صفحات العالم

هل يكون «التحالف مع الشيطان» هو الحل؟

 

موسى برهومة *

ربما تكون عبارة «التحالف مع الشيطان» أكثرَ الإشارات تطرفاً لدى شريحة واسعة من الناس من أجل إنقاذ «ما تبقى» من الشعب السوري الذي يتعرض من دون أدنى شك لعملية «إبادة» منهجية شعار نظام بشار الأسد فيها «عليّ وعلى أعدائي».

ولو لم تكن حرب الإبادة هذه قد بلغت حداً فاق الخيال، لما برز من يقول إنه لا يعارض أي تحالف عسكري هدفه إسقاط نظام بشار الأسد، وإنقاذ البشر، ووضع نهاية للقتل والتدمير والتهجير وسحق الكرامة الإنسانية.

على مضض، يقبل هؤلاء أن تتدخل أميركا أو تركيا وحلفاؤها العرب، أو حلف الناتو، أو تتخذ من الأردن وغيرها منطلقاً لها لشن هجمات تقوّض النظام في دمشق، على غرار ما جرى في ليبيا. على مضض، لأنه لم يبق ثمة خيار آخر، وهنا يتدخل العقل البراغماتي مجرياً حساباته الأخلاقية، ومتسائلاً: أيهما أكثر إنصافاً، إنقاذ الضحايا وحفظ حياة المدنيين، أم تبرير «الغزو» الخارجي، وتسويغ التدخل الأجنبي الذي لطالما كان مرفوضاً بصفته نقيضاً للاستقلال الوطني والتحرر من التبعية؟

مناوئو هذا الخيار يرون أن التدخل الأجنبي في سورية لحسم الأزمة عسكرياً هو «شرعنة» صريحة للاستعمار، ودعوة لرهن القرار السياسي في «سورية ما بعد الأسد» لمشيئة أولئك الذين ساهموا في عملية تحرير البلد من الطاغية ومؤسسته الاستبدادية. هؤلاء يؤكدون أن لا شيء من دون ثمن. ويعتقدون أن الثمن سيكون الاستقلال، وكأننا استبدلنا بنظام استبدادي نظاماً تحرّكه قوى «الغزو» بما يخدم مصالحها وأجنداتها السياسية والاقتصادية والأمنية.

وفضلاً عن ذلك، فإذا تحقق «النصر» وتسربل نظام الأسد بالعار والسقوط، فأي فضل سيكون حينئذ للمعارضة بجناحيها السياسي والعسكري، ما دام الحسم قد أنجز بأدوات خارجية. وكيف يمكن تسويغ مفهوم «المعارضة الوطنية» ما دامت جاءت على دبابة أميركية، وربما يتطرف بعضهم ويزعم دوراً إسرائيلياً في عملية «التحرير»؟

ولكنْ، ماذا عن الضحايا؟ هل يتركون في مرمى ترسانة النظام المتوحش الذي يجرب الكيماوي والأسلحة المحرمة دولياً على أجساد «شعبه». وهل يُترك هذا النظام ليرص صفوفه ويعقد تحالفاته التي أضحت علنية مع «حزب الله»، وميليشيات إيران، وضباط روسيا، كي يفرض معادلة على الأرض قوامها إما بقاء النظام، أو إشعال المنطقة بحرب يحب بشار الأسد أن يصفها بـ «المدمرة» وأن أوروبا وأميركا لن تكونا بمنأى عن تداعياتها؟

إذاً، نحن أمام مقاربتين لهما أنصار ومتحيزون متشددون، ولكن السؤال الأخلاقي يبقى ملحّاً ويطرق بقبضته الغليظة خزان الصمت والحيرة: أي الطريقين نختار: الحياة الإنسانية، أم الكرامة الوطنية؟ ويرتبط بالأمر السابق سؤال آخر: هل الكرامة الوطنية مفهوم مطلق. بمعنى ألا يمكن إعادة إنتاج «الكرامة الوطنية»، في حين لا يمكن إحياء شعب تزهق أرواح أبنائه كل لحظة؟

ويستدرجنا هذا الأمر إلى السؤال عن «المجتمع الأخلاقي» الذي يمكنه أن يكون حاضنة للأسئلة الأخلاقية التي تُفاضل بين «الكرامة» و «الوجود» بمعناه الفيزيائي. وفي ظل انعدام هذا المجتمع، فإن قوانين أخرى تستحكم، وتفرض إيقاعها، وتقترح تصوراتها، بوحي من الأزمة وتشابكاتها، وليس وفقاً لإملاءات القانون الأخلاقي الذي يستجيب إغراءات النموذج.

هي الفوضى إذاً. ولمَ العجب، فالحرب تشعل الحرائق ليس في أبدان البشر والمباني، بل وأيضاً في بدن الأفكار والمفاهيم، وتقترح نظاماً من الصعب إخضاعه للمنطق، والحسابات الذهنية الباردة. و «التحالف مع الشيطان» هو أحد التجليات المفاهيمية التي تنتجها الحرب، ومع ذلك يصدر المدافعون عن هذا التحالف عن قاعدة أخلاقية تقرر أن «الغاية تبرر الوسيلة»، وفي ظنهم أن غايتهم نبيلة، لأنهم ينشدون تخليص السوريين من بريرية النظام الهستيري في دمشق، وفي سبيل ذلك لا تهمّ الوسائل.

لسان حال هؤلاء يقول «أنقذني من الغرق ثم لُمني». فالمهمة القصوى هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبأسرع وقت، وبأكثر الوسائل العسكرية حسماً وجَبْهاً. وبعد ذلك، سيكون ثمة متسع فسيح للحديث عن «الكرامة الوطنية» و«المجد التليد»!

* كاتب وصحافي أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى