براء موسى

هل تتكرر مجزرة تدمر ؟

براء الموسى
لم نكن لنتذكّر تلك المجزرة الرهيبة الآن وفي زحمة الأحداث التي تزخم بها الساحة السورية لولا أنّ قرينةً تشدّنا للتنبُّه إلى ما بين سطور الثورة السورية ،وشراسة النظام في محاولات قمعها متخبِّطاً بين تبرير و تمرير جرائمه ، ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإنّ قانون الإعدام الجديد الذي أصدره الرئيس الحالي يذكّرنا بسابقةٍ فريدةٍ في انتهاك حقوق الإنسان كان قد سنّها الراحل الأب سنة 1980 فيما اُصطلح على تسميته من قبل حقوقيين ب”قانون العار” ذو السمعة السيّئة “القانون 49” والذي نصّ على :”يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كلّ منتسبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين “.
وقد جاء ذاك القانون بُعيد مجزرة سجن تدمر الفظيعة ، والتي لم تحظ بفرصةٍ تُسلّط الضوء على جميع ملابساتها سوى ما كان قد تسرّب – وبعد سنتين – عن بعضٍ من تفاصيلها من خلال جنديين سوريين قُبض عليهما في الأردن بتهمة محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني آنذاك “مضر بدران” وقد روى هذان الجنديّان عبر ما بثّه التلفزيون الأردني قصة تورّطهما في المشاركة في تلك المجزرة المروّعة ،عندما كانا في عداد ما كان يسمى وقتها :”سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعمّ الحالي ،والذي نُفي لاحقاً من سوريا مع جائزة ترضية هائلة من الأموال عندما تبيّنت نواياه بالمطالبة بحصّة “الأسد” من سلطة حافظ الأسد المطلقة.
ملخص تلك الحكاية التراجيدية هو تجمّع بعض الوحدات العسكرية من قوات سرايا الدفاع في دمشق ،لينطلقوا إلى سجن تدمر الصحراوي وسط البلاد بواسطة طائرات “هليوكبتر” فجر يوم 27 من حزيران لعام 1980 ليفتحوا النار على سجناء محسوبين دون محاكمة على الاخوان المسلمين داخل زنازينهم لتكون الضحايا حوالي الألف شهيد قتلوا بدم بارد قبل أن تخفي جثامينهم مقابر جماعيةٍ حُفرت على عجل في مكان ما من الصحراء السورية .
كان ذلك في ردّة فعلٍ انتقاميةٍ لمحاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الاسد قبل يوم واحد فقط عن طريق أحدهم منسوباً أيضاً للاخوان المسلمين.
بأيّة حال من الأحوال فإنّ تفاصيل كثيرةً لا زالت تحيط بتلك المرحلة برمّتها ،ومازال الكثير من الغموض يلفُّ تلك الحقبة من تاريخ سوريا الحديث ،ولكن ما نودّ الإشارة إليه هنا مفاده أن ذاك القانون المسمى “القانون 49” المشؤوم صدر بُعيد المجزرة بقليل (في 7/7/1980،أي بعد حوالي 10 أيام فقط من المجزرة )،وترى بعض التحليلات بأنه كان محاولةً لطمس الحقيقة ،وتسوية الأمر كما لو أنه “تبييضاً” لجرائم سابقة ، فيما إذا تعرّض النظام لمسائلةٍ ما لم تحصل حتى الآن بطبيعة الحال ،بحيث يُضمُّ ضحايا المجزرة إلى الآلاف ممن أُعدموا بفعل هذا القانون “وبغيره” فيما بعد ،وذلك بالتلاعب في ترتيب تواريخ التنفيذ لتلك الإعدامات التي لم تتوقف طوال عقد الثمانينات ،وربما أكثر.
العبرة من تذكّر تلك الحادثة التي تنخرنا ألماً كلما تداعت إلى ساحة الذاكرة هي المخاوف الشديدة لِما قد يخبؤه القدر”الهمجي” للمعتقلين السوريين في الأزمة الراهنة بعد إصدار قانون الإعدام الجديد الصادر ذو الرقم (26)في 19\12\2011 والذي ينصّ في مادّته الثانية :”يعاقب بالإعدام من وزّع كمياتٍ من الأسلحة أو ساهم في توزيعها بقصد ارتكاب أعمالٍ ارهابية” ،قبل أن تعطف عليها المادّة الثالثة :”كما يعاقب الشريك والمتدخل بعقوبة الفاعل الأصلي” ،وبما أن هذا النظام لا يتورع عن إلصاق أيّة تهمةٍ يرتأيها بأيٍّ من معتقليه ناهيك عن صياغة النّصّ “المطاطية” ،فإنّ من حق السوريين الطبيعي بأن يتخوفوا عن مصير أبنائهم الواقعين تحت قبضة النظام ،إذ يُخشى أنه قد ارتكب بالفعل حماقاتٍ أراد تمريرها على ذات النهج والطريقة الآنفة الذكر أمام الرقابة التي بعثتها الجامعة العربية ،وبخاصّة أنه قد نقل معظم المعتقلين إلى الثكنات العسكرية في عمليّةٍ للتهرب من لجان الرقابة العربية ،وليست الأمثلة المروعة عن التعذيب في المعتقلات سوى ما قد ظهر،وربّما ما خفي كان أعظم ،والتي أُريد منها ترهيب الشعب السوري وتركيعه “مرة أخرى” عبر التعذيب بعد القتل ، وما حمزة الخطيب وغياث مطر وابراهيم قاشوش وغيرهم سوى بعض ما قد طفا على السطح .
المأساة التراجيدية أو الكوميديا السوداء بالنسبة للشعب السوري هي مراقبة الأخبار التي تتحدث عن إدانة البرلمان الفرنسي للأتراك فيما دُعي ب”مجزرة الأرمن”الحاصلة في 1915 ،بينما يتذكّر السوريون بقلوبٍ دامية مجازر مدينة حماة وغيرها قبل حوالي ثلاثين سنة من الآن فقط ،مصحوبةً بشعورٍ هائل من الاغتراب عن هذا العالم الذي يتقاذف كرات “المهل” العربية والتباطؤ البادي وكأنّه مسلسل مكسيكي يمرّعلى السوريين بثقل مرير ،بل ولشدّة الألم تبدو مواقف الجامعة العربية وكأنها محاولاتٌ تشجيعيّة للنظام السوري البائس لتخليصه من براثن “التدخل الخارجي” عبر مجلس الأمن ،مع أن القاصي والداني من الشعوب العربية والعالمية تعرف أن صلاحية الجامعة العربية منتهية ،وعلى وجه الخصوص فيما يتعلّق بحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى