روزا ياسين حسنصفحات سورية

هو حراك شعبي بالتأكيد وليس حراكاً دينياً

 


روزا ياسين حسن

صار مألوفاً أن نقرأ (مانشيتاً) عريضاً لمقابلة ما يقول صاحبها: أنا لا أخرج من الجامع. كما

ظهر الكثير من التحليلات والتنظيرات بأقلام كتاب ومحللين سوريين يؤكدون الأمر، وكأننا دعينا إلى الجوامع دعوة ولسنا من ركض لينضم إلى جموعها، وأقصد بالمعنى الدلالي والإجرائي.

ولنتذكر، فقد كانت أثمان العمل في التجمعات، سواء أكانت حزبية أم مدنية خارجة عن رسمية مؤسسات الدولة، باهظة للغاية طيلة عقود، إذاً فالأمر الطبيعي أن يتحرّك الشباب والشابات، الذين من المفترض والبديهي أن يكونوا أول من يشعل الحراك الثوري، ليبحثوا عن أماكن التجمعات كي يشاركوا فيها، وأماكن التجمعات الوحيدة هي في الجوامع أيام الجمعة، الأمر الذي كان مسموحاً وربما (مكرّساً) في السنوات الماضية. ومن تسوّل له نفسه التجمع في الساحات العامة، كما طلب الكثير من المنظرين، سوف يعتقل ويضرب وبالتالي أوتوماتيكياً لن يستطيع أن (يجمّع) التجمع المطلوب، ولذلك لم يدم أي اعتصام خرج من الساحات العامة أكثر من عشر دقائق أو ربع ساعة حتى اليوم. وأنا كنت شاهدة على الكثير ممن ينتظرون أمام باب الجامع كي يتظاهروا مع المصلين حال انتهاء خطبة الجمعة، وحين قال الشيخ البوطي، في معرض دفاعه عن السلطات السورية وهزئه من شباب الثورة، إن من يخرجون من الجوامع في مظاهرات الجمعة لا يحملون سيماء إقامة الصلاة في وجوههم، كان كلامه للسخرية صحيحاً، ذلك أن قسماً لا بأس به من الشباب الهاتف في مظاهرة خارجة من الجامع لم يقم الصلاة في عمره. والأهم أن تلك الجموع الخارجة من الجامع لم تكن منومة مغناطيسياً تجاه ما يقوله شيوخها وهذا له دلالة واضحة، ففي جامع الرفاعي مثلاً، في الجمعة الثالثة لبدء الاحتجاجات وقبل أن يغلق لأجل ” الإصلاحات”!!، خرج الشباب من الجامع والشيخ ما يزال يخطب لأنه قال ما لم يعجبهم فقد طلب منهم الهدوء والعودة للمنازل. ولئن ظهرت بعض الممارسات الطائفية العنيفة، من قبل بعض الجماعات وفي بعض المناطق، فلا ينبغي أن نسبغ عموم الحراك بها، فلكل ثورة شوائب وهذا أمر معروف تاريخياً.

ثم أن عقوداً طويلة مرّت لم يعتد فيها الشباب (العلماني)، أو لنقل غير المتدين، على العمل الجماعي ستجعل منهم اليوم غير قادر فجأة على رصّ الصفوف والخروج في مظاهرات واعتصامات منظمة، بينما استطاعت جموع الشباب الخارجة في تشييع أو جنازة أحد الشهداء أو من خطب الجمعة أن يسيّروا مظاهرات كسرت كل حواجز الخوف، وبالتالي كان من الطبيعي لفتيات وشباب يشبهونني أن يذهبوا إلى مدينة دوما، القريبة من دمشق والمشهورة بانغلاقها وتدينها، ليشاركوا شبابها الشجعان في الاعتصامات.

وهذا الخوف المستشري لم يكن بسبب كون الاحتجاجات بدأت من الجوامع فحسب، بل بسبب الخوف الذي كان يكبر من كافة الاتجاهات الإسلامية التي كانت تتزايد في سوريا تحت أعين ورعاية السلطات. وذلك الخوف الذي يلعب على غريزة أساسية عند الإنسان وهي غريزة البقاء تبدى الآن بعد أن ظل أكثر من أربعين عاماً يكبر ويكبر. فظهرت سوريا اليوم، للأسف، وفي مشهد كبير منها بأنها استجابت لمحاولات طويلة الأمد من الانقسام والتشظي، وراح شبح الحرب الطائفية يهيمن، بالتالي التفّت كل طائفة على بعضها خوف الطائفة الأخرى، وحققت المطلوب وهو انقسام الشارع السوري كي تتبدد ثورته كبخار، أو تصبغ قسرياً بصبغة دينية واحدة وهو المطلوب أيضاً. فتحوّلت ثورة الشارع الشعبية إلى ثورة سلفية ومتعصبة بنظرهم تحت ضغط تجييش الإعلام الرسمي، واقتنعت بذلك للأسف الكثير من الفئات التي من المفترض أن تكون على رأس هذا الحراك مشاركة ومؤثرة، لأن الحرية بمعانيها المختلفة هي حلم حياتها.

لن يكون الحل على ما يبدو إلا أن يتحوّل جزء من الحراك إلى الساحات العامة ولا يعود مقتصراً على أمكنة محددة وهذا ما بدأ فعلاً، وألّا يقتصر على يوم الجمعة بل يكون خلال أيام الأسبوع وهذا ما بدأ أيضاً، على الرغم من أن الأمر لن يكون بهذه السهولة تحت سطوة العنف، ولكنه في النهاية أساسي حتى لا يتحوّل ما يحدث إلى نصف ثورة كما راح يشاع مؤخراً، وكي يقتنع عموم السوريين بأنها ثورتهم أيضاً وعليهم أن يكونوا فاعلين فيها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى