعتقدون أنه سيكون حزب قائد جديد محل حزب القائد القائم، أقول لهم إن ذلك انتهى، وعندما نقول إننا نبني نظاماً ديمقراطياً هذا يعني أنه يمكن لأي تيار أن يسود وأن يأتي تيار آخر ويتغلب عليه وبالتالي أسئلة من نمط ما البديل وما توجهاته وما الموقف من اسرائيل …..إلخ هي أسئلة سألها السفير الأمريكي، والغرب يبحث عن زبائن، وأما القول بأنه لا توجد إيديولوجية واضحة جديدة تشكل البديل الواضح الآن وهذا يعني أننا في خطر، فأنني أرد بأننا بخير لأننا نريد بناء نظام ديمقراطي، ومن يقول إن الثورة في مصر انتصرت مخطئ لأن طربوش النظام سقط، لكن النظام لم يسقط وما زال أمامه عامين أو ثلاثة حتى تتبلور الحياة السياسية، ولدينا نحن أيضا بحاجة إلى وقت، وروعة ما يحدث هو أنه  ينمي حالة وطنية.

الاستبداد شئنا أم أبينا موجود في سورية والعراق وكل دول المنطقة،  وقد أعادنا إلى مرحلة ما قبل الوطنية وصرنا نقول عن  فلان إنه علوي او اسماعيلي .

ألا تعتقد ان استمرار الحل الأمني سيكون له افرازات وسينعكس على الشعارات ووطنيتها وحتى على تسميات أيام الجمعة؟

*رستم : هذا أحد الاحتمالات وأعرف أنه احتمال لم يزل قائماً، لكن في ثورات التحرك الاجتماعي يمكن أن يحدث بنسبة 10 – 20 % وبعد أسبوعين 50 – 60 % لأن هناك حراكاً وتغيرا ً ومفاضلات.

بالنسبة  للتسميات، قلنا عندما سموا جمعة صالح العلي ألا تنسوا إبراهيم هنانو وحسن الخراط وسعيد العاص، وعندما نذكر فقط الشيخ صالح العلي فهذا نوع من النفاق مع كل أسف ونحاول التدخل بالحفاظ على التسميات الوطنية ما أمكن لكن من المستحيل آن تكون نقيا 100% ونحن نقول سلمية، لكن أحياناً هناك استخدام للسلاح ولو على نطاق محدود، وحسب معلوماتي معظم قتلى الأمن والجيش هي من تمردات صغيرة تحدث هنا وهناك، وثمة شخص كان يعمل في المدجنة عندي كتب وصيته لأمه بأنه انشق عن الجيش وقتل، وبالمناسبة عومل  كشهيد وهذه سياسة الدولة، وأيضاً المناطق التي تحاصر وفيها منشقون يحرصون على إلقاء القبض فيها على الجنود ويعدمونهم ويعاملونهم كشهداء لذلك يطوقون تلكلخ والرستن وباب عمرو، فهم لا يريدون  ترك أثر وأعرف حادثة في الرستن  قبض فيها على أربعة من العصابات المسلحة ثم اكتشفوا أنهم عساكر وجرى إعدامهم ومعاملتهم كشهداء وهذا يدفعني للتخوف لأنه لا يجري الإعلان عن جميع القتلى من الجيش والأمن، فهم يقولون إن هناك ألفا قتيل وألف من الجيش وأنا أقول إذا كانوا ستة ألاف من الطرفين فنحن بخير وللمفقودين حكاية أخرى.

أيضاً جرت حادثة في حماة عند تشييع أحد الشهداء قُتل أحد أفراد الأمن واعتذروا بأنها حادثة وقعت لأنه أعلن لهم أنه رجل أمن، لكنهم حملوا ورود بقيمة 110 ألاف ليرة وكانت الشرطة موجودة حول المتظاهرين وفجأة اختفت وحدث إطلاق نار لأول مرة على الناس مباشرة وكان مجموع القتلى 143 قتيلاً وبلا مبرر. وحتى الآن قناة الدنيا والتلفزيون السوري يعلنون عن وجود عصابات مسلحة في حماه لكن أين القتلى من الجيش والأمن لا يوجد رغم وجود أدوات دفاعية لدى الأهالي كعبوات الغاز والبنزين والسكاكين والعصي والنقيفات، لكن لا وجود لأسلحة حربية.

لكن السلطة تعتقد أن ما قامت به من إجراءات هو تغيير؟

رستم: أي تغيير!!!  أنا أقصد تغييراً بالسلطة، لأن السؤال هل هناك إرادة بالتغيير أم لا، وهذا قبل الدستور وقبل القوانين، وبرأيي حتى الآن تؤكد القوانين التي تصدر أنهم لا يريدون التغيير مثلما عند صدور قانون التظاهر، هو في الحقيقة قانون منع التظاهر، وعندما أنهوا حالة الطوارىء أصدروا قانوناً جعلنا نترحم على حالة الطوارىء، والأنكى من ذلك يسمونه إصلاحاً، فإذا كان هذا هو الإصلاح لا نريده، والناس فقدت الثقة. الأمر لا يتعلق أيضاً بإرادة التغيير فقط، ولكن بالأدوات التي ستشرف على التغيير، مثلاً يمكن أن يشكل الدكتور بشار حكومة ويعلق الدستور وتأخذ الحكومة قراراتها تنفيذية وتشريعية مجتمعة لحالة مؤقتة ويخرج المساجين، كل هذا ممكن، لكن هل يقبل الناس الآن أن يشرف بشار على ذلك، الآن هو يتسبب بقطيعة ومن هنا كانت كلمة الرئيس الروسي دقيقة بأنهم أعطوه مهلة محددة ويبدو أن الخبر صحيح وبالتالي نحن أمام أخطار خارجية، فالحل الأمني يوغل باستدعاء القوى الخارجية، وأخشى من أطراف المعارضة، أن الحسم ليس فقط مع النظام بل الحسم مع الطائفة، صحيح أن مجتمعنا ليس طائفياً ويعي ذلك، لكن الوعي شيء وعندما يحدث الأمر شيء آخر.

 قيل لي إن الاسماعيليين طردوني في عام 1958 وعندما خرجت من السجن اعتبروا  أن من سجنني ليس حافظ الأسد، وقالوها لي في المجلس الأعلى أن من سجنك هو الإمام لأنني تورطت معه في إشكال عام 1958 ومع ذلك عندما يصبح الأمر طائفيا سأحسب على الاسماعيليين وهنا الخطورة، إذاً أمامنا مخاطر جدية وبرأيي بدأنا بقطع نصف الشوط .

اذ صنفنا القوى السياسية على الساحة سنجد تنسيقيات وهي  منبثقة عن الحراك وملتصقة به وهناك القوى السياسية المعروفة تقليدياً والمعارضة الخارجية، هل تعتقد أن بإمكان هذه القوى بتركيبتها الحالية تشكيل بديل سياسي تنظيماً وبرنامجاً؟

*رستم : كانت هناك محاول لتوحيد كل الأحزاب السياسية المعارضة في الداخل وصارت ما سمي هيئة التنسيق، ومع أنني كنت عازفاً تماماً عن العمل السياسي لاعتقادي بعدم إمكانيته، إلا أنني أعمل الآن بأقصى حد لأنني أعتقد أن العمل السياسي بدأ.

حاولنا توحيد المعارضة ولم نتمكن، اكتشفت أن المعارضة لا تثق ببعضها البعض فثمة من يعتقد بوجود أطراف  من المعارضة تريد التفاوض مع السلطة، وهناك طرف يعتقد أن قسماً من إعلان دمشق له ارتباطات خارجية، وبرأيي الطرفان مخطئان والأمر متعلق بفقدان الثقة، واضطررت بالتحدث بكلام قاس مفاده أن من يعتقد أن التاريخ في جيبه ولا يمشي حتى يُخرج الختم من جيبه ويختم به، فهو مخطئ جداً والآن أقول إن هذه المعارضة أنهكت واستهلكت وتلقت ضربات كثيرة، حتى الزمن استهلكها وجميع أفرادها أصلاً في العقد الثامن والتاسع من العمر لذلك لا خطر من اختلافهم اذا اختلفوا ، أما إذا اتحدوا فيمكن أن يشكلوا رمزية معينة ويشدوا عزم الحراك الاجتماعي، لكن عزمهم ضعيف وتبقى الرمزية.

لكن هناك مشكلة البديل وتشكله؟

*رستم : البدائل لم تأتِ بعد، وصدقني لن تكون الأسماء المعروفة، وإذا وجدت مثل هذه الأسماء فلن تكون أكثر من واحد أو اثنين لا أكثر.

 مثلاً كيف تحركت التنسيقيات؟ كل منطقة تشكل إطارها السياسي وتنتخب قيادتها ولا توجد ولاية عليها، لا من المعارضة ولا من غيرها، وتعالج مشاكلها لأن لكل منطقة ظروفها المختلفة، ومستقبلاً إذا انتشرت في جميع أنحاء القطر ستكون أول خطوة هي الدعوة لمؤتمر وطني عام تنتخب خلاله مجلساً وطنياً يدير المرحلة، لكن يجب أن لا يعتمدوا على الأسماء إنما على أنفسهم، لذلك المبادئ بسيطة جداً، فهم لا يحتاجون لإيديولوجية ولا أي شيء، إنما بالدرجة الأولى عودة المواطنة وأساسها أن يكون المرء حراً وأن تكون هناك سيادة للقانون، بالتالي المؤتمر سيتحمل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ويتحمل  لحيته نصف متر حتى الملحد ليلتقوا كأبناء وطن وليس تحت سقف الوطن التي تستخدمها السلطة بمعنى تحت سقف النظام.

 هي محاولة لتأطير منبع قياداتها، الآن يقول الجميع إن مصطفى رستم لديه خبرة وتاريخ وينفشون بي، جلست معهم وأخبرتهم أنهم مخطئون، لأنه يمكنني أن أقدم لهم تصوراً سياسياً لكنهم بصراحة استوعبوا ثلاثين ألف نازح من حماة خلال أسبوع، ألا يدل ذلك على قدرتهم على قيادة الأمور وإدارتها دون أن تقع حادثة؟ هذا رائع جداً، صحيح أن الحركة سلمية ولكن بعضهم يميل إلى العنف  والآن ازدادوا وصاروا بالآلاف وأصبحت الإدارة صعبة، وحتى الآن استطاعوا ضبط القساة، إذا هم يتشكلون، وأنا لا يمكنني نقل تجربتي في الخمسينات، صحيح قدنا مظاهرات حتى  سقوط الشيشكلي، ولكن كان هناك حزب وفي حال اعتقل فلان يكمل فلان المظاهرات ثم فلان أما الآن الأمر مختلف لا يوجد من يقود، إذاً لينتخبوا ومن لا ينجح منهم أو يتراجع يتغير، وهذه لا يوجد فيها وجاهات لأنهم معرضون للاعتقالات.

في أحد المرات جاؤوا إلي وهم نافدوا الصبر وسألوني كم شهراً سنبقى هكذا، قلت لهم إنكم تصنعون التاريخ ومن يصنع التاريخ عليه أن يكون على قدر قامته، والأهم أنتم تريدون تحرير الوطن، ومن  تريدون تحريرهم هم من يضربونكم الآن، وضربت لهم مثلا في أول مرة اعتقلت فيها مدة أربعين يوماً، أخرجوني عشرة دقائق أمضيت منها ثماني دقائق وعيوني تؤلمني ولا أرى،  ولأول مرة أحسست أن الشمس تؤلم العين ثم، دقيقتين وأرجعوني وبقيت عشرين دقيقة للتأقلم ووجدت أن الشمس تؤذي العين فما بالكم بأناس عاشوا وفق نمط أن هذا سيد الوطن ونحن العبيد، صحيح أن قلة قليلة عارضت وقالت لا، لكنها انضربت والتعن أبو أبوها، وكان هناك من يقول لا، لكن المجتمع عملياً خضع للمسألة، وسادت سياسة هس بياكلك البس، وصاروا كالفئران، والآن انتفضوا، والغطاء السياسي قادم، ويجب ألا نخاف منه. كنت سابقاً أعاني من مسألة الحزب والجيش، فقبل استلام حافظ الأسد كنا نشعر أن الجيش له سطوة، فأنا أنجح وأحصل على أصوات أكثر من الجميع،  لكن حافظ الأسد أو صلاح جديد أقوى مني لأنهما في مؤسسة عسكرية.

نحن الآن نضرب أعتى نظام، ولا يمكن للجيش أن تقوم له قائمة الآن كنظام عسكري، وكنت أضع معادلة، بما أن الحياة السياسية ضعيفة فإن الجيش هو من يملأ الفراغ، وإذا نشطت الحياة السياسية سيتراجع دور الجيش،  والآن بدأ دور الجيش يتراجع ولا عودة أبداً إلى الاستبداد العسكري، لذلك لدينا آمال عريضة جدا ألا  يكون هناك مطبات ومشاكل، مثلاً هناك في الخارج معارضات تحاول الاستيلاء على كل الحراك مثل محمد رحال الذي أصدر بياناً باسم 75 تنسيقية بأنه يمثل الثورة في سورية ولديهم ثلاثة أهداف، إسقاط النظام وضرب حزب الله وضرب إيران، وهو بذلك يعبر عن اتجاهه وأنه يريد أن يصبح صاحب الثورة، وهناك محاولات لغيره، لكن في سورية يعرفون من هم أولئك الذين في الخارج، أما من في الخارج فلا يعرفون ما يجري في سورية، لذلك لا خوف من هذه  المحاولات.

سورية عبارة عن عقدة توازنات دولية وإقليمية وعربية وإذا كانت ليبيا جائزة نفطية فإن سورية جائزة سياسية، ألا يرفع ذلك درجة الأخطار عليها وعلى المنطقة؟

*رستم : أنا بعثي، وما يجري الآن عكس ما كان يعتقده البعث، وإذا حلت مشكلة سورية ستحل مشكلة العراق والأردن وسيأتي دور السعودية. لأن فيها غنىً فاحشاً واستبداداً وفساداً خاصاً جداً، وبالتالي هي مهيأة، وستحسم الموقف، لكن سورية هي بالفعل جائزة سياسية هائلة لكن لمن؟ لمواطنيها، لن تستطيع لا أمريكا ولا غيرها الحصول عليها وقلقهم في محله وسمعت أن بهجت سليمان كتب رسالة على طريقة رامي مخلوف لاسرائيل ومفادها أين تلعبون كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟ في سنة 1968 ناقشت وضعنا السياسي واختلفنا، وكنت مع التشدد عربياً والمرونة داخلياً، لذلك ناديت بحرية الصحافة وتعدد الأحزاب وإقامة جبهة وفشلت العملية وقدمت استقالتي، والآن سقط الاتجاه القومي ولم أكن أتصور أنه سيستمر لعقود أربعة لكنني انطلقت من منطلق بسيط أن أي توجه سياسي أو حزب أو سلطة سيكون أمام امتحان، إما أن يعبر ويلبي  احتياجات المرحلة أو يسقط لأنه لا توجد في الحياة خيارات كثيرة، إما التقدم أو التراجع، وبرأيي لم نكن نلبي احتياجات المرحلة وبالتالي سقطنا وسقط الاتجاه القومي ككل وبالمناسبة الملك حسين كان ذو اتجاه قومي لكن من الطرف الآخر.

 الآن هناك حالة نهوض واضحة جدا لكن بطريقة مختلفة عن حزب البعث، لأن المدخل لأية مسألة قومية أن تكون وطنياً والتوجه القومي ليس ايديولوجياً، المسالة بسيطة جداً تتعلق بالانسجام مع التوجه التاريخي القائم، وأروبا طرحت هوية جديدة اسمها الهوية الأوربية حتى تعبر عن مصالحها المادية وتحميها، لذلك يفترض بنا الاهتمام بميحطنا وأن ننشد إلى العراق أكثر من تركيا، وفي أحد المرات قلت لميشيل كيلو أن ديمقراطيتنا ستؤثر على الديمقراطية الغربية لأن خلفية هذه الأخيرة عدوانية بحتة، لأنه إذا كانت الديمقراطية تعني أن يكون المواطن حراً، كما يقولون، فان هناك قبل ذلك حرية الحياة، فماذا فعلوا ببلدان العالم الثالث، فرد ميشيل كيلو بأن هذا يعني أننا عدنا إلى الرسالة الخالدة، قلت له:  لا، وإذا كانت هذه الحركة ستترك بصمة في التاريخ فإن اوباما أكثر من عبر عنها عندما قال أن ما يجري في البلدان العربية هو بصمة جديدة في تاريخ الانسانية وإذا أصبحت الوطنية وألف بائها هي الاهتمام بالجميع وبالخصوصية واحترام حرية الناس، وأن أعرف أنني والكويتي لن نلتقي إطلاقاً في وحدة إذا خسر الكويتي ديناراً واحداً، وبالتالي الوحدة ليست طوباوية، إنما هي شكل من أشكال التحالفات لنعيش مع بعضنا ونحمي ثروات بعضنا وألا تكون على حساب هذا أو ذاك، وهو ما يعني نمطاً جديداً وثمة شخص مصري قال: الآن أصبحت الوطنية مدخلاً إجبارياً للحالة القومية.

جميع النظم الثورية لم تسقط إلا بتدخل خارجي وشكل من أشكال الحرب الأهلية، هل ستشذ سورية عن القاعدة؟

*رستم: في التاريخ توجد دوماً خيارات عديدة ومن ضمنها الحرب الأهلية، لكن احتمالها ضعيف، لأن الطوائف ستدرك بأنه لا مصلحة لها فيها.

ليس قدر سورية أن تشابه ليبيا أو اليمن، وعلينا ألا نتعجل لأن الثورات لم تكتمل بعد ولم تنته قصة تونس ومصر بعد، لكن يمكن أن نكون أسرع منهم.

هناك من يقول إن طول فترة الحراك الشعبي هو أضمن لنجاح الثورة وجذريتها من مصر وأنه يؤدي إلى تعزيز الوعي الوطني ويجنب مخاطر الحرب الاهلية

*رستم : هذا احتمال، والحرب الأهلية ليست قدراً، لكنها محتملة. يمكن إزالة أسرة الأسد، ولو أنه سمع مطالبنا من البداية لاحتاج إلى عامين أو ثلاثة للإصلاح ولكانت المهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة ولكان أسهم في صنع ثقافة قبول الآخر، لكننا نحن في الاتجاه القومي تكفيريون لعدم قبول الآخر.

 أنت الآن تطرح سلمية الحراك، وهذا نمط ثقافي عميق جداً ولا تنسى أن الثورة الفرنسية بقيت قرناً كاملاً دون أن تقول إنها انتصرت ونحن من حيث لا ندري نؤسس لثقافة انسانية جديدة  لم تتضح معالمها بعد لكنها تمارس في الواقع.

الشرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى