صفحات العالم

نقاط قوة تحوّلت نقاط ضعف

 


سركيس نعوم

لن يستسلم النظام في سوريا امام الثورة الشعبية المتصاعدة ضده وإن ببطء ولأسباب عدة. أولها، امساكه بكل مفاصل القوى داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية على تنوعها، واقتناعه بقدرته على ممارسة قمع الثوار وإن بأعلى الدرجات وأقساها، وإن اثار ذلك في بعض اوساطها نقمة وغضباً.

ذلك أن ترجمة الاثنين في صورة عملية لا تزال متعذرة وقد تبقى متعذرة وقتاً طويلاً. وثانيها، استناده الى حزب البعث “القائد” والى “جبهة الاحزاب الوطنية والتقدمية” التي يترأس والتي تضم خليطاً من الأطياف السورية يؤمّن له (أي للنظام) غطاء يُبعد عنه شبهة الفئوية الضيقة التي أثارت من زمان ولا تزال تثير نقمة الغالبية. علماً ان الشعب السوري بغالبيته مقتنع بوجودها، بل بأنها تكاد ان تنتقل عنده من مرحلة الشبهة الى مرحلة اليقين. وثالثها، ضمانه ولاء عصبيته الضيقة، اي الفئة التي ينتمي اليها مؤسسه وخلفاؤه الذين يتابعون مسيرته، وفي الوقت نفسه ضمان ولاء العائلة، رغم الخلافات التي قد تعصف ببعض افرادها.

والدافع الى ذلك هو اقتناع الجميع بأن الخلاف يفسح في المجال امام الخسارة، وهذه لن تشمل موقعاً أو نفوذاً أو خطة أو منافع بل قد تشمل وضعاً فئوياً بكامله، وتعيده الى مراحل عتيقة جداً من المعاملة السلبية التي قد تكون أقسى هذه المرة لأن الانتقام، رغم كونه صفة سلبية، يبقى من طبائع البشر. ورابعها، استمالة النظام الاقليات الصغيرة في سوريا من خلال ضمان حمايتها وتمكينها من ممارسة طريقة حياتها وشعائرها، ومن الاشتراك في مكاسب النشاط الاقتصادي وإن من دون ان يكون لها دور، كما الغالبية، في القرار السياسي بل في القرار الوطني. وخامس الأسباب، نجاح النظام في عهد خليفة مؤسسه في استمرار اقتناع الغرب بزعامة اميركا ومعه اسرائيل بأنه الافضل له، لأن البديل منه سيكون اسلامياً اصولياً تكفيرياً وعنيفاً معادياً للغرب ولكل الاديان الاخرى، وإن توحيدية.

ولم يضعف هذا الاقتناع الحلف الذي ربط النظام السوري بايران عدوة الغرب واميركا وبحليفيها “حزب الله” و”حماس”، ولا الدور السلبي الذي قام به في العراق والذي ألحق أذى كبيرا بأميركا وقواتها الموجودة فيه. علماً ان اصواتاً بدأت ترتفع في دول الغرب بل حتى داخل اسرائيل تطالب بوقف سوريا عند حدها، وبالطلب اليها القيام بتحديد نهائي لموقعها ولموقفها. وسادسها، ممارسة النظام ولا سيما في عهد سيده بشار الاسد سياسة عربية وقومية ودولية ترضي “غالبية” شعبه، واستفادته من دعم مؤسسه ولاحقاً خلفه مقاومة لبنان احتلال اسرائيل اراضٍ فيه ونجاحه في اخراجها منها.

طبعاً أسباب عدم الاستسلام المذكورة اعلاه، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، هي اسباب قوة النظام السوري ايضاً، لكنها ايضاً نقاط ضعفه. فحزب البعث الذي يستند اليه ترهَّل كثيراً، وتراجع كثيراً، ولم يمارس الدور الذي تصوّره مؤسِّسوه وكبار القادة الذين مرّوا فيه ومنهم مؤسس النظام، واكتفى بترداد الشعارات.

وبدلاً من ان يقيم دولة علمانية او بالأحرى مدنية وحرة وديموقراطية، وهي مبادئه الأساسية على حد قول قياديين مخضرمين فيه، تحوّل غطاء لعصبية فئوية ضيقة وعائلية أضيق، وحلماً لكل باحث عن موقع أو مكسب أو نفع وإن بوسائل غير قانونية. ولعل عجز النظام اثناء الانتفاضة الحالية عن “استعمال” بعثيي درعا الذين يقدَّر عددهم بنحو 160 الفاً في مواجهة اخصامه في الشارع هو الدليل الأبرز على الفئوية التي وصلت حتى الى الحزب. واحزاب “الجبهة” كانت مجرد ديكور “للحزب القائد”، تماماً مثلما ارادها مؤسس النظام وخلفه، وذلك بعدما ابتعدت عنها جماهيرها او أُبعدت، او بعدما زالت العوامل الاقليمية والدولية التي سمحت لها بالنمو (الناصرية – انهيار الاتحاد السوفياتي).

اما “الفئة” او العصبية التي استند اليها النظام فقد أفادته موقتاً (عقود اربعة) لكنها ألحقت به ضرراً لا يعوَّض، سواء بقي في السلطة او خرج منها برضاه (اصلاحات وتعديل) او رغماً عنه. فهي وحّدت “الغالبية” السورية المنتمية الى فئة اخرى ضده، وخطأه انه صدق انها معه لأنه مارس سياستها العربية والاسلامية، وصدّق انها مع سيده وإن كانت ضد النظام، وصدّق ان الإفساح في المجال امام نمو “الإسلامية” في سوريا من خلال “تسامح او تساهل” شرط ابتعاد المؤمنين بها عن السياسة سيجنّبه حكمها عليه الذي يعتبره غير شرعي. ونسي ان الناس لا تنسى ما جرى في اوائل الثمانينات، وانها تنتظر الوقت المناسب للثأر. ونسي المذهبية الدهرية عند المسلمين فارتبط بايران الشيعية على نحو لا انفكاك منه ايضاً.

فهل من نقاط ضعف أخرى للنظام السوري؟

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى