صفحات سورية

هل التدخل الدولي الذي يستدعيه النظام .. مطلب الشارع السوري؟


محمود الزيبق

إن أي مدقق في حقيقة مطلب الشارع السوري سيجد أنه رفع آلة القتل عنه وإيقاف نهر الدماء النازف يوميا في شوارعه وجرائم الاختطاف والتعذيب التي تمارسها اجهزة النظام بهمجية ممنهجة، ومن ثم سقوط نظام الأسد.

ولكن الملاحظ أن بعض المصطلحات تسرق المطلب السوري إلى زاويتها مؤخرا .. إذ كثيرا ما تتردد عبارات ‘الحظر الجوي’ أو ‘التدخل الأجنبي’ كمرادف أو حتى مطابق لحماية المدنيين وانتقلت من ساحات القنوات الإعلامية وبرامج الحوار إلى لافتات الثوار على الأرض وهتافاتهم ..

لا شك ان اهم العوامل لانتشار هذين المصطلحين توصيفا لمطلب حماية المدنيين هو نجاحهما نوعا ما في النموذج الليبي الذي ظهر كنصر ناصع للثوار تكلل بمـــقتل ديكـــتاتور ليـــبيا.. يضاف إلى ذلك أن الذين يطرحون الحلول لإنقاذ الشارع السوري وحتى الذين يعارضـــون التدخل الأجنــــبي لا يطرحون بدائل مناسبة له تحمـــي المدنيين من جرائم النظام … وبالتالي فإن انعدام البدائل ‘إعلاميا على الأقل’ هو السبب الثاني لانتقال مصطلح حماية المدنيين إلى ما هو عليه الآن.

لا يخطر ببال أحد مثلا اقتراح تدخل عربي عسكري يكون بديلا عن التدخلات الأجنبية.. لأن الجامعة العربية كانت مثالا لخيبة الامل على مدار عقودها.. لكن هذا لا يمنع البحث بجدية عن بدائل أخرى تحل محل التدخل الأجنبي أو الحظر الجوي الذي يبدو اسما منمقا لشر كبير..

يدرك نظام الأسد جيدا أن استمراره في سياسة القتل والتنكيل بشعبه ستستدعي في النهاية تدخلا من نوع ما لحماية المدنيين ولكنه مع ذلك يواصل القتل بكل أريحية ومماطلة دون ان يعبأ بمهلة تركية او عربية أو عقوبات اقتصادية غربية أو سياسية تتمثل في عزلته او سحب السفراء.. ويبدو من عجز وسائله عن ردع الشعب السوري خلال أشهر ثمانية ان الأسد يدرك أيضا أنه إلى زوال .. ما يجعل جرائمه المتواصلة وعدم بحثه عن البدائل نوعا من انتقام من شعب ضعضع عرشه الذي ورثه وأظهره في صورة الولد العاجز عن تقمص ثوب أبيه.. وبالتالي فلا مشكلة عنده من ان يصل الأمر إلى التدخل الأجنبي.. لا سيما أن هذا التدخل سيظهره بصورة بطل تشبه تلك الصورة التي ارتداها صدام حسين يوما بعد ان غزت بلاده قوات الاحتلال الأمريكي .. إذ تناسى الكل جرائمه أمام جرائم الاحتلال .. وبالتالي فمن الطبيعي ان يطمح الأسد لنوع من الخروج الذي يهيأ له أن التاريخ قد يسجله له مشرفا إذا جاء على دبابة غربية سيما ان نتيجة التدخل الغربي مجهولة وقد يتبعها اتهام معارضي الأسد بالخيانة إذا ما ادت نتائجها إلى شيء شبيه بالحالة العراقية ..

في زاوية أخرى علينا ألا ننسى أن التدخل الغربي الأجنبي لم يرتد يوما ثوب حماية الأبرياء او المدنيين حتى في الحالة الليبية الأخيرة وإنما ثوب المصالح الغربية الطامعة في النفط الليبي وعقود إعادة إعمار ليبيا على أيدي من هدمها بقصف البنى التحتية الليبية عن طريق الخطأ!! …

أنصح الشارع السوري والمعارضة وعلى رأسها المجلس الوطني بالتفريق بين التصريحات الغربية التي تدين الأسد وتستنكر قتل المدنيين وبين حقيقة تدخلاتهم وأفعالهم على الأرض.. إني لا أثق أبدا في طرق حماية الغرب للمدنيين لا سيما عندما يكون هؤلاء الأبرياء من أصحاب الدم الرخيص لديهم ولكم ان تتذكروا امثلة كثيرة لذلك في البوسنة أو العراق أو الصومال .. وبالتالي لا غرو أن يثق بشار الأسد في أن الدول التي حالفت نظامه ونظام أبيه من تحت الطاولة لعقود لن يتأخر تدخلها عن حماية الكثير ممن ارتكبوا الجرائم من نظامه من ردة الفعل الشعبية عقب انهيار النظام أو تأمين هروبهم مع اموالهم إلى اوروبا التي احتضنت فيما مضى الكثير من أموال السرقات العربية عموما والسورية خصوصا ونعمت باستثماراتها.

وأطلب من المحللين والإعلاميين الذين يصورون التدخل او الحظر الجوي حلا وحيدا لحماية المدنيين أن يبحثوا جديا في حلول بديلة تبدأ من الداخل السوري .. لا سيما مع تداعي نظام الأسد داخليا وقابليته للانهيار في أي وقت بسبب ما يعيشه من انقسام داخلي يشمل الجيش ومؤسسات الدولة وحتى العصابات الأمنية التي انهكت على مدار أشهر وبات شعورها بالخطر أكثر بكثيرمن ذي قبل .. ناهيك عن الحالة الاقتصادية البائسة التي يعيشها النظام السوري والتي تهدده بالانهيار الداخلي في وقت قريب.. إن مجرد الدعم السياسي للانشقاقات سيزيد في نوعيتها وإن العقوبات الاقتصادية على النظام ستساهم بشكل كبير خاصة إذا كانت عقوبات عربية وتركية نوعية وإن وجود منطقة آمنة او عازلة في الشمال السوري سيساعد كثيرا في توفير عملية تحرير داخلية يبدؤها الجيش السوري نفسه.

بالتأكيد قد يقول البعض ان هذه الحلول قد تبدو نظرية مع نظام عنيد يكرر القتل يوميا وأن الباخرة الكورية الشمالية التي اوقفتها اليونان مؤخرا وكانت تقل لنظام الأسد ثيابا مضادة للأسلحة الكيماوية تدفعنا للتفكير بجدية بحقيقة ماينويه نظام الأسد لشعبه في العاجل القريب .. ولكن هذا لا يغير من حاجتنا للافادة من الدروس السابقة بحيث تكون أطر إنهاء مأساة الشعب السوري سورية او عربية أو إسلامية في أبعد احتمالاتها.

‘ كاتب صحافي من سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى