صفحات الناس

نواف البشير… والرحلة من الثورة السورية إلى طهران/ محمد حسان

 

 

مع انطلاق الثورة السورية في آذار2011، ووصول شرارتها إلى محافظة دير الزور، استهدفت قوات الأمن السوري، في الشهر السادس من العام ذاته مجموعة من المتظاهرين داخل أحياء المدينة، ما تسبب بمقتل ثلاث أشخاص، كان بينهم صديق لي يدعى عبد العزيز، من أبناء بلدة الصالحية الواقعة شمال مدينة دير الزور.

بعد سماعي بخبر مقتل عبد العزيز غادرت بلدتي متجهاً إلى منزل ذويه من أجل المشاركة في تشييعه، وما أن انتهينا من عملية دفنه والقيام بالواجب تجاه أهله، حتى طالبني أحد أصدقائي الذين صادفتهم في مكان التشييع بالذهاب معه، لنلتقي بمجموعة من شباب الثورة، كانوا مجتمعين مع نواف البشير “شيخ عشيرة البقارة” في بلدة محيميدة.

كنت متحمساً للقاء ذلك الرجل، فهو من أكثر الأسماء المعارضة للنظام الأسد التي كنت أسمعها على مستوى محافظة دير الزور، كما أنه يعتبر حالة شاذة بين شيوخ عشائر منطقة شرق سوريا، بسبب موقفه المعارض للنظام على عكس أقرانه من شيوخ العشائر، الذين كانوا مع النظام، ومنهم من أبعد نفسه عن الحياة السياسية وأقتصر نشاطه على المستوى الاجتماعي، وقلة قليلة رفضت ممارساته ما بعد انطلاق الثورة السورية.

بعد الوصول إلى المكان، تم استقبالنا من الموجودين بحفاوة وكان من بين من استقبلنا، رجل في العقد السادس من عمره، صاحب بشرة بيضاء وشارب أسود، كان ينوي الخروج عند وصولنا، عرفت فيما بعد بأنه نواف البشير.

أتذكر حتى اللحظة كيف خرج وهو يدمدم بكلمات نابية عن بشار الأسد وأبيه حافظ الأسد، بعد حادثة قتل المتظاهرين، كان كلامه يّنم عن حقد وكره شديد لتلك العائلة، لكن مالم أفهمه بعد، ما الذي جعل البشير يُعيد التفكير في موقفه من النظام السوري ويجعله يعود إليه ويعمل مع حليفه الأكبر إيران كأداة لنظام “الملالي”.

مولده ونشأته

ولد نواف البشير في بلدة محيميدة السورية، الواقعة بريف محافظة دير الزور الغربي عام 1954، من عائلة عشائرية عريقة، فوالده راغب البشير، كان شيخ مشايخ قبيلة البقارة، والبشير هو الابن الثامن من بين أخوته العشرة.

درس البشير الابتدائية في مدارس قريته محيميدة، أما الإعدادي والثانوي ففي مدارس داخلية مسيحية، بعدها توقف عن الدراسة، ويدعي البشير أنه حصل على إجازة جامعية من لبنان، لكن الكثير من أقاربه أكدوا أن تحصيله العلمي يقتصر على شهادة التعليم الثانوي فقط.

في عام 1980 تم اختيار نواف كشيخ لقبيلة البقارة، من بين سائر إخوانه خلفاً لأبيه راغب البشير، رغم صغر سنه وكان عمره آنذاك 26 عاماً. بعد 8 سنوات من توليه مشيخة قبيلة البقارة، دخل البشير مجلس الشعب السوري في دورته الممتدة بين عام 1988 وحتى عام 1992، وفي نهاية الدورة أصدر النظام السوري قراراً بمنعه من مغادرة الأراضي السورية.

قرار منع البشير من السفر كان بسبب كلمة ألقاها في مؤتمر للـ “وحدويين الاشتراكيين”، في منزل نديم المصري بمدينة صحنايا مطلع عام 1992، تحدث فيها عن الديمقراطية وطالب بقانون الأحزاب وحرية الصحافة، بعدها أستدعي البشير لفروع الأمن السوري بحجة اللقاء مع معارضين عراقيين في لبنان.

إجراءات النظام السوري بحق البشير لم تقتصر على منع السفر، بل شملت إقصائه من مجلس الشعب السوري بشكل مطلق، حيث كان النظام يتعمد اسقاطه في كل انتخابات برلمانية تجري بالرغم من كمية الأصوات التي يحصل عليها في كل انتخابات، والتي تؤهله لدخول قُبة مجلس الشعب.

البشير كان أيضاً أحد المساهمين في “ربيع دمشق” من خلال “منتدى صحنايا” الذي يرأسه المعارض السوري رياض سيف، والذي كان جزءا من ستة منتديات شكلت فيما بعد “ربيع دمشق”.

بعدما تمكن النظام السوري من وئد “ربيع دمشق”، واعتقال غالبية أعضائه ووضعهم في السجون، تم عقد مؤتمر للمعارضة السورية في محافظة دير الزور سمي بـ “إعلان دير الزور”، أواخر عام 2004 ضم أكثر من 286 شخصية من جميع المحافظات السورية وتمثل كافة ألوان الطيف السياسي السوري، وعقد المؤتمر في مضافة نواف البشير قرب دير الزور وبمشاركته.

كما شارك البشير في أكتوبر عام 2005، بـ “إعلان دمشق”، الذي أطلقته المعارضة السورية، وتم اختيار البشير عضواً في الأمانة العامة للإعلان ثم عضواً في هيئتها الرئاسية، كما أسس البشير في وقت لاحق ما يسمى “حزب المستقبل السوري”، لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح وفشلت بعد أشهر قليلة من اطلاقها.

في الثورة السورية

مع انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011، كان البشير من أوائل الشخصيات السياسية والعشائرية التي أعلنت تضامنها الكامل مع الثورة، كما ساهمت معارضته السابقة لآلـ الأسد، في جعله أحد متصدري المشهد الثوري على مستوى المحافظة وكامل منطقة شرق سوريا.

النظام ومع بدء المظاهرات السلمية في المدن السورية، قام باستدعاء البشير إلى مقر اللجنة الأمنية بمحافظة دير الزور ثم تم نقله إلى العاصمة دمشق للقاء علي مملوك، رئيس فرع أمن الدولة، بتهمة التخطيط لتشكيل خلايا لضرب مرابض المدفعية بالقرب من دير الزور، بعد الجلسة المغلقة بين الطرفين والتي دامت لساعات تم أطلاق سراح البشير، ليظهر بعدها بأيام على إحدى القنوات الفضائية، يُطالب بشار الأسد بالتنحي عن منصبه كرئيس للجمهورية العربية السورية.

بعدها عاد البشير إلى محافظة دير الزور مشاركاً في أغلب المظاهرات والوقفات المنادية بالحرية وسقوط حكم الأسد، كما كان يُلقي الكثير من الكلمات أمام المتظاهرين في ساحة “دوار المدلجي” و”الساحة العامة”، مكان تجمع المتظاهرين في المحافظة طيلة فترة التظاهرات السلمية.

النظام السوري خلال عام 2011، عاد واستدعى البشير للقاء محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، ورئيس اللجنة الأمنية وقتها، وتم الاجتماع في مكتب بخيتان بالعاصمة دمشق لم يصل فيه الطرفين إلى أي نتيجة، بسبب تعنت كل طرف للشروط التي فرضها.

في الشهر الثامن من عام 2011، اعتقل نواف البشير في العاصمة دمشق أثناء تواجده لحضور مؤتمر “الإنقاذ الوطني”، الذي كان من المقرر عقده في حي القابون الدمشقي بحضور الكثير من الشخصيات السياسية المعارضة، أمثال مشعل تمو ووليد البني وغسان نجار ومنتهى الأطرش.

اعتقال البشير استمر لمدة 72 يوماً في فرع الأمن السياسي بدمشق، حيث وجه له العديد من التهم مثل الدعوة للعنف الطائفي وتشجيع العمل المسلح والتواصل مع جهات أجنبية. البشير طيلة فترة اعتقاله لاقى تضامن شعبي واسع، حيث خرجت العديد من المظاهرات المطالبة بإطلاق سراحه والتي دعت إليها تنسيقيات الثورة في “ثلاثاء الوفاء لنواف البشير” بتاريخ 27/9/2011.

البشير في نهاية فترة اعتقاله أجبر على الخروج على التلفزيون السوري تحت تهديد السلاح وقتل عائلته، ليقول إن ما يجري في سوريا هو مؤامرة من عصابات إرهابية تستهدف البلد، بعدها تم إخراجه من السجن ليعود إلى منزله في دير الزور لمدة لا تتجاوز الشهر، ثم غادر سوريا باتجاه تركيا.

علاقته مع تنظيم “داعش”

يرجح العارفون أن علاقة البشير، مع تنظيم “داعش” كانت جيدة خلال مرحلة ما قبل القتال مع الفصائل العسكرية في محافظة دير الزور، وحتى في المرحلة التي تلت فترة القتال وسيطرة التنظيم على محافظة دير الزور. فالتنظيم كان يتواصل مع البشير بشكل مستمر أثناء وجوده في تركيا وخاصة بمرحلة ما قبل القتال مع فصائل المعارضة في محافظة دير الزور، بهدف اقناعه بالعودة إلى مسقط رأسه والعمل مع التنظيم، مقابل تسليمه منصب قيادي مهم على مستوى المحافظة. ويُعد مهيمن الطائي، مسؤول العلاقات العامة في “داعش”،  صلة الوصل بين التنظيم والبشير خلال فترات عام 2013 وحتى نهاية عام 2014، لكن التنظيم فشل في جميع محاولاته بإقناع البشير بالعودة إلى المحافظة والعمل معه.

وقد حاول نواف البشير تجنيب أبناء البقارة قتال تنظيم “داعش”، خلال المواجهات التي شهدتها محافظة دير الزور مطلع عام 2014، بحجة عدم تكافئ المعركة وأنها مجرد انتحار أمام التنظيم، لكن الفصائل العسكرية المحسوبة على القبيلة رفضت مقترحات البشير، وقاتلت التنظيم حتى سيطرته على عموم المحافظة نهاية الشهر السابع عام 2014.

وقام التنظيم بعد سيطرته على دير الزور، على الفور بمصادرة منزل نواف البشير، وسرقة أثاثه ومصادرة جميع أراضيه الزراعية وطرد الفلاحين منها، كما قام بمصادرة معمل له كان قيد الإنجاز، إضافة لاستيلائه على محطة لتصفية النفط يملكها البشير في مدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة. واعتقل التنظيم ثلاثة من أبناء نواف هم أسعد وليث ومشعل، وتفاوتت مدة اعتقالهم بين 15 يوم وأربعة أشهر، وتم إطلاق سراحهم بعد تدخل وساطات عشائرية لدى التنظيم.

ثم عمل البشير بعد سيطرة تنظيم “داعش”، على محافظة دير الزور وتحديداً بداية عام 2015، على مشروع من أجل تحرير المحافظة من التنظيم سمي المشروع وقتها بـ “الجبهة الشرقية”، وكان المشروع بدعم من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وهذا المشروع سبق عملية تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية”، وكان الهدف منه تجميع مقاتلين وتدريبهم في قواعد التحالف الدولي داخل تركية، ثم نقلهم إلى سوريا من بوابة تل أبيض، والتوجه بعدها لتحرير محافظات شرق سوريا من “داعش”.

وبعد انطلاق عمليات التدريب، أرسل البشير دفعة أولى مكونة من 25 شخص، تلقت تدريبات في قاعدة “أنجرليك” التركية، تلاها ارسال دفعة ثانية مكونة من 360 شخص، تمت الموافقة على 160 منهم ورفُض البقية بحجة عدم وجود موافقات تدريب لهم من قبل الجانب التركي.

بعد رفض الأتراك لجزء كبير من دفعة المتدربين، قام البشير بتقديم استقالته من قيادة “الجبهة الشرقية” وتم تعين العميد أحمد جديع بدلاً منه، لكن معظم المقاتلين رفضوا الاستمرار بعد انسحاب البشير من المشروع، أما ما تبقى منهم فتم نقلهم من قبل الجانب التركي بعد أن رفع التحالف الدولي يده عن المشروع إلى ريف حلب الشمالي، حيث قام هؤلاء بترك التجمع والعودة إلى فصائلهم القديمة بعد سرقة معظم الأسلحة التي قدمت لهم. ومشروع الجبهة الشرقية كان آخر نشاطات البشير في تركيا، والتي مر خلال اقامته بها منذ نهاية عام 2011 وحتى نهاية عام 2016 بضغوط كبيرة، مثل تهميش المعارضة السياسية السورية له وحربه الباردة مع جماعة الإخوان المسلمين، إضافة للمخاوف الأمنية.

العودة إلى دمشق

نهاية عام 2016، غادر نواف البشير الأراضي التركية متوجهاً إلى روسيا ثم إيران في زيارة استمرت لأيام، التقى خلالها بعدد من مسؤولي البلدين.

بعد الزيارة إلى روسيا عاد البشير إلى مدينة شانلي أورفا التركية، حيث مكان اقامته، وقام بعقد اجتماع للشخصيات العسكرية والسياسية والمدنية من أبناء قبيلة البقارة، ليخبرهم بأن الثورة السورية انتهت وأن الحل سيكون سياسياً، وهو عائد إلى العاصمة دمشق من أجل المشاركة في هذا الحل.

قرار البشير بالعودة إلى النظام السوري لاقى اعتراضاً من غالبية المدعوين إلى الاجتماع من أبناء القبيلة، والبعض قال للبشير إن الذهاب هو خيانة للدماء التي أريقت من خلال السنوات الماضية، لكن البشير مضى في قراره والتقى بشخصيات سياسية وعسكرية من أبناء محافظة دير الزور، وأخبرهم بقرار عودته ولم يستطع أحد اقناعه بالعدول عن هذا القرار.

في مطلع الشهر الأول من عام 2017، غادر البشير مع عائلته الأراضي التركية إلى لبنان ومنها إلى دمشق، بالتنسيق مع عمر عاشور، عرّاب “لواء محمد الباقر”، الذي ينتمي لقبيلة البقارة في محافظة حلب، كما حصل البشير على ضمانات روسية إيرانية، بعدم تعرض النظام السوري له مقابل التزامات يتكفل بها. وبعد وصول البشير إلى دمشق، أصدر المئات من وجهاء وسياسيين ومثقفين وقادة عسكريين من أبناء القبيلة، بياناً أعلنوا فيه تبرأ القبيلة من نواف وعزله عن منصبه كـ شيخ للقبيلة.

وبعد دخوله إلى سوريا قام البشير بإجراء أكثر من لقاء مع التلفزيون السوري، تحدث فيه عن المعارضة السياسية السورية وكيفية ارتهانها للجهات الدولية والإقليمية خاصة تركيا ودول الخليج وأميركا، وواصفاً فصائل المعارضة أيضاً باللصوص وقطّاع الطرق. كما عمل البشير خلال فترة وصوله الأولى إلى سوريا، على تشكيل مجموعات عسكرية من المقربين له للقتال إلى جانب قوات النظام، وشاركت تلك المجموعات في معارك فك الحصار عن محافظة دير الزور، والسيطرة على كامل الضفة الجنوبية لنهر الفرات.

وتشير معلومات الى أن البشير سيكون أحد الحاضرين في مؤتمر “سوتشي” في روسيا بصفة شخصية معارضة، كما يحاول البشير مع الإيرانيين العمل على وضع قواعد ذات بعد طائفي مرتبطة بـ إيران في محافظة دير الزور، مشابهة لمناطق كفريا والفوعة ونبل والزهراء في بلدتي حطلة ومراط الواقعة شمال شرق دير الزور، مستفيداً من وجود عدد من العائلات المتشيعة في تلك البلدتين والتي تنتمي لقبيلة البقارة.

بالرغم مما فعله نواف بعد عودته إلى دمشق، فأن المؤشرات تدل على عدم ثقة النظام السوري به، ففي التسويات الأخيرة في دير الزور تم تقديم ابن عمه فواز البشير ولم تمنح لنواف أي ميزات.

موقع درج

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى