صفحات الناس

نعش الصناعة السورية ومسمار الكهرباء

مروان أبو خالد

 تعرض قطاع الكهرباء، شريان الحياة الرئيسي للاقتصاد السوري، شأن غيره من القطاعات الاقتصادية لخراب كبير، نظراً لعنف الأعمال الحربية الدائرة في البلاد. فبعدما بلغ إنتاج سورية حوالي 45.9 مليار كيلو واط ساعة خلال العام 2010، تراجع هذا الإنتاج إلى النصف منذ اندلاع الانتفاضة السورية العام 2011 وحتى الآن. إذ قدرت تكاليف إصلاح شبكات الكهرباء المتضررة من الحرب بما يزيد على 30 مليار ليرة سورية، وأدت تلك الأضرار إلى انقطاع الكهرباء مابين 4-12 ساعة يومياً في مختلف المحافظات السورية ودفعت بالسوريين للعودة إلى استخدام طرق وأساليب القرون الوسطى في الإضاءة، كإستخدام فانوس الكاز، أو الشموع التي تضاعف سعرها بحيث أصبح المنزل السوري ينفق يومياً حوالي 100 ليرة سورية على شراء الشموع. كما دفع ارتفاع الطلب على المولدات الكهربائية إلى زيادة سعرها بنحو 200% لمصلحة جيوب تجار الأزمات. وقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي بأزمة اجتماعية كبيرة فمع انقطاع التيار يمتنع الناس عن الخروج من المنزل لزيارة بعضهم البعض الأمر الذي انعكس سلباً على الحركة التجارية حيث تلجأ المحلات للإغلاق باكراً بسبب قلة حركة الناس في الشوارع.

وبعد أن أدى انقطاع الكهرباء لخسائر اقتصادية قاربت الـ2.2 مليار دولار، جاء إعلان وزارة الكهرباء عن نيتها رفع أسعار الكهرباء مطلقةً بذلك رصاصة الرحمة على ما تبقى من الصناعة الوطنية. فقد أعلنت الوزارة عن زيادة  قريبة في أسعار الكهرباء للشرائح التي تستهلك أكثر من 800 كيلو واط ساعة، وحسب الوزارة فإن شرائح المواطنين التي تستهلك 800 كيلو واط ساعة وما دون لن يمسها أي تعديل، فالقرار، إذن سيمس قطاع الصناعة كونه يستهلك أكثر من 800 كيلو واط ساعة بعد تحمل هذا القطاع لخسائر اقتصادية كبيرة- بسبب أزمة الكهرباء- تمثلت بتدني الإنتاج وزيادة تكاليفه وانخفاض أرباح أرباب العمل الذين اضطروا في حالات كثيرة إلى تسريح العمال لتخفيف النفقات إضافة لتسبب أزمة الكهرباء بتأخر في تسليم الكثير من الصفقات والعقود الموقعة في موعدها المحدد. الأمر الذي انعكس سلباً على سمعة المصنّع السوري. يقول أحمد وهو صاحب مشغل للخياطة في دمشق لـ”المدن” أنه “اضطر لخفض الإنتاج بنسبة 20%، فساعات انقطاع الكهرباء غالباً ما تكون في النهار ومعظم العاملات في الخياطة لا يستطعن العمل مساءً، واليوم مع زيادة أسعار الكهرباء التي ترافقت مع زيادة في مستلزمات الانتاج كافة فلا أمل لمتابعة العمل في المستقبل القريب”.

ومن هنا عبر الكثيرون من الصناعيين، خصوصاً في عاصمة الصناعة السورية حلب عن سخطهم، وأشار بعضهم إلى أنهم لن يتقيدوا بالتعرفة الجديدة، محذرين من إمكان القيام باعتصامات وإضرابات عمالية في حال لم تتراجع وزراة الكهرباء عن قرارها التعسفي الذي سيحمل آثار كارثية على صناعاتهم، وبالتالي على المجتمع برمته. إذ أشارت بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن زيادة سعر الكهرباء بمعدل 50% ستنعكس سلباً على معظم الصناعات، كصناعة الإسمنت حيث ستؤدي زيادة أسعار الكهرباء لزيادة سعر الطن بحدود 410 ليرات سورية، وستقود الى زيادة سعر طن الحديد بمقدار 750 ليرة سورية، كما ستؤدي لانهيار ما تبقى من قطاع الدواجن حيث تحتاج المداجن لتشغيل الإنارة الكهربائية ومعدات التكييف ليل نهار.

وقد جاء قرار وزارة الكهرباء المذكور بعد أن أعدت وزارة الاقتصاد في نيسان الماضي مذكرة تضمنت مقترحات عدة للخروج من الأزمة الاقتصادية من أبرزها التشجيع على إنشاء قطاع كهرباء خاص يبيع الكهرباء للمواطنين في توجه واضح نحو خصخصة الكهرباء، وبالتالي فإن رفع التعرفة الكهربائية يمكن أن يكون خطوة أولى باتجاه تنفيذ الخصخصة المقترحة لأن الصناعيين سيرحبون مستقبلاً بأي مزودين جدد يدخلون السوق السورية، في حال قدموا الكهرباء للمصانع دون انقطاع وبسعر أقل.

ومن ناحية أخرى، تأتي هذه الزيادة في محاولة على ما يبدو لزيادة إيرادات الحكومة تلبية لنفقاتها المتعاظمة، لاسيما العسكرية منها، ولتعويض الانخفاض الحاصل في جباية الكهرباء والتي قدرت بين 20 إلى30% خلال العامين الماضيين، وهذا يعني سعي الوزارة لتعويض خسارتها من خلال رفع تعرفة الكهرباء على المصانع، وعلى حساب المواطنين الذين يشكون من الفواتير الخيالية التي تأتيهم ويضطرون لدفعها. يقول أحد اللاجئين الحلبيين إلى دمشق لـ”المدن” “أنا منذ شهرين فقط في دمشق، ولا أملك في المنزل الذي استأجرته أي أداة منزلية كهربائية باستثناء التلفاز، وبرغم ذلك جاءتني فاتورة بقيمة 7000 ليرة سورية”.

بالطبع ليست أزمة الكهرباء مرتبطة بظروف الحرب الراهنة فحسب، إذ تعود لما قبل الأزمة. فقطاع الكهرباء هو قطاع مأزوم ذو بنية تحتية متآكلة، نظراً لفساد الحكومات المتعاقبة والتي لم تضع أي مخطط تنموي جدي لتلبية حاجة سورية من الكهرباء وتوليدها بطرق مستدامة، برغم وجود الدراسات التي تؤكد إمكانية توليد الكهرباء من الطاقات البديلة وخاصة من طاقة الرياح والشمس بمقدار يعادل 14 ضعفاً إنتاج الطاقة في سورية الآن، وتكفي حاجة سورية من الطاقة لأكثر من 100 عام.

هكذا، إذن، بعدما كانت سورية تملك فائضاً بنحو 1300 ميغاوات في العام 2000، تحول ذلك الفائض إلى عجز بمقدار 1800ميغاوات العام 2012. ولا يبدو أن المستقبل سيكون أحسن حالاً في ظل استمرار سياسات الهدر والفساد التي تقود الى دمار الصناعة وتحميل المواطن وحده تبعة عجزها وفشلها الاقتصادي.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى