صفحات العالم

هل استحال الحل في سوريا؟


 سليمان تقي الدين

لا أفق في المدى المنظور للخروج من الأزمة الوطنية في سوريا. دوّامة العف تتسع، والفجوة تتعمق والدم يسيل بغزارة. لم نعد نسمع لغة مشتركة أو مبادرات سياسية. وحدها «المواجهة» لفرض الأمن وإطاعة النظام، يقابلها مطلب إسقاطه. تبدو الإصلاحات السياسية خارج الموضوع. لا قانون الأحزاب أو الانتخاب أو الإعلام أو اللامركزية يمكن تفعيلها في أجواء التوتر، ولا تعني شيئاً للجمهور في المدن والشوارع والقرى والجامعات التي صارت هدفاً للإخضاع.

دخلت سوريا في مغامرة الحسم عن طريق القوة. تعطّلت وسائل السياسة وانزلقت البلاد نحو أوضاع تغري الخارج بالمزيد من التدخل. ظهرت الدولة طرفاً في نزاعٍ أهلي لا مرجعية للاستقرار والأمن. إذا كانت المعارضة تستدعي هذا المستوى من الحملات العسكرية فالمجتمع السوري في أزمة ولاء للوطن والدولة. نعرف ان النظام ليس سلطة معلقة في الهواء، فلديه قواه ومصالحه وجمهوره وهواجسه وأدواته. لكن هذا العنف يخرج عن حدود الرغبة في إعادة الاستقرار ليؤسس لنزاع أهلي مفتوح. ليست الحرب الأهلية قراراً يتخذه فريق، بل هي مسار من التصادم الذي يحفر في الدولة والمجتمع. حبذا لو أن حكومة واسعة التمثيل تتمتع بالمصداقية الوطنية والسمعة النظيفة والإصلاحية هي التي كانت جواباً على هذه الأزمة.

ربما لم يكن الوقت ليضيع في مناقشات حول الأفكار الإصلاحية كي تذهب الجهود في اتجاه صياغة الوحدة الوطنية على عقد اجتماعي جديد فتسقط مبررات المعارضة المسلحة ومبررات الخارج الذي يسعى إلى استنزاف سوريا وإضعافها. أولوية الأمن لم تنجح في استعادة ولاء مدن كبرى إلى الدولة حتى لو تم «تحريرها» من الجماعات المسلحة. هناك رغبة جامحة في تطويع المعارضة بكل أطيافها باسم التحدي الخارجي والاختراق الأمني ومشاريع الفتنة. كل هذه العناصر الموجودة في مكونات الأزمة لا تحجب الأسباب الأساسية للحراك الشعبي المتحدر من علاقة التهميش والإلغاء وكبت الحريات والنظام الأمني والأوضاع الاجتماعية المزرية والامتيازات السلطوية المقابلة. استقرار سوريا في العقود الماضية كان مشفوعاً ببعض الانجازات الاجتماعية والوطنية وبمنسوب غير فاضح في الامتيازات والفساد، والمفارقات الاقتصادية. فاقمت التطورات انكشاف النظام على خلل جوهري فانحسرت طاقة احتمال الجمهور لأوضاع مزرية وفشل في مواكبة المشاكل الاقتصادية. انغلق النظام على نفسه وعلى قواه ومؤسساته الهرمة في عصر العولمة الذي أسقط الكثير من الحواجز العازلة. تمسك بلافتة عقائدية ومؤسسات حزبية تابعة لم تعد فاعلة في الحياة الوطنية. لم يجدد نفسه ولا استراتيجيته في ظل متغيرات إقليمية ودولية، ولما يزال يقرأ الأزمة على انها اختراق من الخارج للداخل. يبالغ النظام في القدرة على مواجهة هذه التحديات. ويبالغ معارضوه في قدرتهم على إسقاطه من خارج سياق مديد من العنف والتفكك والنزاعات الأهلية. أطاح العنف الإصلاحات السياسية واحتمالات التغيير السلمي الديموقراطي. كما أطاح العنف احتمالات العودة الى سلطة مركزية قوية ومستقرة في ظل هذا الكم من الآلام والدماء. ربما لم يعد من مخرج لهذا المأزق بين الحل الأمني والتغيير السياسي إلا مشروع مصالحة وطنية شاملة لتدارك التداعيات الفتنوية والمزيد من مداخلات الخارج. فهل ينجح الشعب السوري في استيلاد هذا الحل؟!

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى