صفحات المستقبل

نزهة بلد

 


« عنّا بسوريا

بعد أن تأزمت الأمور في سوريا، وصار القتل والاجرام وفورة الدم وتدمير الممتلكات العامة العدوة للبلد، والبدء باسقاط الأخلاق والنفوس والأرواح وضخ الدماء الى الشوارع، أصبح علي أن أعترف أنه لا بد للمرء من أن ينسى المسخرة التي نعيش فيها.

وللأسباب أعلاه فقد قررنا أنا وصديقي القيام باصلاحات عميقة وواسعة النطاق، وخاصة أنه قد جاء من حمص حيث الحب تفجر في الأونة الأخيرة مبشرا بمزيد من العناق والمحبة وربما الوصول الى حيث نهاية كل حب في فراش الوطن الحبيب.

اصلاحاتنا بدأت من المدينة حيث جاء بسيارته وأقلني وطار الى الجبال. ومن المؤسف الكلام عن الجبال في هذه المرحلة اذ أنه من المؤلم أن لا يشاهد أبناء المدن والمحافظات الداخلية هذا الجمال الآخاذ حيث يمكنك أن تنعم بحريتك، وبعد أن تزودنا بالوقود من إحدى المحطات سارعنا بإكمال الرحلة الاصلاحية لأنفسنا ووصلنا الى أودية وتلال، ومن ثم الى نهر هناك وتوقفنا لتصوير فيلم تسجيلي عند أحد الأنهار حيث تكثر الطحالب التي تذكرني بشكل كبير بالسوريين الذين يلقون فسادهم على كل شيء الا أنفسهم. وبعد أن تطحلبنا وسجلنا بضع كلمات تفصيلية عن الأوضاع حيث لاحظنا أن المياه النقية التي تمثل النفوس النقية تحوي هي ذاتها على طحالب وهو أمر مفروغ منه في هذه المرحلة.

صعدنا أكثر وأكثر وازداد تسارع السيارة طرديا مع تسارع الاضطرابات في الزمن الذي يسمى ربيع الدول العربية وهو سيثبت التاريخ أنه ما هو الا جحيم آخر من الجحيم الذي كتب علينا الغرق الأبدي في تفاصيله، حيث لا ربيع الا الربيع الذي كنا نشاهده وما بقي فهو صيف ملتهب يحرق الأخضر والبنفسجي.

وعندما ارتفعنا الى حد أصبح الضغط الجوي معه مناسبا لحالة معينة تذكرنا أننا لم نشتري بيرة تقلل من تركيز المحلول الدماغي لذلك صار بحثنا محصورا عن أحد ما يبيع بيرة ذات كحول مرتفع ووقفنا عند عدة مطاعم ومنتزهات تخلو الا من هيكلها وربما صاحبها وبكل حزن قالوا: ربما في الصيف يا شباب!!

منظر كل هذا الجمال والمنتزهات مغلقة وشاردة في مستقبلها منظر لم يسعدنا، فسارعنا لتحقيق وعودنا الاصلاحية ووصلنا الى مكان زعمنا أنه قد يحتوي بيرة الا أنه كان يحوي بيرة الشرق الوطنية والتي نحبها كونها وطنية الا أننا لن نشربها كما يفعل كل من يظن نفسه وطنيّ حيث أن اللجوء الى الخارج فيه متعة غريبة وخاصة لمن لديه حقد كحولي في أعماقه.

عدنا الى بلدة كبيرة هناك وبالفعل وجدنا محلا ممتازا وجلبنا بعض ما يلزم من اشياء تحرك المضغ وبيرة اصلاحية وانطلقنا نحو بلدة سياحية جميلة في الجبال حيث نزلنا لنعبر الجسر الفرنسي وأسرعنا باتجاه آخر حيث صار صديقي يمزح مع السيارات المسرعة بأن يقترب منها كثيرا وهذه مزحة فيها تضليل اعلامي اذ أن الطرق كلها تقع هناك على حواف الوادي السحيق مما نشط الهرمونات عند السائقين الآخرين وبعد كل مشهد مماثل كنا نصرخ: هل مات؟؟

طبعا البلد في بعض أجزائه يخرب ويدمر البعض مباني وشوراع واطفائيات وهم يجدون في ذلك حرية ونحن وجدنا أن ازعاج بعض السائقين حرية ممتعة ولو أن سيارة سقطت في الوادي لكان من الأسهل اتهام السلفية أو الشبيحة بذلك العمل القبيح. أنت في سوريا اليوم حيث تستطيع أن تلقي التهم والأكاذيب بدون أن تزعج نفسك بعد عقود من الخرس التام.

وعندما نزلنا في إحدى الأودية تذكرنا أنه على الجبل بعد الجبل المقابل يوجد قرية يسكن بها شخص نعرفه فتكلمنا معه لينتظرنا على الطريق ولكن بدون أن نسأله أي طريق ربما لأننا فقدنا حاسة التمييز كما الآخرين.

نزلنا وطلعنا ووصلنا القرية وسألنا عن صديقنا وفوجئنا بشعبيته المذهلة ووصلنا الى حيث يوجد ثلاثة سرافيس تقف فتكلمت معه وقلت له: أمامي ثلاثة سرافيس!

فقال: وماذا يعني ذلك؟

ظننت أن وجود ثلاثة سرافيس في مكان واحد دليل دامغ، ولكنني لم أكمل الى الأمام حيث كانت هناك سرافيس أخرى وأكملنا الى حيث وقف مبتسما وكدنا ندعسه بمزحة ظريفة من صديقي.

نزلنا واحتسينا متة مع اطلالة جبيلة حيث تبادلنا النقاش السياسي مع الأخوة في خندق الوطن الذي ما زال الحفر فيه مستمرا ولن ينتهي الحفر فيه حتى الوصول الى الماغما المنصهرة.

وودعناه عند غروب الشمس وذكرنا غروب الشمس بصديقنا في استراليا والذي اعتاد عشق الغروب المتوسطي، وأكدت لصديقي أن صديقنا في استراليا متواجد دائما على الفايس لأنه يفتقد الى الغروب لدينا وقد استعاض به بكروب سياسي على الفايس اللعين.

عدنا وخلال العودة لم نجد الا بضعة سيارات بالرغم من الطريق يعتبر من الطرق السياحية الشهيرة وهذا أيضا مدعاة للشفقة على بلدنا والناس التي تعمل في هذا القطاع، وفي النهاية هل نحن على ابواب الصيف؟ يا خوفي أن يكون صيفا حارقا وطويلا لن تخمده الأمطار البعيدة بسهولة.

http://kenanphoenix.wordpress.com/2011/05/22/%D9%86%D8%B2%D9%87%D8%A9-%D8%A8%D9%84%D8%AF/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى