صفحات سوريةغسان المفلح

حكومة سورية مؤقتة أم سلطة قانونية؟

 

غسان المفلح

 تمر الثورة السورية هذه الايام بمفصل خطير جدا، يذكرنا بالمفصل الذي مرت به بعد انطلاقها من حوران سلمية، وعمت ارجاء سورية بدون طلقة رصاص واحدة، حيث حسمت العصابة الأسدية خيارها منذ اطفال درعا، حسمت خيارها بالقتل والتدمير، عندها كان هنالك مفصل سياسي خطير فإما العسكرة أو طلب تدخل خارجي، وكانت المعارضة السورية حينها تتغنى بأمرين: الأول أنها ترفض التدخل الدولي لحماية المدنيين. والثاني أنها ضد العسكرة ومع استمرار السلمية، في كل اجتماعاتنا كان تيارا صغيرا يسأل خاصة بعد مجازر العصابة الأسدية ضد المتظاهرين السلميين، كيف يمكن اسقاط العصابة الأسدية؟ وأن الناس لن تنتظر المعارضة حتى توافق العسكرة..كانت مزايدات ذوي الياقات البيضاء من اسلاميين وغير اسلاميين، ينتظرون احتلال الصفوف الأولى وهذا كان همهم الجلل!! كانت الجامعة العربية سقفهم لا تريد تدخل خارجي لحماية المدنيين ولا تريد تسليح المعارضة، وكان الغرب متلهف لموقف معارضة مثل هذه ويريد لهذه المعارضة ان تتبنى هذه اللاءات الثلاث التي طرحتها هيئة التنسيق الوطنية، هيئة التنسيق الوطنية قالت ونشرت بياناتها انها أيضا تريد اسقاط النظام، للامانة فقط كي لا احد يزايد الآن عليها من راكبي المفصل الخطير الحالي..هذه اللاءات الثلاث تتمثل في لا للتدخل الخارجي ولا للعنف ولا للطائفية، كنت كتبت كغيري كثيرا عن هذه اللاءات الثلاث، ما الذي جنته الهيئة؟..وكانت تدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، وبغطاء غربي بدعم روسي شريطة بقاء الاسد، وكلنا يذكر الترحيب الذي حظيت به هيئة التنسيق من قبل الجامعة العربية والدول الغربية وروسيا، ولم يكن المجلس الوطني قد تشكل بعد..عدم طلب التدخل الدولي واحراج الغرب به من قبل المعارضة، سمح لكل الاطراف ان تغوص وحلا في الوضع السوري، واصبح للدول رموزا معروفة داخل المعارضة، حتى بعد ان تشكل المجلس الوطني..بدا الغرب مرتاحا أيضا لكون هذه المعارضة لم تستطع أن تضغط على هذا الغرب ولو من باب العتب، لرفضه التدخل لحماية المدنيين..كان نتيجة الخيار الامني ان الحركة السلمية للثورة، قد كسرت قوقعة القمع، وانفلت المستوى السياسي والتمثيلي للثورة، وبات الخيار العسكري للثورة ردا على فاشية ونازية العصابة الأسدية، هو الخيار المتاح لكي يسترد هذا الشعب بعضا من كرامته..سنة تقريبا والجامعة العربية ورموز المعارضة وبدعم غربي ورضا روسي تتعامل مع الثورة على مبدأ- خذني جيتك- مبادرات واجتماعات في القاهرة وبروكسل وموسكو والدوحة واستطبول..والعصابة الأسدية مستمرة في القتل والتدمير مما ادخل النضال السلمي في اجزاء المدن المقطعة بعصابات الأسد وشبيحته..ومثال ذلك حمص التي خرج فيها تظاهرات بمئات الألوف وحماة والدير تحولت إلى احياء مبعثرة ولا يربطها رابط..فبحثت القيادات الميدانية للثورة عن الخيار العسكري والعمل عليه دون رضا وحتى غطاء من هذه المعارضة،والمعارضة تلف وتدور على هذه الثورة، التي طالبت منذ شهرها الأول بالتدخل الدولي..وتتهرب من مسؤولياتها التاريخية!! وبدأت حملة الهجوم من قبل الغرب على هذه المعارضة أنها غير موحدة..وانشغلت المعارضة عمدا أم جهلا بتوحيد صفوفها بعيدا عن أي برنامج سياسي واضح..وتداخل التلاعب الدولي مع التلاعب الداخلي من قبل كل الاطراف لكي يبقى الخيار الاسرائيلي هو سيد الموقف” فإما بقاء العصابة الأسدية أو تدمير سورية” وفعلا هذا ما تم..وبعد أقل من سنتين ودخول الثورة نفق حرب بين طرفين عسكريين، تشكل الائتلاف السوري لقوى المعارضة بزعامة الشيخ معاذ الخطيب، الذي اعلن في كلمته الأولى أنه ضد التدخل الدولي وضد وضع سورية تحت البند السابع في قرارات مجلس الأمن..ويريد اسقاط النظام!! ودون ان يستطيع هذا الائتلاف تأمين دعم عسكري لقوى الثورة..وخرجت مبادرته السياسية والتقى الوزير الايراني صالحي في ميونيخ، مع أن نفس الشخصيات المحيطة بالشيخ معاذ كانت قد ادانت هيثم مناع للقاءه بمسؤولين إيرانيين!! وقبل تشكيل الائتلاف رمت الادارة الامريكية والفرنسية أيضا بالون تشكيل حكومة مؤقتة لنقل السلطة، وتدافعت نفس الرموز لتشكيل مثل هذه الحكومة، وتم الضغط على المجلس الوطني لكي يدخل الائتلاف ويساهم بتشكيل مثل هذه الحكومة..وتشكل الائتلاف كما قلت من أجل هذه الزوبعة سياسيا ومن أجل تحطيم المجلس الوطني تنظيميا..وابعاده عن دائرة التمثيل السياسي للثورة..طبعا العوامل الشخصية لا اريد الحديث عنها الآن..هليلة تشكيل الحكومة واجهها الروس والعصابة الأسدية وإيران، وبدأ الاعلام ينشر أن الخلاف هو فقط على بقاء الأسد جزء من هذه الحكومة أم لا؟ وبعد شهرين أو أكثر من تشكيل الائتلاف، بدأت تطرح أيضا حكومة تكنوقراط ولاتزال هي المطروحة…آل الأسد خلال كل تلك الفترة مستمرين بتدمير البلد وقتل الشعب حتى وصلت لاطلاق صواريخ سكود البالستية من دمشق على حلب..مجازر تلو المجازر.. طيب حكومة تكنوقراط وفقا لأي قانون ستحكم المناطق المحررة؟ هل هي سلطة قانونية؟ لعبة الوقت هذا ما يحتاجه الخيار الاسرائيلي لاستمراره كخيار وحيد والمتمثل كما قلت” إما بقاء الأسد أو لا أحد” الآن المفصل هو الدخول في سنة ثالثة ثورة تحت شعار تشكيل حكومة انتقالية او مؤقتة او حل سياسي. كيف يمكن للعصابة الأسدية بعد كل ما فعلته أن تسلم الشيخ معاذ أو غيره من قادة الائتلاف حكومة انتقالية، ولتسلمها السلطة؟ هل هذا معقول؟ خاصة أن العصابة الأسدية تعرف ما الذي يدور في الاجواء الدولية..إذا كان الائتلاف لا يتمتع باعتراف قانوني دولي او اقليمي فكيف لحكومة يريد تشكيلها وتكون تابعة سياسيا له في ظل ميزان قوى كالذي موجود على الارض السورية؟ كي لايفهم مما نكتب اننا ضد الحل السياسي نقول للمرة الألف: يقال ان هذا الحل السياسي تريده روسيا وامريكا واوروبا والصين، طيب لما لايصدر قرار من مجلس الامن فيه اعتراف قانوني بكلا الطرفين المراد انخراطهم بالحل السياسي؟ واقصد هنا العصابة الأسدية والائتلاف المعارض بقياد الشيخ معاذ،وبشكل طبيعي العصابة الأسدية لاتزال تتمتع بهذا الاعتراف. بقي ان تعترف الامم المتحدة ومجلس الامن بالطرف الثاني للحل السياسي!! نكتة أليس كذلك؟ الغرب لا يريد دعم الثورة بالسلاح ولا يريد التدخل ولا يريد منع روسيا وإيران وحكومة المالكي ولا حزب الله من تزويد العصابة الأسدية بالسلاح. السلاح يتدفق والاموال تتدفق على العصابة الأسدية والمعارضة تشحد السلاح الخفيف وبالقطارة..اعطونا قرارا دوليا بالحل السياسي الذي تريدونه، من هي اطرافه؟ وإلى ماذا سيفضي؟ وبعدها نتحدث عن تشكيل حكومات مؤقتة او انتقالية..المفصل الآن هو أن تختار المعارضة في ظل هذا الفضاء الدولي شرعية الثورة والابتعاد عن اشكالية الدسترة في تشكيل هيئاتها. تستطيع المجالس المحلية التي دعونا لها منذ بدء الثورة ان تقوم بتسيير اعمال الناس في المناطق المحررة.

 المفصل الآن إما أن تستمر المعارضة الائتلافية باتخاذ خط هيئة التنسيق المجرب والداعي للحل السياسي والحوار…أو تعود للثورة وتطرح مشروعا سياسيا متكاملا، وتتفرغ لتأمين سبل القوة للثورة؟ السير بالخيار الأول في ظل هذا الجو السياسي يعني سنة ثالثة ثورة وربما رابعة وخامسة وقتل وتدمير أسدي من الجهة المقابلة ولعبة الوقت لمصلحة العصابة الأسدية مادام أنها مدعومة إسرائيليا.. سورية على حدود إسرائيل- إذا افترضنا ان إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة- ومن المفترض وفق الاعراف والقوانين الدولية أن تبحث إسرائيل عن مصالحها الاستراتيجية مع سورية، بالطبع ليس فقط الجانب المتعلق بأمنها، بل جوانب أخرى أهمها حالة الاستقرار كي لاتتأثر…لكن الذي يحدث هو العكس ظاهريا..وهذه الحال تنطبق على لبنان ايضا…فلماذا إسرائيل تترك سورية ولبنان تحت النفوذ الإيراني كما تدعي مع الولايات المتحدة الامريكية؟

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى