صفحات الرأي

أساطير الآخرين لياسين الحاج صالح .. أسئلة فكريَّة حول الإسلام المعاصر


كتب: عبد الله أحمد

صدر حديثاً عن دار الساقي كتاب «أساطير الآخرين، نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده»، للكاتب والمفكّر السوري ياسين الحاج صالح.

يتناول هذا الكتاب المسألة الإسلامية، أي الأسئلة الأخلاقية والفكرية والسياسية التي يثيرها وضع الإسلام في العالم المعاصر. ويحاول فتح الإسلام للتفكير والنظر والمساءلة، أو تحويله إلى موضوع ثقافي. وذلك اعتراضاً على القطيعة بين الإسلام والتفكير النقدي الحديث والمعاصر.

وبينما تصدر مواد الكتاب عن مقدمات وانحيازات علمانية، لم يجامل الكاتب طروحات علمانية رائجة، تبدو له وجهاً آخر لطروحات الإسلاميين الأكثر تشدداً. ويطوّر المؤلف فهماً تاريخياً للإسلام المعاصر النافي لتاريخيّته. ويعتبر أنه متشكّل وفقاً للحداثة، وإن كان معترضاً عليها أيديولوجياً. ويظهر كم أن مشكلات الإسلام المعاصر وثيقة الصلة بمشكلات المسلمين المعاصرين الاجتماعية والسياسية، وإن كانت لا تختزل إليها بالكامل.

حرية

يخترق الحاج صالح همٌ إصلاحي. يدافع بقوة عن حرية الاعتقاد الديني باعتبارها شرطاً لقيام مفهوم الدين ذاته، وبالتالي لاتساق العقل. ويزكي تصوراً غير مألوف للإصلاح الإسلامي، قائماً على تحرير ووحدة السلطة الدينية الإسلامية وتقويتها، مقابل تبعثرها الحالي وتبعيّتها للسلطات السياسية. كذلك يبلور مفهوماً للعلمانية بوصفها فصلاً للدين عن السيادة، أي الإكراه والولاية العامة، لا عن السياسة ذاتها.

تهتم نصوص هذا الكتاب بالمسألة الإسلامية، أي جملة القضايا الفكرية والسياسية والأخلاقية التي يطرحها وضع «الإسلام» في العالم المعاصر. وهو ما يمر استشكال الإسلام، أو مساءلته عن وحدته وتطابقه مع نفسه، وكذلك النظر في عمليات «صنع الإسلام» وبنائه. كذلك تنشغل نصوص الكتاب بقضية الإصلاح الديني الإسلامي، الأمر الذي يأمل الكاتب في أنه لم يحل دون حضور  الشاغل المعرفي فيه، ومحاولة الإتيان بجديد ما في هذا الشأن. وتتوحد هذه النصوص أيضاً مع التي أتت بعدها في إرادة تحويل المجمل الإسلامي إلى موضوع ثقافي، وتحرير النقاش في شأنه، مع ما يوجبه ذلك من تحييد المحرمات والمحظورات والموانع التي تحرس إبقاء معرفة «الإسلام» والنقاش في شأنه شأناً خاصاً بالإسلاميين و{العلماء». ويسمي الحاج صالح هذه الخطوة بـ{فتح الإسلام». والمقصود بهذه الخطة أن نطرح، نحن ورثة الميراث الإسلامي، على الإسلام أسئلتنا، الفكرية والأخلاقية والسياسية، وأن يجيب عنها إجابات معقولة، لا تتوسل السلطة حجة عقلية. فلا نقر باستثناء للإسلام أو بامتياز أو بخصوصية.

مشكلة

حسب ياسين الحاج صالح، فإن نصوص الكتاب تصدر عن منهجية ثابتة تقر باستقلال المشكلة الإسلامية، وذلك ضد اختزال المشكلة الإسلامية في مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وما إليها، وضد تقرير أن «الإسلام هو المشكلة» السيدة. يتقاسم هذان الطرحان التفكير العلماني في المشكلة الإسلامية عربياً منذ عقود. فثمة تيار ثقافوي عربي، يرد مشكلاتنا السياسية والحضارية إلى الثقافة، وهذه إلى الدين، وهذا إلى الإسلام. والثقافوية العربية نخبوية دوماً، يمينية اجتماعياً وسياسياً، ومتشكّكة في الديمقراطية، غربية الهوى، وتجد نفسها عموماً على قرب من الأقوياء، محلياً وعالمياً.

يضيف المؤلف بأنه ومقابل هذا الطرح الماهوي اللاتاريخي، ثمة طرح اختزالي مفرط في تاريخيته. وهذا يشرح أوضاعنا، بما فيها المشكلة الإسلامية، بالسياسة والاقتصاد والديموغرافيا والعلاقات الدولية. ويزكي لها حلولاً سياسية واقتصادية. ويبدو أن من شأن تطبيقها أن يحل المشكلة الدينية تماماً من دون باقٍ، وتظهر المشكلة الدينية هنا مجرد أثر لشيء آخر.

حجر الزاوية

يلفت الحاج صالح إلى أن استقلال المشكلة الإسلامية هو حجر الزاوية في التناول «العلماني» للشأن الإسلامي. وعدا هذا الوجه السلبي، للتناول العلماني وجه إيجابي يتمثّل في اعتبار الدين ظاهرة دنيوية، موجودة في العالم وفي التاريخ، وفي مجتمعات عينية تتعين الإحاطة بأوضاعها ونظمها لفهم وضع الدين فيها. الدين لا يفسر نفسه، ولا يفسر المجتمعات والثقافة والسياسة إلا جزئياً.

أديان مختلفة

نحتاج إلى فهم المجتمعات والثقافة والسياسة، وإلى فهم بنيته هو، لتفسيره وفهم تغيراته. والدين ظاهرة تاريخية، بمعنى أنه ليس شيئاً مماثلاً لنفسه على الدوام. إنه يتغير ويتحول بتغير البيئات الاجتماعية وبتبدل الأزمنة. أديان مختلفة تتغير تغيرات غير متشابهة في ظروف متغيرة. لكن ليس بينها ما لا يتغير، وإن لم يكن أي منها قابلاً لكل الصور في الآن نفسه، مثل قلب ابن عربي.

منهج

ليس تفسير المجتمعات بالدين، هو «منهج» الثقافويين، الإسلاميين منهم والعلمانيين، مجرد مسلك مثالي فلسفي. إنه أيضاً يميني سياسي، على أن يمينية العلمانيين نخبوية، فيما يمينية الإسلاميين شعبوية. وملابسات الصراع السياسي بين الإسلاميين ونخب السلطة الاستبدادية التي تستعمر أكثرية مواطنيها وتذلهم هي ما يعطي انطباعاً بأن الإسلاميين شعبيون. فالدفاع عن الديمقراطية والمساواة والمواطنة، وعن حداثة ديمقراطية، يمر عبر الاعتراض على النزعتين اليمينيتين معاً.

يشير الحاج صالح إلى أن تناول المسألة الإسلامية يطل على أفق قيمي، يسميه الاستقلال الثالث أو الأساسي. فالاستقلال الثاني هو الاستقلال عن الاستبداد الموحش الذي عرفه العالم العربي طوال أربعين عاماً، تغطي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ربما حتى مطلع 2011، الذي شهد الثورتين التونسية والمصرية، وتمخضات ديمقراطية في الكثير من البلدان العربية. أما الاستقلال الأول فتمثل في الاستقلال عن الاستعمار الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فالاستقلال الثالث هو إعادة ترتيب العلاقة بين السماء والأرض على أسس دستورية، بما يتيح استقلالاً ذاتياً واسعاً للأرض والدنيا والإنسان. نحن نفتقر إلى أساس مثالي صلب للحرية. فقد ندعو إلى الحرية الدينية وندافع عنها، لكن المسألة لا ترتد حتى إلى حرية الإيمان وعدمه، بل تتمثل في تحويل جوهري للسيادة  إلى الأرض. أي في الثورة الإنسانية، وهذا ما يجعل التحرر الديني الشكل القياسي لكل تحرر. التبعية الدينية بالمقابل، هي الشكل القياسي لكل تبعية.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى