صفحات العالم

هل يمارس الروس سياسة مجنونة؟

سعد محيو

 روسيا ستقف حتى النهاية إلى جانب النظام السوري. روسيا تزوّد سورية بكل أنواع الأسلحة، وهي قررت أخيراً التنصل من تعهداتها السابقة العام 2012 لواشنطن بعدم تزويد دمشق بمنظومة الصواريخ أس-300 (رغم أن هذا القرار قد يبقى حبراً على ورق). وأخيرا، روسيا لا تتهيب أن تكون معزولة على الساحتين العربية والدولية بسبب وقوفها إلى جانب نظام قمعي يدمّر بلاده وشعبه.

ما هذا الذي يحدث؟ هل هو الهوس القومي الروسي وقد وصل إلى ذروته لمحاولة استعادة أمجاد سوفيتية وقيصرية غابرة؟ أم هو ما يقوله أنصار  محور إيران- سورية- لبنان/حزب الله، من أن ثمة نظاما عالميا جديداً متعدد الاقطاب برز إلى الوجود بالفعل، مدفوعاً بصعود روسيا والقوى الجديدة إلى الساح العالمية، مُجسَّدة بدول البريكس، وممهورة بختم معاهدة شنغهاي التي يفترض أن تحل مكان حلف الأطلسي في النفوذ العالمي الجديد؟ ثم: هل يؤدي كل ذلك إلى نشوب حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب؟

الإجابة السريعة على كل هذه الأسئلة هي: كلا. فليس ثمة دولة كبرى في العالم(حتى الآن على الأقل) يمكن أن تُصنّف بأنها دولة “مُراجعة” (Revisionist ) تريد نسف النظام الدولي الراهن من أساسه وإقامة نظام جديد مكانه بقيادتها هي، أو بالاشتراك مع دول كبرى أخرى.

وهذا أفرز على الساحة الدولية سياسات خارجية بين الدول الكبرى تقوم على ثنائية التعاون- المنافسة، بانتظار أن تنضج ظروف ولادة نظام دولي جديد في غضون العقدين أو الثلاثة المقبلة، حين يمكن أن “يغرق” الاتحاد الأوروبي في مياه المحيط الأطلسي لينتقل مركز العالم إلى منطقة آسيا- المحيط الباسيفيكي، على حد تعبير المفكر الفرنسي جاك أتالي.

توجهات روسيا الخارجية في عهد بوتين، أحد المؤشرات الفاقعة على هذا النمط من السياسات الخارجية.

وهذا كان جلياً في “استراتيجية الأمن القومي الروسية حتى العام 2020″، التي صدرت العام 2009(1) وحلَّت مكان “مفهوم الأمن القومي الروسي” للعام 1997 الذي عُدِّل في العام 2000. فهي تدعو إلى تحويل “روسيا المُنبعثة” إلى دولة كبرى مجدداً، وإلى أن تكون أحدى القوى الخمس الأكبر اقتصاداً في العالم. كما أنها تحدد الأهداف، والتهديدات، والمهام، والإجراءات لتحقيق هذا الهدف على المدى القصير (2012) والمتوسط (2015) والطويل (2020)، لكنها تربط هذا الهدف ومعه مبدأ الأمن القومي ربطاً مُحكماً بالنمو الاقتصادي الثابت، وحتى بـ”الروحانية” في إطار “الذاكرة التاريخية الروسية” المتجسدة في المسيحية الأرثوذكسية.

وقد حسمت هذه الاستراتيجية الجدل بين ثلاثة تيارات رئيسة تنازعت الرؤى حول مستقبل روسيا وموقعها في النظام العالمي. هذه التيارات هي (2):

تيار “الأطلسيين” الداعين إلى إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وهم يريدون روسيا أن تكون جزءاً من الحضارة الغربية.

التيار الثاني يشمل أنصار النزعة “الأوراسية” الذين يحبذون انتهاج سياسة خارجية متوازنة، مع تشديد متساوٍ على أوروبا، والشرق الأوسط، والشرق الأقصى.

أما التيار الثالث فهو يشمل توليفة غريبة من الشيوعيين والقوميين المتطرفين الروس، وهو معادٍ بشدة للولايات المتحدة ويدعو إلى إعادة فرض هيمنة روسيا على مناطق الاتحاد السوفييتي السابق.

الرئيس بوتين، في ولايته الرئاسية الثانية، انحاز بقوة إلى التيار الأوراسي، لكن ليس على نحو مطلق، بل كوسيلة للعبور نحو شراكة عالمية متساوية مع الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا يفسّر إلى حد بعيد الجهود الروسية المكثفة لإعلان العودة رسمياً إلى مناطق النفوذ السوفييتية السابقة في الشرق الأوسط، ليس فقط عبر البوابة السورية بل أيضاً حتى عبر بعض النوافذ الإسلامية (كما دل على ذلك المؤتمر العالمي الذي موّلته موسكو مؤخراً حول الإسلام في المغرب).

وإن عنى هذا الأمر شيئاً، فأنه يعني أن أي اتفاق روسي- أميركي حول سورية سيقى بطة عرجاء مالم تستجب واشنطن أولاً لمطالب موسكو الأخرى الخاصة بأدوارها الإقليمية والدولية الجديدة، كما فعلت العام 2009 حين أطلقت سياسة “إعادة التنظيم” (Reset ) معها والتي تراقفت مع حزمة تنازلات إليها.

فهل واشنطن في وارد إبرام صفقة “إعادة تنظيم-2” مع موسكو، في ما يلحو للبعض تسميته “يالطا- 2″؟

فننتظر لنر ماذا سيجري في جنيف-2 (إذا ماعُقد) وقبله وبعده.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى