صفحات الثقافة

العمل الفني بوصفه جزءاً من سيرورة أكبر: معرض تصوير ضوئي عن ومن وإلى الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان/ يارا بدر

 

 

في مقهى صغير مُختبئ بمدخل بناء حديث يتوسط شارع الحمراء في بيروت، الشارع الذي اتهمته صحيفة «النهار» اللبنانية قبل فترة قصيرة بأنّه لم يعد مكاناً للبنانيين لأنّ «الحمرا سمرا» بسبب الوجود السوري النازح، وبإعلانٍ ترويجيٍّ سيّئ، وبحماسة القائمين على مقهى «مزيان»، نُقل إلى المقهى بضع من لوحات التصوير الضوئي التي كانت جزءاً من معرضٍ احتضنه المركز الثقافي الفرنسي في بيروت خلال الأسبوعين الماضيين، والذي لم يلق حقه من التغطية الإعلامية كذلك.

تحدّثنا «شارلوت» الصبية الفرنسية التي درست الحقوق في فرنسا (حقوق الإنسان- حقوق اللاجئين)، والتي تعلّمت العربية في فرنسا واتقنتها حين أقامت عام 2009 في العاصمة السورية دمشق، بأنّ الحكاية بدأت عام 2013 حين التقت رئيس قسم الحماية في المفوضيّة العُليا لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR)، والذي أجاب على سؤالها: أين تكمن الفجوّة الأكبر ضمن خطّة دعم اللاجئين السوريين في لبنان؟ بالقول: في التعليم.

انطلاقاً من إحساسها بالارتباط بسوريا وشعبها الذي تعرّفت إليه حين أقامت بين السوريين، ومن احتكاكها بالمجتمع الفرنسي الذي تقول عنه شارلوت: «يرغب الكثيرون بتقديم شيء إنساني لأكبر أزمة إنسانيّة يعرفها القرن الواحد والعشرين، ولكنهم يخشون ألاّ تصل مساعداتهم إلى من يحتاجونها حقاً»، بالاستناد إلى معرفتها هذه تعاونت شارلوت مع والدتها وأسسّوا في فرنسا منظمة «يلّا» للأطفال السوريين اللاجئين في تموز/يوليو 2013، حيث ضمنت للفرنسيين أن يصل دعمهم إلى أهدافه، وأمّنت لشبابٍ سوري التقته في بيروت الدعم المادي الذي ينقصه، في حين أنّه يملك بحسب شارلوت: الأفكار والطاقة والوقت.

خلال عامين تقريباً افتتحت «يلّا» مدرسة في بيروت وأخرى في عالية، تضمّان قرابة المئتي طفل وطفلة، تتراوح أعمارهم/ هنّ ما بين (6-13) عاماً. تعتمد المدرستان مناهج «منظمة الأمم المتحدة للطفولة- اليونسيف» مع مراعاة الابتعاد دوماً عن قضايا الدين والسياسة. من هذه التجربة صوّر عمر الشيخ فيلماً قصيراً وثائقياً تحدّث به الأطفال عن تجربتهم الدراسية هذه، وعُرَض الفيلم في التجمّع الصغير الذي أقامه المقهى مساء 6 شباط/فبراير 2015، بحضور مخرج الفيلم السوري عمر الشيخ.

حول الموائد، على رفوف خشبية متواضعة لم تجهّز خصيصاً للمناسبة، عُرضت اللوحات التي قارب عددها العشرين، بحضور مصوّرين من طاقم المصورين الأربعة الذين ساهموا في المشروع الفني، هما عمر الشيخ والفرنسية سيلين فيليغاس، في حين غابت كل من المصوّرة الأمريكية آمي لانغ والفرنسي رافايل برتو، وبحضور شباب سوري متطوّع معظمه للعمل مع المنظمة، كإداريين أو مدرسين.

على العكس من المنهج السائد إعلامياً في التسويق للأزمة الإنسانيّة السورية أتت لوحات المصورين الأربعة في معظمها، قليلة كانت اللوحات التي غيّبت الألوان واكتفت بظلال لوني الحياة «الأبيض والأسود»، وكأنّها تريد القول إنّ هذا الجيل الجديد اكتفى بالبؤس الذي عرفه، البؤس الذي يظهر في حديث طفلة لم تبلغ العاشرة بعد – ربما- في الفيلم وهي تتحدّث عن «الغربة» وكأنّها مفهومٌ من العادي أن يدركه طفلٌ بهذا العمر. جيل رغم صعوبة حياته لكنه يضحك، ويلعب، ويتعلّم، صوره ليست دماء وأشلاء وأطفالا قتلى وهم نيام، بل إنهم أطفال ينبضون بالحياة ويلوّن الصورة بضحكاتهم رغم تعب وجوه أغلبهم حتى كأنّهم يبدون أكبر بسنين. جيلٌ يُحبّ الحياة ويحياها إذا ما استطاع إليها سبيلا.

في هذا المقهى الصغير لم يكن هناك حدثٌ ثقافي كبير، لم تكن صور الأطفال لعرض معاناتهم، ولم تكن لإيصال صرختهم إلى العالم، فهذه قد امتلأت بها شاشات الأخبار وأوراق الصحف إن شاءت، كانت معرضاً يعود ريعه إلى مشروع التعليم، وعرضاً لأطفال يحاولون وسط كل ما هو غير عادي أن يعيشوا شيئاً ممّا هو حقّ مقدّس لهم في الشرعة الدوليّة لحقوق الإنسان، هم لا يتسولون في الصور شفقة أو عطفاً، هم فقط يتعلّمون ويضحكون ويلعبون، ويثّبتون في الصورة أنّهم موجودون كما يجب أن يكونوا وليس كما فُرِضَ عليهم في سياسات الحرب ومخططات السياسيين، فكان من الطبيعي أن تُهمل هذه الصورة، وذاك الجمع الصغير في المقهى المختبئ في شارع الحمراء، فليس للسوريين حتى الأطفال أن يضحكوا وإن فعلوا فليكن ذاك بصمت.

القدس العربي

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى