صفحات العالم

نصيحة العمر لبشار الاسد


محمد ابو رمان

ربما لم يتصدّر خبر وسائل الإعلام العالمية كما تصدّرت تصريحات الملك لهيئة الإذاعة البريطانية حول الوضع في سورية، وأغلبها ركّز على جزء من تصريحاته ارتبط بسؤال افتراضي، فيما لو كان الملك مكان بشّار الأسد؟ إذ أجاب الملك “لو كنت في الظروف نفسها لآثرت الانسحاب”.في المقابل؛ رضخت الصحف اليومية لـ”القراءة الرسمية” التالية للمقابلة، التي حاولت إعادة قراءة التصريحات ضمن السياق العام لحديث الملك، وعدم تحميل الموقف الرسمي تداعيات غير مقصودة منه، فظهرت الصورة في اليوم التالي وكأنّ هنالك تصريحات قرأها الإعلام اليومي الأردني مغايرة لتلك التي انتشرت في الإعلام العالمي!بالعودة إلى نص المقابلة نفسها، فإنّ فيه أبعاداً ومضامين أعمق من العناوين البارزة في الإعلام، وتدلي بوضوح بالموقف الرسمي، وقراءته للأزمة السورية واحتمالات تطورها.يبدو، هنا، منسوب القلق الأردني المرتفع تجاه الكلفة الكبيرة التي يدفعها الأشقاء السوريون؛ فنحن أمام نظام لا يريد الإصلاح، وحتى لو أراد الرئيس فعل ذلك فلن يُسمح له، حتى لو افترضنا أنّه قرّر التنحي فإنّ البديل من داخل النظام سينتج المخرجات نفسها!المشكلة أنّ النظام “يبدو مرتاحاً” في الداخل، طالما أنّ موازين القوى العسكرية والأمنية ما تزال في يديه.

في المقابل،

فإنّ نجاة النظام واستمراره وخروجه من هذه الأزمة غير مطروح، فـ”عندما يطال العنف شعبك فإن الأمور لن تنتهي على خير”. ما يعني أنّ النتائج غير مؤكّدة، “من قبيل المستحيل لأي منا أن يتنبأ بما سيحدث خلال 6 أسابيع أو 6 أشهر أو 6 سنوات”.وفقاً لهذا التقدير، فإنّ النصيحة الذهبية التي يقدّمها الملك للرئيس بشار، ضمنياً وصراحةً، تكمن في تحمل مسؤولياته الأخلاقية والرمزية والإنسانية، وقبل ذلك السياسية، بأنّ يقوم هو بنفسه بالترتيب لمرحلة انتقالية تقود سورية إلى برّ الأمان وحمايتها من النزيف الحالي والسيناريوهات الخطرة مستقبلاًُ، بعد أن يعلن أمام الجميع قراره بالتنحي والتمهيد لهذا الانتقال المطلوب.تركيز الملك على أنّ المشكلة في النظام وليس في الرئيس يشي بأنّ “النظام” سيكون هو حجر العثرة أمام مثل هذا القرار والخيار الصحيح. هذه النصيحة تعيدنا قرابة أحد عشر عاماً إلى وراء عندما استلم بشار الحكم، وأعلن نواياه في الإصلاح، وفتح الباب أمام المعارضة، وانطلق ما عرف بـ”ربيع دمشق”، والتقى بشار بنفسه بقادة من المعارضة. لكن انتهى الأمر بأن زجّ بهم في السجون والمعتقلات، ما يعني –كما ألمح الملك- صعوبة مثل هذا القرار، لعدم سماح النظام الأمني به.

على الأغلب أن النظام سيلجأ إلى التصعيد، خلال الفترة المقبلة، ولن يترك فرصة لمثل هذا “المخرج الآمن”، والإيغال أكثر في الدماء. لكن بالرغم من هذا التصعيد، فإنّ تضييق الخناق وتعزيز عزلة النظام ستعزز الانشقاقات والتصدعات لدى النظام، وإذا ما تطورت الأمور إلى موقف دولي، فإنّها ستقود “الطائفة العلوية” إلى إعادة التفكير بين ربط مصيرها وأمنها ومستقبلها مع نظام آيل للسقوط وبين الوصول إلى “صفقة” مع الشرائح الاجتماعية الأخرى تبعد البلاد عن منطق الانتقام والثأر والحرب الأهلية.أبرز ما تؤشر عليه تصريحات الملك الأولى من حاكم عربي أنّ العدّ التنازلي قد بدأ فعلاً، وتمنح الأشقاء السوريين دعماً رمزياً وإعلامياً كبيراً، وهم الذين دفعوا ما دفعوا من أثمان غالية وينتظرون الفرج، فهل يستمع الرئيس السوري للنصيحة، في الوقت الضائع، ويجنّب دولته وشعبه ومجتمعه مزيداً من الآلام والأوجاع والمخاطر الوشيكة؟

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى