صفحات العالم

هل تتخلى إيران عن حليفها السوري؟


خالد عبد ربه

إذا ما صحت الأنباء عن ما كشفت عنه صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية, عن لقاء قد تم بين المسؤولين الإيرانيين والبعض من عناصر المعارضة السورية في إحدى العواصم الغربية, ففي ذلك دلالات هامة ومؤشرات لا يمكن إهمالها أوعدم البناء عليها للمرحلة القادمة.

ولا يمكن فصل هذا اللقاء عن ما سبقه من تغيرات في مواقف الإيرانيين اتجاه الأزمة السورية, وإن كانت طفيفة وغير ظاهرة للعيان, إلا أن هناك بعض المؤشرات الدالة على تحول حقيقي في كيفية قراءة المسؤولين الإيرانيين للأحداث الجارية في سوريا, وحركة سياسية جديدة للبحث عن زاوية رؤية ثانية للمشهد السوري غير التي كانت في السابق.

فيمكن القول إن هناك بعض الاختراقات التي تمت على الموقف الإيراني الداعم بشدة للنظام السوري, تبلور في بعض اللقاءات التي تمت سواء مع الأمير القطري, أو مع القيادة الروسية التي بدورها لم تعد تحتمل الأوزار الملقاة على كاهلها نتيجة لدفاعها عن النظام السوري.

ومع استمرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المدن السورية وازديادها يوما بعد يوم واستمرار سقوط القتلى على أيدي رجال الأمن والشبيحة, بات النظام في سوريا يشكل عبئاً ثقيلاً على أصدقائه وحرجاً كبيراً للداعمين له.

للدرجة التي جعلت هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران يشيد بالشعب السوري ويصفه بالمقاوم ويعتبر أن وعي الشعوب قد تنامى وأنها لن تنصاع للاستبداد, وكذلك للدرجة التي جعلت روسيا تمهل الأسد أسبوعين لإيجاد حل جدي للأزمة الراهنة, مهددة برفع يدها عن الغطاء التي تقدمه له في مجلس الأمن للحيلولة دون إصدار قرار يدين النظام السوري, وأيضاً للدرجة التي جعلت قائد حزب الله “السيد حسن نصر الله” أن لا يجد غير بطولات المقاومة والأراضي اللبنانية المحررة كإنجاز قومي ووطني لاستثماره في محاولة الدفاع عن النظام السوري, دون القدرة على الخوض في أي من العناوين الداخلية لطبيعة الأزمة السورية, وللدرجة التي جعلت الرئيس التركي عبد الله غول يفقد الثقة بالنظام تماماً ويصف الرئيس السوري بمن لا يفي بوعوده.

وإذا أردنا قراءة هذا اللقاء بتجرد ودون انحياز في محاولة لفهم الكيفية التي يفكر بها صانع القرار الإيراني, مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الخسارة التي لحقت بالدور الإيراني في الوطن العربي بشكل عام وفي سوريا على وجه الخصوص, كنتيجة مباشرة لدعمها العلني لنظام الحكم في سوريا وما يقال عن تدخل إيراني مباشر أو غير مباشر عسكري وتقني, فيمكن القول إن ايران أصبحت تشعر بخطر كبير يهدد وجودها ومكانتها في الشرق الأوسط وفي أهم معقل لتواجدها, وباتت كذلك تستشعر حقيقة مرعبة بالنسبة لها تتمثل في إمكانية غلق أهم بوابات دخولها للعالم العربي ألا وهي سوريا فيما لو سقط النظام, بعد أن وضع الكثير من إشارات الاستفهام على الدور الوطني والإسلامي والداعم للشعوب العربية التي تبنته طوال أكثر من ثلاث عقود.

لذلك من الطبيعي والمنطقي على الساسة الإيرانيين البحث عن الحلول التي يمكن أن تخرجهم من المأزق الحالي بأقل الخسائر التي هي واقعة لا محالة ولا يمكن تفاديها بكلا الحالتين, سواء أسقط النظام في سوريا أو لم يسقط.

فكان كما أوردت الصحيفة الفرنسية أن قدّمت السفارة الإيرانية في أحد العواصم الأوروبية دعوات متكررة للقاء عناصر بارزة من المعارضة السورية التي اشترطت هذه الأخيرة أن لا يتم اللقاء داخل السفارة الإيرانية, وتمت اللقاءات بالفعل خارج السفارة التي يمكن فهمها ضمن احتمالين لا ثالث لهما.

الاحتمال الأول أن يكون قد تم هذا اللقاء كوساطة تقوم بها إيران لمساعدة النظام السوري بطلب منه أو بدون, في محاولة لإيجاد حلول وسط تحقق للمعارضة بعض المطالب مع الحفاظ على بقاء رأس النظام في سدة الحكم, وهذا يعني بالتالي أن الإيرانيين لا بد وأنهم يحملون بعض الرسائل من النظام السوري التي تقدم للمعارضة, وأن هناك ما يمكن للنظام أن يقدمه أكثر من حزمة الإصلاحات الورقية التي قدمها في السابق وبضمانات إيرانية هذه المرة.

وإذا ما كان ذلك فهو دلالة على أن النظام في سوريا بات يرى جدياً احتمالية سقوطه واللحاق بمن سبقوه كتونس ومصر وليبيا, وأن قناعة جديدة قد تبلورت من قبل النظام وحلفائه تتمثل بالاعتراف بعدم جدوى الحل الأمني وفشله, وأخيرا الاعتراف بمن كان وما يزال يطلق عليهم تلك الأسماء الرنانة من المندسين والعصابات المسلحة والمتآمرين.

وهذا الاحتمال يبقى ضعيفاً لإدراك الساسة الإيرانيين أن قوى التأثير في الثورة السورية هم في داخل سوريا وليس خارجها, ولا تملك المعارضة من الخارج القدرة على إيقاف الثورة الشعبية أو تخفيض سقف مطالبها, وكل ما يجري في الخارج ليس أكثر من دعم يقدم للمتظاهرين المتواجدين على الأرض.

أما الاحتمال الثاني والمرجح, فإن إيران بدأت فعلا في البحث عن بديل جديد للحليف الاستراتيجي لها بعيدا عن الصداقة التاريخية مع النظام السوري, فالسياسة لا توجد فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة, والمصلحة الإيرانية للمرحلة الحالية الحرجة تقتضي أن لا تخسر إيران موقع سوريا كحليف هام بالنسبة لها في الشرق الأوسط بصرف النظر عن النظام الحاكم أو الأسرة الحاكمة, لما تملكه سوريا من مفاتيح هامة لكثير من قضايا المنطقة, ومدى انعكاس ذلك على حزب الله والحركات السياسية التي تدور في الكنف الإيراني.

وما يعزز هذا الاحتمال أن إيران تدرك أن ثورة الشعب السوري ومطالبه بإسقاط النظام جائت ضد الظلم والاستعباد والتوق للحرية, وذلك لم ينقل الشعب السوري الى المعسكر الثاني, والفجوة الحالية والعداء بين الشعب السوري وإيران, لم تقرّب أعداء إيران كأمريكا وإسرائيل الى الشعب السوري, فما زال الشعب السوري بعيداً بل ومعاديا للخندق الغربي وما تزال الثوابت الوطنية على حالها لم تتغير.

بالتالي يمكن لإيران في عقلية النظام الحالي التي جربت كل أساليب الدعم لحليفها السوري بما فيها العسكري ولم يفلح في إخماد صوت الشعب, أن تبحث لها عن موطئ قدم في سوريا جديدة قد لا يكون على ذات المستوى السابق ولكن كاف لإبقاء تواجدها على خشبة المسرح, وقد تجد ذلك إذا ما حسّنت الصورة السيئة التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية, وهذا ما يفسر فتح قنوات الاتصال مع عناصر المعارضة وإن كانت في الخارج, أو مسك العصى من الوسط وهو أضعف الايمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى