صفحات العالم

هل تتسلح المعارضة السورية؟


مشاري الذايدي

مرت كل هذه الأشهر، والقتل السلطوي ما زال يفتك بالسوريين، وهم ما زالوا يهتفون: سلمية، سلمية. والعالم من حولهم ما زال «يناشد» الأسد بأن يجري إصلاحات، مع بضع عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، بطيئة المفعول، وغير أكيدة النتائج.

بعد هذا كله، من يضمن أن تظل الأمور كما هي دون أي تغيير دراماتيكي؟

من محاسن الثوار في سوريا، رغم فظاعة وبجاحة قوات الأمن والشبيحة، هي تمسكهم بثلاث لاءات: لا للعمل المسلح، لا للتدخل العسكري الخارجي، لا للتهييج الطائفي، أو طيفنة الثورة.

لكن «كثرة الدق تفك اللحام» كما يقال، أو مثلما قال الشاعر العربي الأول:

إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا

فما حيلة المضطر إلا ركوبها

النظام جعل القصة كلها عبارة عن مواجهات شرعية مع عناصر إرهابية وبعض العصابات، ولم ير من المشهد كله إلا هذه الزاوية الضيقة جدا، كما قال بشار الأسد لتجمع من علماء الدين، وهو يحاول تفسير وتبرير قصف المئذنة في دير الزور، وعبارات الشبيحة للمعتقلين السوريين «قولوا لا إله إلا بشار الأسد»: إن هذه تصرفات إما شاذة وفردية أو أنها مفبركة وغير صحيحة، وإن المهم هو ملاحقة العصابات المسلحة، وأما هذا العسكري الضال فيهدى بالإرشاد، وكفى الله المؤمنين القتال!

استهتار واضح، وتهوين بالغ، من واقع مخيف ومرعب، كما أنه مستفز لمشاعر المعترضين والثائرين ومن يتعاطف معهم، عبر تجاهلها أولا، ومن ثم تحجميها ووضعها في إطار مطلبي تافه، وتضخيم صورة المؤامرة والعناصر الخارجية.

خطاب كهذا الخطاب يشعل فتيل الثورة أكثر، من أجل أن يثبت الطرف الذي تم تجاهله أو التهوين من شأنه أو الافتراء عليه حقيقة الأمر وثقل الوزن.

هناك أطياف متنوعة داخل جسد الثورة السورية، هناك تيار علماني مدني مؤلف من بقايا ماركسيين وقوميين ويسار بشكل عام، ومعهم ربما بعض تيارات الشباب المدني كما يطلق الآن على الموجة الجديدة من المنشغلين بالشأن العام في العالم العربي.

لكن هناك أيضا معارضين للنظام من خلفيات متباينة مثل العشائر التي ترى أن النظام أخرجها من المزايا والتمتع بثمار السلطة، وليس كل العشائر على وجه الدقة، كما أن هناك أيضا كثيرا من الأكراد، للأسباب السالفة، ولأسباب تخص المكون الكردي وهي لا تختلف في مجملها عن مطالب أشقائهم الكرد في تركيا وإيران وربما العراق، حتى بعد أن أصبحوا يحتلون موقع رئاسة الجمهورية فيه ويتمتعون بإقليم خاص.

هناك أيضا المكون الإسلامي الحزبي أو المسيس، وعلى رأسه طبعا «الإخوان المسلمون»، وهم أصحاب الثأر القديم مع النظام منذ مجزرة حماه 1982 وجسر الشغور، وغيرهما.

صحيح أن المراقب العام السابق للجماعة، علي البيانوني، قال مؤخرا إنهم ليسوا حاضرين بقوة منظمة وفعالة داخل المجتمع السوري حاليا بسبب حملات الاجتثاث والقمع المتوالية منذ أول الثمانينات، حيث كان مجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان تهمة كافية للقتل أو الإخفاء في غياهب السجون، ولكنهم رغم ذلك يشكلون لاعبا قويا في المعارضة، إن لم يكن اللاعب الأبرز، بسبب قوة حضورهم في المنافي والمهاجر، وبسبب ربما وجود دعم لهم من بعض دول الإقليم، خصوصا تركيا ودولة قطر، وهذا موضع نقاش لاحق ربما.

يبقى لنا الحديث عن مكون آخر من مكونات المعارضة السورية، يتحاشى كثيرون الحديث عنه، هو مكون الإسلاميين الجهاديين! خصوصا أن النظام نفسه سبق أن غذى هذا التيار في العراق، ورعاه في داخل سوريا للاستخدام الخارجي فقط، (فتح الإسلام مثلا) ناهيك عن وجود رموز سابقة لهذا كله في الحركات الجهادية (أبو مصعب السوري مثلا).

لا ندري حقيقة عن وجودهم في صفوف المعارضة، فما نراه ظاهرا حتى الآن هو ثورة وانتفاضة مدنية وشعارات وطنية جامعة، وهذا شيء يبعث على الإعجاب حقيقة، وليس بغريب على المجتمع السوري كما أشرنا سابقا، ولكن بعض الأصوات في العالم حتى من المعسكر المعادي للنظام، دعنا من كلام روسيا وإيران وأبواق النظام في لبنان، تتحدث عن أن هناك عناصر إسلامية مسلحة في معرة النعمان أو تلكلخ.

لسنا متأكدين من وجود هكذا عناصر، ولكن حسب بيان للمعارضة السورية صدر قبل أيام إثر اجتماع عقد لهم في بلدة حلبون بريف دمشق وحضره الكثير من ممثلي التيارات القومية والوطنية ومئات من المشاركين الناشطين، من أجل توحيد صفوف المعارضة في الداخل والخارج، فإن: «القمع المتواصل للمتظاهرين السلميين هو الذي أدى إلى (أفعال انتقامية مسلحة)، في إشارة إلى مقتل عناصر من الجيش وقوات الأمن، تؤكد السلطات أن عددهم يصل إلى المئات».

رغم تأكيد البيان على استمرار الطابع السلمي للثورة وعدم الاستعانة بالقوة الخارجية، وهناك الحديث طبعا عن تجريم الطائفية.

لا غضاضة من الحديث عن هذا الأمر، وليس للنظام الأسدي أي حجة للفرح بوجود مثل هذه الأفعال، فشيء متوقع وطبيعي أن يقوم شخص ما هنا أو هناك بردة فعل طبيعية على فظائع النظام والشبيحة بالناس، القتل المنهجي والإذلال المبرمج للأسرى أمام الكاميرات، الناس ليسوا حجارة صماء، لكن تظل هذه ردود فعل محدودة وغير أساسية في السياق العام للانتفاضة السورية.

مرة أخرى ماذا لو استمر الوضع على ما هو عليه؟

هل سيصبح لبيان كبيان «حلبون» الأخير، أو بيانات المعارضة الخارجية أي قيمة؟

هناك مثل معروف يقول: «ليس دون الحلق إلا اليدين» والشاعر الأموي الشهير يقول:

أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن يطفئها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

وإن النار بالعودين تذكى

وإن الحرب مبدؤها كلام

فقلت من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أمية أم نيام؟

وأمية هنا، ليست جماعة الأسد التي حلت في قصر الحكم بدمشق محل معاوية وعبد الملك وهشام، بل هي أمية الأخرى العربية التي تتفرج على الوضع من بعيد أو تكتفي بإرسال نبيل عربي لا يملك شروى نقير.

إن تسلحت المعارضة السورية وفاض صبرها، أو تسلل إليها مسلحون أصوليون، وما أكثرهم، فاللوم يقع على من جعل الأمور تصل إلى هذا الحد. ونرجو ونبتهل أن لا تصل الأمور إلى هذا المنزلق الخطير.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى