صفحات العالم

هل يملك النظام السوري حلا للأزمة؟

 


مهند عبد الحميد

منذ يوم الجمعة 22 نيسان الدامي الذي سقط فيه اكثر من مائة شهيد في المدن السورية، وصولاً ليوم 24 نيسان الذي دخلت فيه الدبابات السورية مدينة درعا في محاولة لاخضاعها رجح خيار الحل الامني على الحل السلمي والاصلاح. قرار مؤسف اتخذه النظام، جاء متنافراً مع مرسوم إلغاء قانون الطوارئ الذي وقعه الرئيس بشار الاسد، فأصبح الوضع اكثر سوءا وخطرا من اي وقت مضى.

هل يوجد مبرر للجوء النظام الى الخيار الامني وبخاصة بعد إلغاء قانون الطوارئ؟ إذا انطلقنا من حق المواطنين في الدفاع عن ابسط حقوقهم كمواطنين كالحق في التعبير السلمي سواء بالاعتصام والتظاهر ورفع الشعارات والعرائض وصولا الى العصيان المدني. فإن النظام لا يملك المبرر القانوني لاستخدام القوة في مواجهة الاحتجاج السلمي الشعبي الذي عم معظم المدن والبلدات السورية. هكذا فعلت شعوب مصر وتونس واليمن والمغرب وليبيا وقطر وعمان، وهكذا تفعل شعوب اخرى في سائر انحاء العالم. قليلة هي الدول التي ترد على الاحتجاج السلمي بقمع دموي، للاسف معظم هذه الدول ينتمي للمجموعة العربية. ولكن لحسن الحظ فإن الرئيس المخلوع حسني مبارك وأركان حكومته البائدة يحاكمون الان بتهمة قتل المحتجين المصريين اثناء الثورة. القانون الدولي لا يسمح باستباحة الانظمة لشعوبها، ويمكن لمحكمة الجنايات ومجلس حقوق الانسان الدولي ان يبتا في الانتهاكات ويطلبان محاكمة كل المتهمين بارتكاب جرائم حرب بالاستناد لملفات موثقة وشهادات الضحايا وذويهم. لكن مواقف النظام الدولي والقوى المتنفذة فيه تعتمد المعايير المزدوجة في مواقفها من الانظمة القامعة طبقا لمصالحها وبناء على موازين القوى في ذلك البلد. فقد جرى الصمت إزاء الانتهاكات في بداية الثورات، وأعطت الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية الانظمة فرصة لقمع المنتفضين، ولكن عندما اخفقت الانظمة في القمع وبعد أن كشفت وسائل الاعلام تواطؤ النظام “الحر” المخزي مع الانظمة المستبدة الفاسدة، تبدل الموقف واضطرت تلك الدول لمواءمة الاقوال مع الافعال حول الحريات، انتصرت للحريات على استحياء ثم انتصرت بوضوح.

الحل الامني الذي يتبعه النظام السوري غير مشروع ولا مبرر، لانه لا يعترف بالمطالب الشعبية المشروعة، وسيؤدي ذلك الحل الى نتائج وخيمة، سواء من زاوية الخسائر الفادحة التي ستلحق بالشعب السوري، أو من زاوية التحول من نظام أمني الى نظام عسكاريتاري فاشي يحكم بالحديد والنار ويعود بالبلد الى عهود غابرة. ومن شبه المؤكد ان لا ينجح مثل هذا الحل في ظل انتفاضة شعبية عارمة تطرح اهدافا مشروعة جدا هي: الحرية والكرامة والديمقراطية وحكم القانون والقضاء على الفساد وتحقيق العدالة. انتفاضة ترفض الاستبداد والفساد وترفض الطائفية، وتنبذ العنف وتؤكد على الشكل السلمي للنضال. ولن ينجح الخيار الامني للنظام السوري الموجود في مهب رياح التغيير التي تعصف المنطقة، وفي ظل عجز النظام عن القيام بالاصلاح قبل فوات الاوان، ذلك ان الاصلاح يحدث في العادة لتفادي او لتأخير وقوع الانفجار، اما وقد حدث الانفجار فإن الاصلاح عبر النظام وحده لم يعد ممكنا. لقد اقفل النظام طوال العقود الربعة السابقة كل ابواب الاصلاح والتغيير، وأبقى على الامتيازات المفرطة للشرائح المتنفذة، وحول الدولة الى سلطة “أوليغارشية”، كما همش الاحزاب والنقابات والمنظمات الاهلية. النظام السوري كجزء من النظام العربي “امتلك منظومة سلطوية أحالت شعبها الى العجز الكلي” والشعب السوري كجزء من الشعوب العربية “استبدل بغتة العجز بالقدرة على الرفض وتحول الى مسار لا رجعة فيه” بحثا عن حريته، شعوب والشعب السوري من أهمها عادت الى التاريخ من اوسع ابوابه بعد ان خرجت منه منذ نصف قرن على الاقل.

قليلون لم يعترفوا بمطالب الانتفاضة السورية نظرا “لموقف النظام الصلب من إسرائيل”، وبناء على ذلك رأوا في الاحتجاجات محاولة “لكسر شوكة هذا النظام المقاوم الممانع”. لقد ولى زمن وضع تناقض افتراضي بين امن الوطن وامن المواطن، فلا يمكن فصل احدهما عن الاخر. وإلا ما قيمة أمن الوطن اذا فقد المواطن أمنه والعكس صحيح. الموقف الصلب من اسرائيل واميركا لا يجيز ابدا استباحة حرية المواطن وكرامته وابسط حقوقه في التعبير والمشاركة. ثم من قال ان حل المسألة الوطنية “إنهاء الاحتلال الاسرائيلي في الجولان وفلسطين يتم عبر الممانعة ودعم مقاومة دون مقاومة. لقد مضى 44 عاما على استخدام هذا الاسلوب دون نتيجة عملية، فهل يعقل استخدام استراتيجية الممانعة سنوات وسنوات بانتظار المجهول؟ كما لا يعقل البقاء في استراتيجية المفاوضات العبثية سنوات وسنوات بانتظار المجهول. ألا يستدعي الاخفاق المتواصل للنظام البحث في استراتيجية أخرى تشرك الشعب السوري، تمكنه أولا من ان يكون حرا. استراتيجية تطرح افكارا وأساليب غير الافكار والاساليب التي وصلت الى طريق مسدود. استراتيجية تعايشت معها دولة الاحتلال ورأت في “اللا سلم واللا حرب” عبر الممانعة ورأت في “اللا حل” عبر المفاوضات المفتوحة فرصة مثلى لفرض الوقائع التي تمكنها من تصفية القضية الفلسطينية وضم الجولان، هذا ما تقوله وثائق “مؤتمر هرتسليا السنوي”. الوثائق تعتبر ان هذا الوضع هو الافضل لاسرائيل وهو الذي يجعلها قادرة على تعميق الاحتلال والاستيطان. ان استراتيجية تجميع واستخدام الاوراق كالورقة الفلسطينية والورقة اللبنانية وورقة العلاقة مع النظام الايراني وورقة العراق لا يؤثر على جوهر المسألة الوطنية لم يحرز اي تقدم يذكر. كل هذا لا يسمن ولا يغني من جوع في غياب الشعب السوري، الشعب السوري هو العامل الاهم كما هي الشعوب العربية. فشل النظام العربي وفشل النظام السوري ولم يبق إلا طريق الشعوب الحرة.

سورية تحتل مكانة خاصة في وجدان وقلب كل فلسطيني، وإذ يثق المرء بقدرة الشعب السوري على تجاوز كل خطر، فإن ذلك نابع من الحكمة والشجاعة التي ابداها شعب عظيم خلال الاسابيع الخمسة الماضية. لا احد يصدق ان هؤلاء يسمحون لمتآمرين وسلفيين متعصبين ان يخترقوا صفوفهم او يصيخوا السمع لدوائر المتآمرين في الخارج. من حق الشعب السوري ان يظفر بحريته وان يقرر نظام الحكم الذي يلبي مصالحه بالانتخاب الحر. ما زال الوقت يسمح باحترام النظام لإرادة الشعب السوري، بالتراجع عن الحل الامني المدمر والمخزي، وبإشراك الشعب في تجديد بنية دولة كل المواطنين عبر منظومة من القوانين الديمقراطية الجديدة. إن “تنازل” النظام او أجزاء ورموز منه للشعب السوري مأثرة تاريخية كبيرة ومساهمة حقيقية في إنقاذ هذا البلد العريق من خسائر غير مبررة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى