صفحات العالم

قال الرئيس


حازم الأمين

من يمعن التفكير في ما أراده الرئيس السوري بشار الأسد عندما قال لمحطة “أي بي سي” الأميركية من أنه ليس من يعطي الأوامر للجيش والقوى الأمنية بإطلاق النار على المدنيين، لن يخلص إلا إلى جواب واحد، جواب بسيط وغير ذكي يتمثل في أن الأسد يتنصل من دماء السوريين المراقة كل يوم.

هل من استنتاج بديهي وبليد أكثر من هذا الاستنتاج؟ لكن وبما أننا حيال كلام لرئيس دولة، فلا بد لنا من السعي الى الاستنتاج. هذا ما دأبنا عليه منذ بدأنا ننصت الى الرؤساء، وهذا ما نعتقد أنه من الواجب أن نفعله. فبؤس هذا الواجب وبؤس هذا الدأب، ذاك أننا ننخفض بذكائنا الى مستويات مهينة عندما نستنتج من الكلمة، الكلمة نفسها، ومن الفكرة ما لا يتعداها بخطوة.

لكنه كلام رئيس دولة بحجم سورية، سورية المتوترة والمنتفضة والمحاصرة، سورية التي ننتظرها وتنتظرنا، فكيف لنا أن نهمل هذا الكلام، أو أن نرميه في سلة بداهاتنا.

قال الرئيس إن ما يظهر على الشاشات من صور ومشاهد غير صحيح، وقال إنه لا يؤمن بالأمم المتحدة وبمجلس الأمن، وقال وقال…

لكن أهم بديهية قالها إنه لم يعط أوامر للجيش بقتل المدنيين. فهل يؤشر ذلك الى تحول ما في الدعاوى السورية الرسمية حيال الانتفاضة؟

يرجح ديبلوماسيون عرب أن ثمة خللاً بدأ يظهر في ماكينة النظام. وهؤلاء التقطوا مؤشرات عدة جعلتهم يعتقدون أن تخبطاً بدأ يظهر في أداء “السيستم” في دمشق. التخبط في التعاطي مع القرارات الاقتصادية في ظل نتائج العقوبات، والخطأ الذي ارتكبه وزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمره الصحافي الأخير عبر عرضه صوراً من لبنان على أنها من سورية، وبالأمس خرج الرئيس ليقول ما قاله على محطة “أي بي سي”.

لا سيناريو للأزمة السورية في جعبة الديبلوماسيين العرب سوى أن يتفاقم مأزق النظام ويجري حدث ما من داخله، وهؤلاء يمعنون التأمل في ما ترسله دمشق من إشارات.

 يُبررون المهل المتلاحقة التي تعطيها الجامعة العربية للنظام باعتقاد مفاده أن “وراء كل مهلة اهتزاز يلتقطون علاماته من خلال ردود النظام عليها”.

بين ما ينقله الديبلوماسيون من مفارقات سورية، أن النظام هناك قام بتثبيت رقم القتلى اليومي وفقاً للرسائل التي يريد ايصالها. الموافقة المشروطة على المبادرة تقتضي رقماً من القتلى، وللتأجيل رقم مختلف، والمؤتمر الصحافي للخارجية يقتضي تخفيضاً للرقم. أما الخلل الذي رصده هؤلاء فيتمثل في أن ارتفاع عدد القتلى الذي يسبق المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية أو للناطق باسمه، فيعني أن ثمة من هو غير موافق على القيام بهذا المؤتمر الصحافي.

إنها رسائل الدم، الذي يعتقد مريقوه أنه دم سهل، وهم مخطئون بذلك كل الخطأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى