المعارضة السوريةصفحات مميزةطريف الخياط

هلوسات و حلم، موت و سياسة.

 

طريف الخياط

لم يعد سقوط الأسد مجرد أحلام يقظة، و بقي أن ينعكس ذلك على الواقع، يجب أن نعترف…

هلوسة، سنعترف..

بماذا يجب أن نعترف؟

ينبغي أن نعترف بأننا نعاني من طائفية تهدد بما هو أبعد، و يجب أن نعترف أن الممارسات الطائفية التي تغلغلت في صفوفنا، ستخدش صورة الثورة، يجب أن نقول ذلك قبل أن يتسع الخدش متحولا إلى شرخ عميق، قد يغير وجه سوريا، و قد يصبح التقسيم حاجة، و هو الآن مقترح يجري الإعداد له في مستنقعات السياسة.

يجب أن نعترف بفوضى السلاح، و كلنا أمل أن تكتب الحياة لعملية توحيد الجيش الحر الأخيرة، فلا يموت الرضيع الجديد كما مات إخوته، لأن الحاضنة لا تملك من الأوكسيجين ما يكفي للمواليد الضعيفة. يجب ان نتخوف من اقتتال داخلي، بين كتائب الجيش الحر في محاولات للتنازع على السيطرة المناطقية، و اقتتال آخر بين الجيش الحر و الكتائب المتشددة خارج إطاره، يحرضه اختلاف عميق في النظرة إلى شكل الدولة القادمة، و مخططات لما بعد الدولة.

يجب أن ننظر إلى الفوضى الأمنية حيث لا نظام، و لا سيطرة و لا قوانين، و تلك إن وجدت فليس هناك من يلتزم بها. يجب أن نتأمل مليا، بما قد ينتجه العدم من أشكال للجريمة المنظمة، قد تشق طريقها في غياب لسوق العمل، و الأخير لن يوجد ليستوعب جيوش العاطلين عنه.

يجب أن نفكر باللاجئين في الداخل و الخارج، نفكر بما لا يقل عن ثلاثة ملايين سوري، أي ما يزيد عن 10% بالمئة من السكان، أصبحوا بلا مأوى، عن أطفال انقطعوا عن مدارسهم، مع رضوض نفسية سترافقهم بقية عمرهم، يجب أن نتأمل مليا بالقصص المؤلمة عن أطفال مشردة تنام في شوارع دمشق و غيرها، تنام في العراء بلا طعام و لا رعاية.

يجب أن نخاف استبدادا من نوع مختلف، من أولئك الذين يستسهلون نعوتا تبدأ بتهم العداء للإسلام و تنتهي بالتكفير، أولئك الذين يعتبرون أن فهمهم للإسلام هو الصحيح، يحتكرون تفسير النص الديني، مسلحين بمرجعيات تفوق بمصداقيتها –بالنسبة لهم-  كل الإسلام و آياته. رهاننا أنهم قلة، لكنها قلة يصح عليها الوصف الشعبي، أنها “ما بتخاف الله”، قلة لا تتورع عن استخدام العنف و القتل تحت مسميات و مبررات عديدة.

ترى كم من الوقت سنحتاج لإعادة الإعمار، لإنعاش الاقتصاد، لترميم البنى التحتية، لخلق سوق العمل، لاستعادة عجلة التعليم، لاستقرار مؤسسات الدولة، لتحقيق الديمقراطية الحلم،و المواطنة الحلم، و التعددية الحلم، في تناوب على السلطة هادئ و سلس. و قبل أن نسترسل بالحلم، كيف سنطعم ملايين الجوعى؟

ثم أتأمل في حال دمشق، هل ستكون شوارعها حمراء غريبة، ممسوحة المعالم، مرهقة كما لم يشهد تاريخها، أم أن نظام الطاغية سيتآكل كجرذ في أسيد قبل أن يمسها؟

حلم.

و بعد كل تلك الهلوسات، أحتاج حلما، أستعيد به، مظاهرة المسجد الأموي في دمشق،أطفال درعا، حراك درعا، انتفاضة حمص، بانياس، جبلة، اللاذقية، إدلب، مليونيات حماة و دير الزور، سوريا تنتفض..

و في حلاوة الحلم، يتعثر المجلس الوطني ثم يتشكل، أرتعش، لكنْ، بنشوة كاذبة، فهو يتابع بالتشكل و التعثر، يتابع بالدوران حول نفسه في اللامكان هازئا بالزمان.. و للحلم طلاوة أيضا، شممت بها رائحة المصالح و الانتهازية، اختلطت بعطر دم طاهر و ركام بائس..

 أقلب التلفزيون، باحثا عن شيء ما، عن أي شيء، فلا أجد إلا حلقات مكرورة من مصارعة الديكة، معارضون أشاوس بأصواتهم العريضة يتناقرون.. و بعد أن باعوني بجوع السوريين و موتهم أملا كاذبا، تسمرت أمام الشاشة منتظرا سقوط الطاغية.. قد يسقط بعد سويعات.. فرفعت اللافتات ذاك يمثلني، و غدا غيره يمثلني، و بعد غد، لم أجد من يمثلني!..

قد يسقط الطاغية بعطالة ذاتية و دماء زكية و دموع سخية، هكذا ظن من كان يمثلني!، فبدأ يعد الباراشوت ليهبط في قصر المهاجرين الدمشقي، لكن إغواء السلطة و السطوة جعل معركة الديكة تحتدم.. سرقوا تمثيلي ثم تصارعوا في ما بينهم على القصر، فمتّ ثلاث ميتات، مرة برصاص الطاغية، و مرة بأطماع أشباه الطاغية، و مرة في حرقة الانتظار.

تشكل الائتلاف الوطني.. تفاءلت مرة أخرى لكن بألم، ألم ليس يطيقه جسد سوري صغير، و في سكراته، دققت قليلا، و إذا بهم، يتغلغلون في الائتلاف  كالسرطان، من سرقوا تمثيلي تغلغلوا في الائتلاف..

ترقبت حكومة مؤقتة، أغميت ثم صحوت و أغميت ثم صحوت، و لا زلت أنتظر.. اقتربت قليلا من الباب، فسمعت: نحن او نحرق الائتلاف، نحن أو نحرق الثورة، نحن أو نحرق البلد.. و في خلفية الحلم صرخ صوت محمود درويش “أيوب صاح ملء السماء، لا تجعلوني عبرة مرتين..”، لم يكن صوته، بل كنت أنا التائه، في “أنا” الآخرين..

أستيقظ اليوم، أستعيد الرواية، و أتحسس الرضوض على جسدي.. كم كان ذلك الكابوس حقيقيا!..

أبحث عن ترياق لكل هلوساتي، قديمها و قادمها، لكنهم باعوا الأدوية، و اشتروا الحصص..

أفتح التلفزيون، و أنتظر تشكيل الحكومة المؤقتة..

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى