صفحات العالم

هل جرت الرياح بما تشتهيه حكومة بشار الأسد؟

 


د.فرانكلين لامب

إذ يراقب معظمنا الثورات العربية والإسلامية الكبرى في العام 2011 بدهشة وذهول، نلحظ أنها تنتشر سريعا بين دول المنطقة. وأنا شخصيا أتفق مع الذين يصرحون بأن: “هذا جيد بالنسبة للتوقيت، حظا موفقا للثوار ووداعا للطغاة”.

في الحقيقة، إن غالبية هؤلاء الطغاة منصبون ومدعومون من قبل الحكومة الأميركية وحلفائها من دون أن يدرك الشعب الأميركي ذلك أو يرضى عنه.

إن ما رأيته في سوريا خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى من زيارتي إلى دمشق قد صدمني فعلا. لقد كان الأمر مختلفا تماما عمّا توقعت أن أراه بعد أن وصلت إلى دمشق عبر الحدود السورية- اللبنانية أي نقطة المصنع، وكنت قد قرأت بعض التقارير الصحفية المموهة قليلا والصادرة عن الإعلام الغربي وبعض وسائل الإعلام العربي.

كنت أتوقع أن أرى أناسا خائفين ومتوترين، وأناسا يختبئون في منازلهم، وشرطة متواجدة في كل الأمكنة وفي كل الأوقات، وموظفي أمن مضللين وبعيدين عن الأنظار يراقبون من داخل سياراتهم ذات الزجاج المظلل ومن وراء ستائر الشبابيك ومن على أسطح المباني. كنت أظن أنني سأرى مركبات عسكرية، وشوارع مقفرة بعد المغرب، وتحفظا على النقاشات السياسية، وأناسا متوترين على الطرقات.

وبالرغم مما قرأت، لم أر أيا من ذلك كله لا في العاصمة السورية ولا في المناطق الواقعة غرب سوريا.

ودمشق اليوم، كما عهدتها خلال زياراتي السابقة، مفعمة بالنشاط، ونظيفة، والحدائق ملأى بالعائلات. وأينما التفتّ ترى مساحات خضراء وحدائق مزروعة ومشذبة بطرق جميلة، ومقاهي مكتظة بالصغار والكبار الذين يتناقشون بأي موضوع يخطر لهم بما في ذلك الأحداث التي تحصل في بلدهم في الوقت الراهن، ولا يبدو أحد منهم قلقا أو غير مطمئنا.

أما الشوارع في أجزاء من مدينة دمشق فتبدو بعد الثانية فجرا كأنها مدينة “جورج تاون” في إحدى ليالي الجمعة. ولم يمض وقت طويل حتى تفوّه أحد معارفي الأميركيين بما كان يدور في ذهني فقال: “أي مدينة أميركية هي تلك التي تشعر فيها أنك مرتاح البال وأنت تطوف في شوارعها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل من دون أن تجد شرطيا واحدا كما هو الحال في دمشق؟ بالتأكيد لن تكون مدينتي!”

إن الحياة في دمشق، وحتى في هذه المرحلة، تختلف عن بيروت اختلافا كبيرا يشمل جوانب متعددة. ففي الواقع لا ترى السائقين الدمشقيين يستعملون أبواق سياراتهم بجنون وباستمرار، ولا يشتمون بعضهم بعضا، بل ترى الناس يلتزمون بوضع حزام الأمان، والسائقون يقفون عند الإشارة الحمراء، ولا يتسابقون دائما كلما رأوا طريقا فارغا أمامهم. ويبدو أن السائقين هنا يحترمون المشاة ولا يسارعون لأن يتقدموا على السيارات التي تكون بقربهم من خلال قطع الطريق على بقية السيارات وتجاهل سائقيها.

وباختصار، تبدو دمشق مفعمة بالنشاط من دون أن يعمّها التعب والاضطراب.

إن ما يحصل في بعض المناطق السورية لا يمكن للأجانب أن يعرفوه بدقة. فهم يحصلون على التقارير بشكل متقطع وغير واضح، وأحيانا يتم تحريفها سياسيا، إلا أنه من الواضح أن الوضع طبيعي في المناطق التي قمنا بزيارتها، وذلك بحسب ما بدا لنا.

وبما أنني تناولت وجبات الغداء خلال هذا الأسبوع مع أصدقاء قدامى وآخرين جدد في منزل قديم كان قد بني عام 1840 وسط منطقة دمشق القديمة وأسواقها، وتم ترميمه في أواسط التسعينات ليعود إلى طابعه الأساسي، فكان لا بد لي أن أستذكر ما قد يعلمنيه التاريخ عن هذا المكان القديم والمميز والمشهور بثباته.

وقد استمتعنا حقا بوجبة رائعة من المقبلات (التي على ما بدا لنا كانت مجموعة لا تنتهي من الأطباق التقليدية والشهية في سوريا)، وقد تناولنا الطعام بالقرب من الحي اليهودي في دمشق حيث يقع كنيس قديم وبجانبه مسجد يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، وفي مكان قريب أيضا يوجد كنيسة بيزنطية. وروى لنا رجل يهودي كبير في السن عن الأخوية التي كانت في هذه المنطقة قبل أن يقحم المشروع الصهيوني الإستعماري نفسه داخل فلسطين في القرن التاسع عشر ويبدأ بأقوى حملة إجرامية في التاريخ الحديث بهدف التطهير العرقي والتي ما زالت مستمرة منذ أكثر من سبعين عاما.

ولا يكترث الأميركييون الذين حدثوني في سوريا، ومنهم سيّاح بالإضافة إلى عدد من الطلاب الذين يدرسون العربية، لا يكترثون للتحذيرات الصادرة عن سفارة الولايات المتحدة والتي تنصحهم بالرحيل من سوريا. فقد تبين للأميركيين في لبنان منذ وقت طويل أن سبب توصيات السفارة بزيارة لبنان أو عدم زيارته كان معاقبة لبنان واقتصاده لفترة من الزمن بحجّة أنه يدعم حركة المقاومة التي يقودها حزب الله، ولم تكن بهدف الحفاظ على أمن المواطنين الأميركيين. وقد حصل أن قام حزب الله والحكومة السورية بحماية المواطنين الأميركيين فضلا عن حماية السفارات الأميركية لأنهما يسعيان لاستقرار لبنان وسوريا، إلا أن وزارة الخارجية الأميركية لا تجهد نفسها للاعتراف بذلك.

وفي ما يختص بحماية الأميركيين وإجلائهم من مناطق الخطر، سيكتب أحد الطلاب الأذكياء قريبا أطروحة ماجسيتير في الآداب حول “أداء وزارة الخارجية الأميركية خلال حرب تموز / يوليو 2006”. ومن المفترض أن يفصّل البحث كيف تمّ ترك المواطنين الأميركيين بلا أموال في منطقة صور جنوب لبنان، وتجدر الإشارة إلى أنهم لم يكونوا وحدهم. وهناك وفرة من المعلومات حول الأميركيين الذين كانوا بحاجة إلى مساعدة في عملية إجلائهم في حين كانوا يختبؤون من القذائف ومن قصف سلاح المدفعية الذي وهبته الولايات المتحدة لإسرائيل، فهم لم يغفروا لحكومتهم إلا قليلا.

وقد أخفقت سفارة الولايات المتحدة في بيروت في أن تنكر أمام العلن قصفها على الأميركيين الذين كانوا محتشدين في مرفأ صور بانتظار مدمرة أميركية لإجلاءهم. وحينما وصل الزورق الأميركي إلى الميناء انعطف 180 درجة سريعا ذلك أن الحكومة الإسرائيلية قد تجاهلت توسل الولايات المتحدة “للسماح لها بإجلاء رعاياها”. ولا تزال الذكريات جلية في أذهان الأميركيين ولا يزالون يتألمون كلما تذكروا الاتصالات المرعبة بين صور والسفارة في بيروت، وموظف خدمات المواطنين الأميركيين سيئ السمعة المدعو “جون” والذي كان يصرخ على الأميركيين البائسين قائلا: “اللعنة، توقفوا عن إشغال خطوط هواتفنا، واسلكوا الطريق إلى بيروت بأنفسكم”. إلا أن “جون” لم يكن يعلم ربما أن الإسرائيلين كانوا يستهدفون مواكب المدنيين الذين كانوا يحاولون بيأس أن “يسلكوا الطريق إلى بيروت بأنفسهم”.

أما حاليا، فيعبر بعض المواطنين الأميركيين المتواجدين في سوريا عن استخفافهم بسفارتهم التي ترسل “حراس استشاريين للسفر”. وهذا يعني بشكل عام استمرار النظرة السلبية تجاه حقيقة عمل هؤلاء الحراس، ففي ما يتعلّق بسوريا يعتبر الأميركيون أن عملهم ليس إلا إذنا سياسيا يهدف إلى حشر حكومة الأسد والضغط عليها لوقف دعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وتجدر الإشارة إلى أن كلّا من حكومتي الولايات المتحدة وسوريا تعلم جيدا أن “استشاريي السفر” هؤلاء يحجبون ملايين الدولارات عن الاقتصاد السوري يوميا، ويحجبون مبالغ أكبر خلال موسم السياحة الحالي.

وقد اتفق الأميركيون جميعهم الذين التقيناهم على أن دمشق الجميلة هي مكان رائع خلال فصل الربيع هذا.

ورغم التصريحات الجيدة والسيئة عقب لقاء أوباما ووزيرة خارجيته “هيلاري كلينتون”، تظهر الولايات المتحدة وحلفائها متفقين مع روسيا والصين على أنه يجب الضغط على نظام الأسد للقيام بإصلاحات واسعة والقضاء على الفساد، إلا أن تغيير الأنظمة غير مكفول وغير شرعي ولا ينصح به. ومع ذلك كله تبدو حكومة الأسد صامدة بوجه الإعصار الحالي.

ونلحظ أن الكثير من الأصوات المطالبة بالإصلاح من خارج سوريا تحمل المطالب نفسها التي يدعو مسؤولو حزب البعث إلى تحقيقها، فضلا عن وزراء في حكومة الأسد ومطالب كثير من المواطنين السوريين حول مسيرة حياتهم بما فيهم طلاب كلّيات الحقوق والطب وسط دمشق.

ويشرح عدد من الموظفين السوريين رفيعي المستوى، وعلى وجه الخصوص الموظفين الذين يعملون في مكاتب الصحافة، وطباعة، ونشر وتوزيع المعلومات الحكومية، يشرحون بكثير من المنطق أن الرئيس الأسد يقود بنفسه صراعا ضد النظام وذلك بهدف إحداث تغييرات هامة، ويقولون أيضا إن أغلبية سكان سوريا يدعمونه ويريدون أن يساهموا في تغيير سوريا نحو الأفضل.

وخلال حديثي مع عدد من المواطنين السوريين لمست أنهم يريدون بمجملهم تصديق رئيسهم وبعض مستشاريه أملا بأن يبلوا بلاء حسنا في تنفيذ وعودهم.

وقد صرّح وزير الإعلام السوري عدنان محمود في 13 أيار / مايو 2011 قائلا: “ستشهد الأيام القادمة حوارا وطنيا شاملا في مختلف المحافظات السورية. كما يقوم مجلس الوزراء السوري بالتحضير لمشروع شامل يطال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يخدم مصالح المواطنين”، وقد جاء حديثه خلال مؤتمر صحفي بحسب ما أوردته الوكالة الرسمية للأخبار السورية والعربية (سانا).

وأضاف وزير الإعلام: “في ضوء المرحلة التي تشهدها بعض المحافظات بسبب تواجد مجموعات مسلحة تقتل المدنيين وترهب المواطنين وتحرق الممتلكات العامة والخاصة، تم إرسال وحدات من الجيش والشرطة وقوى الأمن لمطاردة أولئك المسلحين”.

بالإضافة إلى ذلك، قال السيد محمود أيضا إن منطقة التظاهرات المحاصرة في درعا ليست بحاجة لأي نوع من الدعم مضيفا: “أعلمنا الأمم المتحدة بأننا لا نريد أي مساعدة في درعا”.

وفي الخلاصة، سيتمكن نظام بشار الأسد من الصمود على الرغم من بعض الجهود الخارجية التي تحاول الاستفادة من المشاكل الداخلية في سوريا.

وفي الإطار نفسه، عبّر محرّر في إحدى الصحف الكبرى في سوريا عن عواطفه بأن ما تسمعه من أي مسؤول سوري تسمعه أيضا من أي مواطن في سوريا. ويقول المحرّر: “نحن نعلم أنّه علينا أن نتغيّر، وأرجوكم صدّقوني إذا قلت لكم إننا نريد التغيير أكثر مما تظنون. لقد ارتكبنا أخطاء، ولكن إذا تعاون إخواننا وأخواتنا معنا وهم سوريون ووطنيون عظماء، وإذا ابتعدوا عن إحداث الفوضى، فسنتمكن من تحقيق التغيير الذي نسعى إليه كلّنا من دون أي تأخير”.

ترجمة: زينب عبد الله

موقع قناة المنار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى