صفحات سوريةفايز ساره

صورة البلد عندما تتوقف الحرب


فايز سارة

عندما تضع الحرب في سوريا أوزارها، كيف يمكن أن تكون صورة البلد؟ لعله السؤال الأهم الذي على السوريين والمهتمين بسوريا في المستويين الإقليمي والدولي أن يفكروا فيه، ليس من زاوية الاهتمام بما تركته تلك الحرب من دمارات على البشر والحياة من حولهم، والتي هي دمارات مأساوية، بل أيضا لجهة التفكير بكيفية النهوض من دمارات الحرب والعودة بسوريا والسوريين إلى سياق الحياة العادية، وهي مسؤولية الأطراف المحلية والإقليمية والدولية دون شك.

صورة البلد المقبلة ليست متخيلة، بل هي قائمة على معطيات وأرقام، تراكمت حتى الآن في خلال عام ونصف العام من مسيرة الحل الأمني العسكري الذي اعتمده النظام في مواجهة مطالب متظاهرين ومحتجين في مدينة درعا، قبل أن يلجأ إلى تعميمه في التعامل مع معظم المدن والقرى السورية. وكان من الطبيعي في ضوء ما جرى، أن يجلب الحل الأمني العسكري تداعيات من جانب محتجين ومعترضين، اختاروا الرد على قوة النظام بالقوة رغم أنه لا مجال للمقارنة بين هذه وتلك بأي وجه للمقارنة وخاصة لجهة العدد والتسليح والإمداد والخبرة.

وإذا افترضنا، أن الحرب سوف تتوقف غدا، فإن صورة سوريا في الغد مأساوية، لأن المعطيات المتوفرة، تؤكد ذلك. وفي المعطيات، أن أكثر من ثلاثين ألفا جرى التثبت من مقتلهم، فيما التقديرات تشير إلى أن عددهم يزيد على خمسين ألفا، ويبلغ عدد الذين أصيبوا بجراح أكثر من مائة ألف، عشرات الآلاف منهم صارت لديهم عاهات دائمة، وهناك أكثر من خمسة وسبعين ألف مفقود مسجلون، فيما التقديرات ضعف ذلك، كما أن أكثر من مليوني ونصف المليون صاروا مهجرين داخل البلد، ونحو نصف مليون نازح إلى دول الجوار وما بعدها، فيما التقديرات الشائعة، أن عدد هؤلاء يقارب المليون نسمة، كثير منهم ولا سيما الموجودين في مخيمات يعيشون ظروفا غير إنسانية.

والأرقام السابقة، ليست سوى مؤشرات على حجم المأساة الإنسانية التي يغرق السوريون فيها، والتي من مؤشراتها، أن سوريين فقدوا أعزاء عليهم، ومعيلين لهم، وضاعت أو سرقت مقتنياتهم، وكثيرون تم تدمير بيوتهم وممتلكاتهم ومصادر عيشهم، وشبكات تواصلهم الحياتية والإنسانية والاجتماعية، التي تعرضت لخراب ودمار كبيرين، ويندر أن نجد سوريًا لم تصبه دمارات الحرب وآثارها.

والجوانب المادية في صورة سوريا عندما تضع الحرب أوزارها، لا تقل هولا وخرابا عما عليه حال السوريين، وتجمل دراسة سورية مجموع ما أصاب السوريين من خسائر في دمار المنازل والأثاث والمدخرات والسيارات فقط بما يزيد على خمسين مليار دولار، وهذه بعض حيثيات الدمار المادي في صورته العامة. إن الدمار كبير في أكثر المحافظات السورية وبخاصة في ريف دمشق ودرعا وحمص وإدلب وحلب، وفيها يبدو دمار المدن والقرى واضحا، بل إن ثمة مدنا وقرى لم تعد موجودة على نحو ما كانت معروفة كما هو حال مدينة الضمير في ريف دمشق وبابا عمرو والقصير والرستن في حمص وجسر الشغور في إدلب والحفة في اللاذقية، والموحسن في دير الزور. والدمار الذي لحق المدن والقرى السورية لم يشمل البيوت والمحلات والمنشآت الخاصة والعامة فقط، بل أصاب البنى التحتية والخدمات والهياكل الإنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والحرف، بل أدى إلى خراب العلاقات القائمة بين تلك البنى والمنسوجة بناء على الاحتياجات المحددة.

وصورة سوريا في أرقامها ومعطياتها الحالية، قد لا تكون بعيدة كثيرا عن صورتها إذا توقفت الحرب في وقت قريب، لكن الأمر سيكون أشد قسوة وفظاعة إذا طال أمد الحرب، لأن الخسائر والخرابات البشرية والمادية، انتقلت في تداعياتها من تصاعد حسابي إلى ما يشبه التصاعد الهندسي، حيث الهجمات تشن بالطائرات والدبابات والمدافع على المدن والقرى، ويسقط كل يوم مئات الضحايا، وقد صار القتل الجماعي يتكرر على مدار الأيام وحالات التدمير الواسع والنزوح اليومي الداخلي أو الخارجي بالآلاف، الأمر الذي يؤشر أن الوضع يسير على مثال كرة الثلج في تضخيم الكارثة التي تضرب سوريا والسوريين، والتي قد تصل إلى تهديد وجودهم وكيانهم في آن واحد، بحيث لا يستطيع أحد أن يجمع شتات السوريين وبلدهم عندما تقف الحرب، أو أن الأمر سيحتاج كثيرا من الوقت والجهد للقيام بذلك.

صورة سوريا عندما تضع الحرب أوزارها، سوف تستدعي جهودا مكثفة من طاقات وقدرات محلية وإقليمية ودولية، لا يمكنها تجاهل ما آل إليه الحال السوري، وهذا سيدفعها تحت مقتضيات مختلفة للمشاركة في علاجات الوضع عبر خطوات متلاحقة ومتزامنة منها إعادة ترتيب الأوضاع الإنسانية بإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وتقديم كل أشكال المساعدة المعيشية لتطبيع حياتهم، بالتزامن مع البدء في إعادة ما خربته الحرب من بنى وهياكل مرفقية وخدمية وإنتاجية، وإعادتها إلى الحياة في مشروع يقارب مشروع مارشال الذي أعاد إحياء أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، والكلفة المقدرة لهكذا مشروع في المعطيات الحالية تتجاوز مائتي مليار دولار.

إن مسار الأزمة في سوريا وما أدت إليه الحرب فيها من نتائج، يتطلب صحوة جدية للتعامل مع الوضع السوري، وملاقاة صورة سوريا عندما تتوقف الحرب الآن، بالعمل على وقفها، والانخراط في معالجة آثارها، وليس انتظار ذلك الوقت، الأمر الذي سيوفر بعضا من فاتورة الحرب وجزءا من معاناة السوريين، وسيوفر الجهود والأموال التي سيبذلها العالم من أجل استعادة السوريين وسوريا إلى المسارات الطبيعية.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى