صفحات العالم

نقطتان فاتتا الرئيس السوري…


خيرالله خيرالله

ثمة نقطتان فاتتا الرئيس بشّار الاسد في خطابه الاخير. الاولى ان المشكلة التي يعاني منها النظام غير قابلة للحلّ نظرا الى انها قائمة مع الشعب السوري وليس مع معارضة غير موحّدة، والاخرى ان الكلام عن العرب والعروبة لا يغطي واقعا أليما. يتمثّل هذا الواقع في ان سوريا في عهد الاسد الابن تحوّلت من حليف لايران الى تابع لها. لم يعد لدى النظام السوري ما يعتمد عليه سوى الدعم الايراني المباشر وغير المباشر عبر العراق. والكلام هنا عن العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي الذي افسح في المجال لجعل اليد الطولى فيه للنظام الايراني…

الاكيد ان في الامكان الحديث عن نقاط ضعف اخرى كثيرة في الخطاب الطويل، خصوصا اضطرار الرئيس السوري الى التحدث عن الزيتون وموقع سوريا في العالم بصفة كونها القوة الخامسة في حقل تصدير الزيتون. ليس معروفا بعد كيف يمكن صرف هذا الكلام عن قوة الزيتون وأهميته في بلد لا يمتلك النظام فيه القدرة سوى على ممارسة سياسة الابتزاز نظرا الى انه عاجز عن الحرب وعن السلام. مثل هذا الكلام عن الزيتون وأهمية الزيتون والذي يتجاهل عمق الازمة التي يعاني منها النظام يدلّ على ان ليس في الامكان القيام بإصلاحات من ايّ نوع كان. انه نظام مريض يرفض الاعتراف بأنّ لا أمل للقائمين عليه سوى القبول بمرحلة انتقالية تقود الى تغيير سلمي وعبور الى برّ الامان ليس لسوريا فحسب، بل لأركان النظام ايضا، بعيدا عن اي نوع من البطولات والعنتريات التي تجاوزها الزمن.

كشف الخطاب ان النظام السوري في مواجهة مباشرة مع الشعب. كشف خصوصا انه ليست لديه خيارات اخرى غير الخيار الامني. يرفض النظام الاعتراف بأنّ مشكلته مع كل السوريين. مع دمشق وحمص وحماة وحلب واللاذقية وادلب ودير الزور ودرعا ودوما والسويداء ومعرة النعمان وتلكلخ ومع كلّ مكونات الشعب السوري من سنة ومسيحيين وعلويين ودروز واسماعيليين اضافة بالطبع الى الاكراد.

ليس اسهل من الكلام عن ارهاب وإرهابيين لتبرير القمع الذي يمارس في حق الشعب السوري الذي قرر المقاومة ولا شيء آخر غير المقاومة. انّ المقاومة الحقيقية الآن هي مقاومة الشعب السوري لنظام يريد استعباده ولا يمتلك اي خيار آخر غير خيار القمع. هل صدفة ان اربعمئة سوري قتلوا منذ بدء مهمة المراقبين العرب الذين لا يمتلكون اي قدرة على المراقبة؟. كلّ ما يستطيع هؤلاء المراقبون عمله هو التحقق من ان النظام السوري يستخدمهم من اجل كسب الوقت ليس الاّ وكأن الوقت يعمل لمصلحته!

يخطئ الرئيس السوري اذا كان يعتقد ان في استطاعته اعادة عقارب الساعة الى خلف. هناك شعب قرّر بكل بساطة استعادة كرامته. هذا كلّ ما في الامر. نعم، ان سوريا هي قلب العروبة النابض. لكن قلب العروبة النابض لا يطعن السوريين في الظهر، ولا يطعن العرب في القلب، ولا يحوّل سوريا الى تابع للنظام الايراني. من يتحدث عن تنوع في سوريا لا يمكن ان يقبل بأن يكون تحت رحمة ميليشيا مذهبية مسلّحة في لبنان. كذلك، لا يمكن لمن يتحدث عن العروبة الحضارية ان يكون أسير ما يقدمه له النظام الايراني العنصري من دعم.

يفترض في النظام السوري الابتعاد عن اعطاء دروس في العروبة. يكفيه انه لم يعد لديه اي نفوذ في لبنان الاّ عبر “حزب الله” الايراني. من شكّل الحكومة الحالية في لبنان برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي هو “حزب الله” ولا احد غير “حزب الله”. كلّ ما تبقى تفاصيل ومحاولات للهرب من الواقع.

سقط النظام السوري عمليا في العام 2005 عندما اضطر الى التخلص من رفيق الحريري بشكل مباشر او غير مباشر، بالتواطؤ مع آخرين او بترك آخرين ينفّذون الجريمة. ان استشهاد رفيق الحريري ليس “اغتيالا” كما ورد على لسان الرئيس السوري في خطابه. ان استشهاد رفيق الحريري ورفاقه ليس حدثا عابرا بمقدار ما انّه علامة فارقة على صعيد التغييرات التي طرأت على التوازنات الاقليمية. فبعد اغتيال رفيق الحريري حصل أهمّ تطور على صعيد المنطقة. يتمثل هذا التطور في استسلام النظام السوري للنظام الايراني وتحوله الى امتداد له لا اكثر…

بدل إلقاء خطاب طويل فارغ من اي مضمون حقيقي باستثناء الشعارات التي لا قيمة حقيقية لها والتي لا تنطلي سوى على السذج، كان الاجدر بالرئيس بشّار الاسد الاعتذار من السوريين واللبنانيين والعرب عموما. في النهاية ان السوريين ليسوا بالسذاجة التي يظنّها. انهم شعب متمسّك بثقافة الحياة. لو لم يكن الامر كذلك، لما استطاعوا مواجهة آلة القمع التي يمتلكها النظام طوال ما يزيد على عشرة اشهر في غياب اي دعم دولي او عربي او اقليمي.

آن أوان مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها. ليس النظام السوري الحالي الذي يعطي شهادات في الوطنية والعروبة. من يعطي مثل هذه الشهادات هو الشعب السوري الذي يحاول استعادة سوريا وإعادتها الى حضن العروبة الحضارية البعيدة كلّ البعد عن الطائفية والمذهبية.

هذا الشعب الذي عانى من النظام يعرف قبل غيره ان ليس في الامكان المتاجرة به الى ما لا نهاية من جهة، وان هناك مرحلة عمرها نصف قرن انتهت من جهة اخرى. هذا كلّ ما في الامر. ليس هناك استعداد لدى الشعب السوري للرضوخ لنظام ظالم والقبول في الوقت ذاته بالهيمنة الايرانية. العالم تغيّر. هذا ما فات ولا يزال يفوت الرئيس السوري الغارق في اوهام الدور الاقليمي…

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى