صفحات سورية

هل صارت سوريا منسية/ د. رياض نعسان أغا

 

 

 

يشعر السوريون بأن العالم خذلهم وأشاح بوجهه عنهم، وأن التعاطف الذي حدث في بداية الثورة والأحداث التي تلتها قد تراجع، وحتى البعد الإنساني والإغاثي وصل إلى أدنى مستوياته على رغم ازدياد أعداد المشردين والمهجرين قسرياً أو خوفاً من الإبادة. وتبدو الأسباب متعددة، وأهمها تراجع حضور الثورة بأهدافها المشروعة بعد أن ظهرت فصائل عسكرية متطرفة ترفع رايات دينية تجعل العالم المسيحي في غالبه، والعلماني في جل حكوماته، يتراجع خطوة إلى الخلف ويعيد النظر في حساباته، وقد كان رهان النظام على أن تحل الفصائل الدينية المتشددة محل فصائل الجيش الحر التي ترفع شعارات الحرية والكرامة وبناء دولة مدنية ديمقراطية، مما لا ينكره على الشعب السوري أحرار العالم كله. وقد ظهر تنظيم «داعش» مثل المارد الخارج من عنق زجاجة، وقد ساعده على الخروج كل من له مصلحة في بقاء النظام أو له هدف في تدمير سوريا. ولا يمكن أن يعتقد أحد أن هذا التنظيم يمتلك القوة الخرافية التي مكنته من هذا الحضور المفاجئ، وقد بات بسطاء الناس يتساءلون كيف تمكن هذا التنظيم من أن يحتل الرقة والموصل وتدمر؟ وكيف سارت قواته في البوادي دون أن يرى أحد تقدمه أو يعيقه؟ وقد برز سلوك هذا التنظيم مدمراً لصورة الإسلام نفسه. وإذا كان هدفه من نشر صور العنف وفيديوهاته عن قطع الرؤوس هو نشر الرعب فقد انتشرت معه الكراهية للإسلام في الغرب، وأظهرت استطلاعات الرأي في العديد من البلدان الغربية أن نصف المشاركين على الأقل يعتقدون أن هذا هو الإسلام كما يقدمه «داعش»، وأنه دين إرهاب وقتل وقطع رؤوس وجلد ورفض للآخر. وقد كانت اعتداءات «داعش» على المسيحيين والإيزيديين مقدمات تهدف إلى إثارة حملات إعلامية ضد الإسلام والمسلمين. وقد وقعت بعدها عدة جرائم قتل في العالم راح ضحاياها شبان مسلمون قتلهم متطرفون من أديان أخرى لنشر رعب مماثل عند المسلمين الذين يعيشون في الغرب. ثم جاءت جرائم «داعش» ضد المسلمين السُّنة بتهمة الردة، وتمت تصفية الآلاف من جنود وضباط الجيش الحر بالتزامن مع توقف الدعم لهم، ضمن خطة مريبة بدت هادفة إلى إفراغ الساحة السورية للقوى المتطرفة حتى تتحقق رؤية النظام للصراع بأنه نظام يواجه إرهاباً وعصابات مسلحة. وقد تحقق للنظام ما يريد، وما عجز عن إقناع العالم به في مؤتمر جنيف صار مقنعاً اليوم، ولكنه لم يبرئ النظام من جرائم القتل الجماعي للمدنيين ولاسيما عبر استخدام الأسلحة الكيماوية التي اضطر لتسليمها، وقد اكتفى المجتمع الدولي بمعاقبة السلاح وأطلق يد من استخدمه متيحاً له استخدام البراميل والحاويات وشتى وسائل التدمير، بحجة أنه يقتل البيئة الحاضنة للإرهاب وهو يعلم أن هذه البيئة بعيدة عن التطرف، وأنها طلبت حرية وكرامة فقط، وهو يعاقبها لتمردها على طاعته.

والمفجع الراهن أن أخبار المآسي التي تقع كل يوم في سوريا لم تعد مثيرة للرأي العام الذي لم يثره خبر مقتل طفل تحت التعذيب أو مقتل العشرات على مائدة إفطار في رمضان.

لقد طال الصمت الدولي، ومن الغريب أن نجد صمتاً حتى عن مؤتمر القاهرة الذي انعقد مؤخراً، على رغم أنه يقدم رؤية دبلوماسية للحل، لكنه مر بلا صدى دوليا ودون أن يهتم بخريطته أحد من مسؤولي العالم. وفي الغرف المغلقة لم يعد الحديث عن التقسيم هامساً، بل بات مما يثير الشكوك وضع حدود لتقدم قوات المعارضة، كما أن إلهاء الشعب السوري بالتصريحات المتناثرة حول الحظر الجوي أو السماح بالمضادات الجوية يقابله مقتل الآلاف من السوريين، ومن نجا منهم من الموت بات مشرداً يبحث عن ملجأ أو ملاذ وقد قضى الآلاف غرقاً في البحر في رحلة البحث عن مأوى، وها هم اللاجئون يدخلون عامهم الخامس وهم ينتظرون بصبر مدهش وترقب مريع نهاية لهذه الفاجعة التاريخية التي ضاعت فيها سوريا، وصارت خراباً.

إننا نقدر انشغال العالم بقضايا عربية كثيرة ومعقدة، وبالملف النووي الإيراني، ولكننا نرجو أن يقدر أيضاً أن هناك نحو عشرين مليون سوري يعانون عذاباً لا يعرفه إلا من عايشه عن قرب، كما أن سقوط سوريا بيد إيران أو تقسيمها إلى ولايات متناحرة سيغير معالم المنطقة ويجعلها ساحة دماء لاتتوقف عن النزيف.

الاتحاد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى