مراجعات كتب

نيكولاوس فان دام في «تدمير أمة، الحرب الأهلية سوريا»: على جميع الأطراف اعتماد الواقعية في التفاوض لحل النزاع/ سمير ناصيف

 

 

يشدد نيكولاوس فان دام، المبعوث الهولندي السابق إلى سوريا، وأحد أبرز الاختصاصيين الدوليين في الشؤون السورية، على ضرورة اعتماد كتلتي المجموعات المعارضة والمؤيدة للنظام في سوريا الواقعية في عمليات التفاوض فيما بينهما التي جرت وتجري بإشراف الأمم المتحدة، وتقديم جميع الجهات المعنية بعض التنازلات.

ويتهم فان دام، المؤلف المعروف باضطلاعه الواسع في الشأن السوري وتأييدَه للمعارضين المطالبين بإصلاحات في النظام الحالي، جهات خارجية (خصوصا دولية) بانها بثت وتبث الآمال المبالغ فيها ان النظام السوري سيسقط بشكل سريع ووعدت بالكثير فيما لم تقدم الدعم الكافي عسكرياً وسياسياً لتحقيق النتائج المرجوة وتخاذلت في هذا الشأن.

في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان «تدمير أمة، الحرب الأهلية في سوريا» يشبّه فان دام (في الفصل الرابع منه) تعامل أمريكا وفرنسا (عبر سفيريهما في سوريا) لدى انطلاق الانتفاضة السورية في عام 2011 مع الثوار السوريين بالطريقة التي تعاملت فيها قيادة الجيش الأمريكي حين أخرج الجيش العراقي من الكويت عام 1991 مع معارضي الرئيس صدام حسين من قيادات جنوب العراق، إذ شجعت أمريكا هؤلاء المعارضين على الصراع المسلح، ولم تقدم لهم الدعم العسكري والسياسي الكافي مما أتاح للنظام العراقي آنذاك قمع تحركهم الميداني والتنكيل بهم وافشال انتفاضتهم دموياً.

ويعتبر فان دام ان دور سفيري أمريكا وفرنسا في سوريا في مطلع الانتفاضة السورية لم يختلف كثيرا عن دور قادة الجيش الأمريكي في عام 1991 والسفيرة الأمريكية في العراق أيبريل غيلاسبي (عام 1990) التي شجعت الرئيس صدام على غزو الكويت، وبعد أن أخرجته أمريكا عسكرياً من هناك، شجعت خصومه في جنوب العراق على الانتفاضة ضده وخلقت وضعاً فتنوياً مهد للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 ولإسقاط النظام مما يندرج في سياسة الفوضى الخلاقة.

وينصح في كتابه الجديد، القيادات الحالية للمعارضة السورية التي تتفاوض في جنيف بعدم وضع شروط مسبقة للقبول بالتفاوض المباشر خصوصاً إذا كانت آتية من إملاءات خارجية ومن المصادر نفسها التي قدمت إليهم الوعود المبالغ فيها في مطلع الانتفاضة السورية. كما ينصح قيادة السلطة بعدم التصلب المبالغ فيه في مواقفها.

ويدعو فان دام في الفصل الختامي من الكتاب إلى تجميد المطالبة بإقالة الرئيس السوري قبل انطلاق المرحلة الانتقالية باتجاه حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات المقبلة بإشراف الأمم المتحدة، لان (في رأيه) هذا الشرط المسبق سيعرقل المفاوضات والتوصل إلى الحل وسيمنع «إمكانية تعاون الرئيس في التوصل إلى حل مقبول للطرفين» (ص 172).

وينبه إلى انه ليس بالضرورة أن وجود رئيس جمهورية آخر في مكان بشار الأسد في هذه المرحلة سيعني ان الصراع في سوريا سينتهي فوراً.

ويعتبر انه كان من الخطأ ان تقطع أمريكا والدول الغربية الاتصال الدبلوماسي بنظام الأسد خلال السنوات الماضية من الصراع، لأن هذا الأمر أفقدها دورها في التأثير على هذا النظام وأتاح المجال لدول وجهات أخرى الهيمنة على هذا التواصل ومهّدَ لدخول روسيا وإيران وجعلهما اللاعبين الأساسيين الخارجيين في الساحة السورية منذ عام 2015 وحتى الساعة.

المفاوضات الجدية الساعية بالفعل إلى التوصل للحلول، التي يتمناها الشعب السوري، تشكل الخيار الأفضل، في رأي فان دام. وهذا يتطلب من جميع الأطراف السورية عدم الخضوع للإملاءات الخارجية التي تؤدي إلى استمرار الفتنة.

ولكن المؤلف يشكك في ان بعض ممثلي المجموعات المسلحة التي تشارك في التفاوض إلى جانب مجموعات المعارضة السورية (وخصاصاً تحت مظلة «إعلان الرياض») ستقبل اعتماد الخيارات السياسية السلمية، وليس العسكرية القمعية، إذا وصلت إلى السلطة (ص182).

كما يدعو الدول التي مولت الصراع السوري المسلح إلى التوقف عن ذلك كما بدأت بعضها القيام به بالفعل.

ومن الأمور التي يشدد عليها المؤلف اعتماده منهجاً في الفصول الأولى من الكتاب يضع العامل الطائفي في رأس القائمة في أسباب الحرب السورية ونتائجها.

فلا أحد ينكر أن التنافس على القيادة في سوريا كان أحد جذور الصراع بين الضباط والقادة السياسيين العلويين، من جهة، والسنّة، من جهة أخرى، منذ فترة الانتداب الفرنسي (وخصوصا في فترة ثمانينيات القرن الماضي) ولكن هذا العامل لم يكن الوحيد، ومن الخطأ اعتباره كذلك. فالمقاربة كان بإمكانها ان تركز أيضا على صراعات الدول الاستعمارية على النفوذ في مطلع القرن الماضي (فرنسا وبريطانيا) وفي أواخره (أمريكا والاتحاد السوفييتي) وفي مطلع الألفية الثانية (روسيا وأمريكا وأوروبا ودول إقليمية). وخلال هذه المراحل المختلفة، لا شك انه كان لإسرائيل الدور الأساسي في توقيد الفتنة وعدم الاستقرار في سوريا وما زال الأمر كذلك، وهذا شأن لم يركز عليه الكاتب بشكلٍ كافٍ.

ففي الفصل الثاني، يقول فان دام ان الحرب السورية الأخيرة لم يكن بالإمكان تفاديها بسبب تاريخ سوريا، وان من الصعب نشر الديمقراطية في البلد بسبب النزاعات الطائفية. ويشير إلى ان المعارضة السورية لم تكن تسعى في البداية إلى حرب طائفية، وكان هدفها علمانيا ديمقراطيا بدون ان يذكر مثلاً ان بين مؤيدي النظام السوري أيضا تواجدت جهات تسعى إلى العلمانية ولم يكن هدفها الوحيد هيمنة العلويين على السنّة. كما لم يركز المؤلف بما فيه الكفاية على ان الأقليات في سوريا (وخصوصا المسيحية منها) ربما شعرب باطمئنان أكبر تحت مظلة نظام تلعب فيه الأقليات دوراً هاماً، بعد الاختبارات السلبية الاقصائية للأقليات في بعض الأنظمة الأخرى في المنطقة.

فيشعر القارئ في الفصول الأولى من الكتاب ان المؤلف يسعى إلى شيطنة النظام وتنزيه المعارضة، ويلقي اللوم على النظام فقط لفشل المفاوضات لكونه طائفياً، رغم انه يراجع هذا الموقف في الفصول الأخيرة وفي الختام.

ففي الصفحة (76) يقول الكاتب ان النظام اعتقد انه كما نجح في حماة في عام 1982 في قمع الانتفاضة الشعبية عن طريق القوة العسكرية فقط وقرر أن يفعل هذا الأمر مرة ثانية. كما يتساءل بعد ذلك إذا كان بشار الأسد بالفعل مسيطراً على النظام عندما ارتكبت التجاوزات ويجيب انه حتى ولو كان الحرس القديم من بقايا نظام والده هي الجهة التي اتخذت القرارات، فان بشاراً (إذا كان بالفعل قومياً عربياً) كان عليه إقالة الضباط الذين ارتكبوا هذه الوحشية الطائفية.

ولكن لربما كانت مثل هذه المبادرة من قبل الرئيس بشار الأسد بمفرده ليست سهلة. وبما أن فان دام من الخبراء الديبلوماسيين المخضرمين ربما عليه ان يدرك تعقيدات وانعكاسات هذا الموضوع.

وإشارة للمؤلف في الصفحة (93) من الكتاب لعدم وجود أي جهة من الجهات التي لعبت دورا في الحرب السورية الأخيرة ترغب بالفعل في تقسيم سوريا، بل ان كل جهة تعتقد ان الأخرى ترغب في ذلك، فيمكن اعتبارها باباً من التبسيط. فهو يستدرك لاحقاً ان إسرائيل ربما ترغب في تفتيت سوريا ولكنه يبقى متغاضياً عن إمكان وجود دوافع لدول استعمارية غربية في تقسيم البلد. لعل الأمر الأهم في الكتاب هو انه حتى لو بالغ الكاتب في عرض مواقفه، في بعض الأحيان، فانه يبقى في خانة الكاتب والمحلل المطلع على الأمور والذي يملك خبرة ومعلومات واسعة. ففي الصفحة (108) مثلا يرفض فان دام النظرية القائلة ان نظام بشار الأسد كان سيسقط لولا تدخل روسيا عسكرياً لمصلحته في عام 2015 ولولا دعم إيران وحزب الله له، ولكنه يؤكد ان النظام كان قبل هذا التدخل يمر في فترة صعبة جدا لا يمكن تقدير نتائجها.

واللافت في هذا المجال ان الكاتب يبدو متابعاً لعدد كبير من الدراسات والكتب والمواقف التي صدرت عن الحرب السورية الأخيرة. ففي الصفحة (125) يعرض نظرية الدكتور سامي الخيمي، سفير سوريا السابق في بريطانيا، الذي كان مقرباً جداً من نظام الرئيس بشار الأسد، والذي يعتبره فان دام حالياً «معارضاً سورياً بنعومة». هذه النظرية هي أن سبعين في المئة على الأقل من الشعب السوري تعارض النظام والمعارضة معاً، ولكن الأكثرية من هؤلاء المعارضين من الذين يخشون المعارضة المسلحة أكثر من خشيتهم نظام الأسد، وبالتالي يجب توفير المجال لهذه السبعين في المئة للتعبير عن مواقفها، فيما يجري حاليا استخدام هذه الأكثرية من قبل السلطة والمعارضة.

ويدعو إلى تخفيض التناقضات بين الدول الكبرى الفاعلة بالنسبة إلى الشأن السوري وضرورة التفاهم والتشاور حول هذه الحلول.

ويعتبر ان النظام والمعارضة والشعب السوري سيستفيدون في نهاية الأمر من نجاح المفاوضات الجارية بإشراف الأمم المتحدة، وان على النظام وخصومه التخلي عن بعض مواقفهما المعرقلة لهذا النجاح والتي تفيد في نهاية الأمر خصوم سوريا. وهذا يعني أهمية بتقديم التنازلات من جميع الأطراف.

 

Nikolaos van Dam: Destroying A Nation: The Civil War in Syria

I.B.Tauris, London 2017

242 pages.

 

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى