صفحات المستقبل

.. هي هجرة أخرى والسلام!

 

“خان الشِّيح”، مخيم اللجوء الفلسطيني الثاني في سوريا

عبير حيدر *

لم يلقَ مخيم «خان الشيح» الاهتمام الذي حظي به مخيم «اليرموك»، حتى من قبل الفلسطينيين أنفسهم، رغم تعرضه اليومي للقصف من قبل مدفعية الجيش السوري المتواجدة في قطنا. وعلى أية حال، فالتهميش الذي عانى منه «خان الشيح» تاريخياً من قبل الدولة السورية يشبه تعاملها مع الريف السوري عموماً. وقد تبعه تهميش إعلامي من قبل المواقع العائدة للمعارضات، التي تجاهلت ما يجري في المخيم من قصف ونزوح وتشريد لقاطنيه في الشهور الأخيرة، رغم أنه يشكل ثاني أكبر التجمّعات الفلسطينية بعد اليرموك في سوريا.

الموقع والاصل والفصل

يقع مخيم «خان الشيح» جنوب غربي دمشق، على مسافة 27 كيلومتراً على طريق القنيطرة، وتفصله المسافة نفسها تقريباً عن حدود الجولان المحتل، التي تقع خلفها مباشرة قرى ومدن فلسطين المحتلة. في العام 1948، وفر الخان الأثري الذي شكل عبر الزمن استراحة للمسافرين، ومحطة للقوافل التجارية بين دمشق وفلسطين، ملجأً مؤقتاً للفلسطينيين اللاجئين إلى سوريا، حيث توزعت حوله العديد من الخيام وبعض البيوت الطينية. وبعد عامين، عقب الدفعة الرابعة من الهجرة الفلسطينية، تأسس المخيم فوق مساحة من الأرض تبلغ 1,05 كيلومتر مربع حاملاً اسم الخان نفسه، «الشيح»، الذي يعود لطبيعة المنطقة القاسية والمفتوحة على قمة حرمون في جبل الشيخ، المعروفة بانتشار نبات الشيح فيها بكثرة. وقد توسعت رقعة المخيم تدريجياً وانتشرت بيوته الفقيرة المتداخلة والمركبة بعضها فوق بعض، كما هي الحال مع معظم مخيمات الشتات الفلسطيني. معظم قاطني المخيم هم من العشائر والقبائل الفلسطينية التي قدمت من طبريا وسهل الحولة وقضاء صفد والجليل الشمالي، ومن أشهرها «المواسي، المصالحة، النادر، السياد، الخوالدة، السعيد…». ورغم درجات التعليم العالية التي حظي بها أبناء المخيم، حيث يضم أعلى نسبة من المعلمين مقارنة بالمخيمات الأخرى، يعملون في مدارس الأونروا والمدارس المنتشرة في ريف دمشق والقريبة من محافظة القنيطرة، إلا أن الأكثرية في المخيم يعملون كمزارعين في الأراضي المحيطة به والمملوكة لسوريين، أو كعمال يدويين في الورشات المجاورة، حيث يعيش، إلى جانب الفلسطينيين الذين قدر عددهم بحوالي 19 ألف لاجئ يشكلون ثلاثة آلاف عائلة، عددٌ من السوريين الذين نزحوا من قرى الجولان إثر هزيمة 1967، ويقارب عددهم حوالي 1500 سوري، بينهم العديد من الأكراد.

مخيم متميز

ساهم بُعد المخيم الجغرافي عن دمشق في فرض شيء من العزلة الاجتماعية والاقتصادية عن محيطه، وهذا ما جعل الروابط الأسرية وانسجام الأهالي أكثر استقراراً، وخاصة أن المخيم يطرح فرادة في حالة اللجوء الفلسطينية في سوريا من حيث اعتماد نسبة ليست بالقليلة من سكانه على الزراعة في معيشتهم. ولم يكن حال المخيم بأي حال شبيهاً بمخيم اليرموك الذي يشمل أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين، ومركز قيادة الفصائل الفلسطينية، الذي اندمج مع مدينة دمشق بشرياً واقتصادياً، لا سيما مع تحوله إلى سوق تجارية يقصدها سكان العاصمة من كل المناطق ومن مختلف الفئات الاجتماعية، حتى أصبح ضاحية جنوبية للعاصمة دمشق. ومع هذا تميز خان الشيح بفعالياته السياسية والتنظيمية، ربما لأنه أكثر المخيمات الفلسطينية في سوريا قرباً وتواصلاً واحتكاكاً مع «الجبهة». فمشهد قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجولان التي تمر يومياً أمام المخيم عادي، حتى أن الكثير منهم يتسوقون من سوقه، الأكبر في تلك المنطقة. ولهذا لم يكن غريباً الحضور الفاعل لشباب المخيم في مسيرة العودة في ذكرى النكبة 2011 والتي سقط فيها العديد من الشهداء من أبناء المخيم على أرض الجولان. وأيضاً هناك كثير من فلسطينيي المخيم تميزوا في مسيرة الكفاح الفلسطيني ومنهم: الفنان التشكيلي عبد العزيز إبراهيم الذي استشهد في الغارة الإسرائيلية على مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط جنوب العاصمة تونس في الاول من تشرين الاول/أكتوبر 1985. والروائي عوض سعود عوض الذي كتب رواية عن مخيم خان الشيح بالتلازم مع مخيم تل الزعتر. والشاعر رائد وحش والكاتب قيس مصطفى… وأيضاً عشرات ضباط جيش التحرير من ذوي المراتب الرفيعة. وقد يكون لهذه الأسباب جميعاً أن ياسر عرفات أطلق على المخيم اسم «مخيم العودة» في زيارته الوحيدة له في الثمانينيات.

المخيم لم يعد ملاذاً آمنا

المخيم تحول ملاذاً آمناً للنازحين الذين قدموا إليه بالآلاف من مخيم اليرموك ومن بعض بلدات ريف دمشق والأحياء الدمشقية، حتى وصل تعدادهم على أرضه حوالي مئة ألف نازح فلسطيني وسوري. ولكنه أصبح الآن مركز استهداف دائم لقذائف الجيش السوري، أدت بالنازحين الموجودين فيه إلى النزوح منه مجدداً. فلم يعد «خان الشيح» الملقى على حواف المدينة ملجأ آمناً لأحد. حتى أهله الذين لم تغريهم أي جهة بالخروج منه إلا فلسطين، تشردوا الآن وتوزعوا بالمناطق القريبة في عرطوز وجديدة عرطوز.

مأساة مخيم اليرموك تتكرر الآن في مخيم «خان الشيح»، و«السبينة»، و«الست زينب»، أمام صمت منظمة التحرير الفلسطينية وعجز الفصائل عن القيام بأي دور، ولو من قبيل تخفيف المعاناة الإنسانية على الأقل.

* كاتبة من سورية

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى