صفحات العالم

هل تعيد إيران حساباتها بعد فشل “حوارِها”؟


    سركيس نعوم

تعرف الجمهورية الاسلامية الايرانية ان دفاعها المستميت عن نظام الرئيس بشار الاسد  منذ نحو 20 شهراً لن ينقذه من مصير محتوم. ذلك ان القمع الشديد الذي يمارسه بواسطة الجيش والاجهزة و”الشبيحة” على الغالبية الثائرة عليه من الشعب السوري لم يرعبها رغم سقوط آلاف القتلى والجرحى واعتقال الآلاف ايضاً ثم “اختفاء” كثيرين منهم. وعلى العكس من ذلك فقد ضاعف القمع من عزيمتها، وحوّلها من سلمية الى مسلحة، وجعلها مستعدة للتضحية بالغالي والارواح بغية التخلص من النظام القائم. وقد يكون السبب الاساس لهذا النوع من رد الفعل عدم قدرة غالبية الشعب السوري على احتمال الظلم والاضطهاد وغياب الحريات واستشراء الفساد واستباحة كل شيء في البلاد. وذلك كله ساد على مدى اربعين سنة. لهذا السبب يشبِّه سوريون ما تشهده بلادهم بـ”ثورة العبيد” التي قادها “سبارتاكوس” ضد الحكم الروماني، أي بثورة المقهورين واليائسين من اي تحسن لأحوالهم او من تحسس لآلامهم من  الحاكمين، والذين لم يعد لديهم شيء يخشون خسارته.

لكن الجمهورية الاسلامية الايرانية تعرف في الوقت نفسه انها لا تستطيع ان ترمي أوراقها، وخصوصاً التي منها بدأت تتمزق او تحترق، وتالياً ان تستسلم لأعدائها العرب والمسلمين وللمجتمع الدولي برئاسة اميركا متخلية عن مشروعها الاقليمي البالغ الطموح، والذي له جوانب عدة أبرزها ثلاثة: واحد امبراطوري فارسي، وآخر اسلامي مذهبي شيعي، وأخير انساني يهتم للمستضعفين من البشر ومن المسلمين تحديداً.

الا ان ما حصل معها في الايام القليلة الماضية، وما تشهده سوريا والحرب فيها بين الثوار والنظام في الأشهر الاخيرة، أو بالأحرى في الاسابيع الأخيرة، يجب ان يدفعاها الى اعادة تقويم الوضع السوري والأوضاع الاقليمية والدولية، وكذلك وضعها وقدرتها على الاستمرار في الدفاع عن مشروع بل عن منفذيه في وقت ترى قدرتهم تتراجع واحتمالات انتصارهم تتضاءل. فهي دعت الى مؤتمر حوار بين معارضي النظام السوري من داخل البلاد والنظام. وقد انعقد أخيراً في طهران. لكنه فشل، والسبب هو انه ضم النظام وجماعته المُكلَّفة المعارضة، وغابت عنه من راهن الاسد واركانه واقطاب النظام الايراني أي المعارضة الفعلية في الداخل التي لا تزال تمارس الثورة السلمية، والتي لجأ بعضها الى السلاح دفاعاً عن النفس. وهي ما يطلق عليها اسم “التنسيقيات” ومن قياداتها اولاً هيثم المناع وثانياً حسين عبد العظيم. وغيابها أكد لايران وللعالم كله ان ثوار سوريا، على اختلافهم وعلى تنوع اهدافهم وتناقضها، يجمعون على أمر واحد هو عدم الحوار مع النظام وضرورة سقوطه ورحيل رأسه بشار الاسد. ذلك انهم لا يثقون به او لم يعودوا يثقون به وبقدرته على “العطاء” وبرغبته في ذلك. ولعل ما قاله الولي الفقيه في ايران السيد علي خامنئي، سواء في افتتاح مؤتمر الحوار الفاشل أو بعد انتهائه، عن ضرورة القاء المعارضة السلاح كي يقبل النظام الحوار معها يدلّ في صورة واضحة على عدم جدية الدعوة الحوارية، وإن اتت من طهران، وإن باركتها دمشق الأسد.

اما في الداخل السوري فيُلاحظ متابعو تطورات حروبها من سوريين وعرب واجانب ان الردع والقمع باتا مقتصرين في صورة عامة على الطيران الحربي والمدافع والصواريخ. اما الاشتباكات فيفرضها الثوار وكمائنهم. ولا يعود ذلك، كما يقول الثوار ومؤيدوهم في الخارج، الى ان الجيش السوري اُنهِك وهو كذلك، وتالياً ان انهيار نظام الاسد صار قريباً جداً. بل يعود الى ان النظام “يرسم” بالنار والدمار في اثناء قمعه للثوار حدود “المربع الجغرافي” المذهبي الموسَّع الذي سينتقل اليه في حال فشله في السيطرة على كامل سوريا، والذي يحرص على ان يكون موصولاً برياً بايران عبر حليفها “العراق الجديد”. واذا حصل ذلك يكون النظام انتهى فعلاً. وسيساعد في هذا الأمر حصول الثوار على صواريخ مضادة للطائرات في وقت قريب، ومن دون خوف من وقوعها في أيدي الاسلاميين المتطرفين، لأنها قابلة للتعطيل من بعد في حال كهذه.

طبعاً لا يعني ذلك ان بلوغ هذه المرحلة سينشئ فوراً نواة دولة سوريا الجديدة، اذ لا يعرف أحد الفوضى التي قد تتسبب بها التناقضات بين الثوار. ولا يعني ايضاً انكفاء النظام الى “مربع” مؤسسيه آل الأسد ان سوريا ستتقسم حتماً. فهذه التطورات لن تحصل في سرعة اذا حصلت. والتقسيم الواقعي للبنان الذي دام سنوات انتهى في “ليلة لا ضوء قمر فيها” خير دليل على ذلك.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى