مراجعات كتب

“عربي المستقبل” مبيعات تكتسح فرنسا/ محمد المزديوي

 

 

يعد الكاتب والرسّام رياض صطوف، ظاهرة فعلًا في فرنسا. وكيف لا؟ وقد حققت مؤلفاته نجاحًا شعبيًا وتجاريًا كبيرًا، وخاصة الجزأين الأوّل والثاني من “عربي المستقبل” الذي ينتمي إلى السلاسل المصورة، وقد بيعت منه إلى الآن 200 ألف نسخة، ما دفع الناشر إلى طبع 159 ألف نسخة إضافية، ويبدو الجزء الثاني سائرًا على طريق الأوّل في أرقام المبيعات.

ويعد صطوف كاتبًا غزير الإنتاج، فمن مؤلفاته أيضًا “العودة إلى المدرسة” و”حياة الفتيان السرية”. وصطوف متعدد المواهب إذ أخرج فيلمًا سينمائيًا بعنوان “الفتيان الوسيمون” الذي فاز بجائزة “سيزار” أفضل أوّل فيلم. وفيلم “جاكي في مملكة الفتيات”.

ولد رياض صطوف عام 1978 في منطقة بروتاني الفرنسية، لأب سوري وأمّ فرنسية. وعاش متنقلًا بسبب وظيفة والده كمدرس جامعي. كبر في طرابلس الليبية، وأدت الظروف الاجتماعية والسياسية والطبقية دورًا كبيرًا في صهر شخصيته، بسبب تحدر والده من وسط اجتماعي فقير، وشغفه بالسياسة وبالقومية العربية، وزرع في ذهن ابنه هذه الأفكار التي تعني من بين ما تعنيه في الشرق، عبادة شخصيات سياسية ديكتاتورية، كانت الشعوب العربية ترى فيها رموزًا قادرة على نقلها إلى الحداثة.

وبعد التغريبة الليبية، حان وقت العودة إلى سورية، سنة 1984، وبالتحديد إلى بلدة صغيرة قريبة من حمص.

كان الفتى الأشقر، مهيّأً حسب رغبة والده، لتقبل قسوة الحياة في الريف السوري، وبدء مسار تعليمي في المدرسة السورية، ليصير “عربيًا حديثًا” أي “عربي المستقبل”، كما هو عنوان كتابه الشهير من جزأين. حيث يغطي الأوّل فترة ما بين (1978- 1984)، ويغطي الثاني الفترة ما بين 1984 – 1985، وهو أدنى إلى سيرة ذاتية مصورة، حيث يدوّن صطوف السنة الأولى في المدرسة السورية، حيث تعلّم القراءة والكتابة. ولا يخلو الكتاب من إحالات وإشارات إلى حياة السوريين في تلك المرحلة، ومن بينها التبضع في سوق حمص السوداء، والعلاقات مع بعض أفراد العائلة المقرّبين من البعث ومن النظام السوري، إضافة إلى تعطش الفتى للمعرفة أثناء زياراته إلى أطلال المدينة الأثرية تدمر. ويمكن عد الكتاب كمجمع لشذرات الحياة اليومية السورية في ظلّ ديكتاتورية حافظ الأسد.

ويربط صطوف بين حياته الحقيقية وما تناثر منها في “عربي المستقبل”، مشيرًا إلى أن والده كان يقول “إنه يجب المساهمة في تعليم وتربية عربي اليوم ليصبح عربي الغد والمستقبل، كفردٍ حرّ ومتحرر من نفوذ أميركا وروسيا”.

وبسبب نشأته بين ليبيا وسورية حضر الأسد والقذافي في الكتاب. يقول صطوف عن صورة الأسد في تلك الفترة “كانت صورة أبوية مريحة، على الرغم من أني كنت أجده أقلّ وسامة من القذافي الذي يبدو كما في أفلام الأكشن، وكان يرتدي الزي العسكري، وأصغر سنًا. أمّا الأسد الأب، فكان يبدو، من خلال الصُّوَر في الشوارع، العمّ الأكبر، الذي لن يتردد في أن يضربك إذا ارتكبت حماقة. وأنا في سني المبكرة، تعجبتُ من صُوَره المنتشرة في كل مكان”.

ولا يحضر الأسد وحده في الكتاب، بل إن القذافي يحضر فيه أيضًا. ولصطوف رأيٌ واضح في هذا الأخير إذ يقول: “إنه مريض نفسي. كان الليبيون يعرفون ذلك، بينما في فرنسا، وفي مجلة باري ماتش، كان رمزًا لبلاي بوي ومن أكثر شخصيات الشرق الأوسط جاذبية، ورجلًا إصلاحيًا، وما إلى ذلك”.

وماذا عن المرأة؟ في الكتاب، يقول صطوف “هي إمّا أمٌّ وإما جدة أو خالة متّشحة بالسواد أو هي فتيات صغيرات يستحيل التواصل معهن، وهو ما عشتُهُ في سورية وفي فرنسا، أيضًا”.

وإذا كان صطوف يقرّ أنه لا يمارس السياسة، فإن كثيرًا من إجاباته ومواقفه لا تخلو من صُوَر استشراقية، حين يتحدث مثلًا عن أبناء العائلة في سورية، أو حين يتطرّق إلى اليهود: “كان دوري في فرنسا يتمثّل في صيد اليهود. أتذكر شعوري وأنا أرى يهوديًا لأول مرة، وهذا ما سأتحدث عنه في الجزء الثالث من الكتاب. وقبل صدور الجزء الأول كنتُ أتصور أن الجميع في فرنسا يعرفون أن السوريين يكرهون الإسرائيليين وأنهم معادون للسامية وما إلى ذلك، إلا أن مظهري الأقرب إلى المظهر الأوروبي جعل بعض زملائي في المدرسة يظنونني يهوديًا”.

وضمن هذا السياق يتذكر صطوف طفولته السورية ولعبه مع أترابه: “كنا نلعب لعبة الحرب مع الإسرائيليين بأسلحة بلاستيكية، وبالطبع لم يكن أحد يؤدّي دور الإسرائيلي، الذي كان عبارة عن شَبَح. لذا كنت أبالغ في شتم الإسرائيليين وفي الرغبة في محاربتهم، حتى يكفّوا عن اعتباري يهوديًا”.

وربما كانت هويّة صطوف المختلطة وظروف نشأته وراء شعوره باختلافه عن أقرانه: “لم أعش أزمات في مراهقتي، ولم أدافع عن جذوري. هجرت كل شيء، واخترتُ الشرائطَ المصورة جذورًا وشعبًا، فأنا من جنسية الـ”شرائط المصورة”. ويضيف: “لا أحسّ نفسي عربيّاً. أحسّ، أكثر، أني رسّام شرائط مصورة. اخترتُ شعبي وهو “الشرائط المصورة”، وعاصمتي هي أنغوليم، التي تنظم سنويًا مهرجان الشرائط المصورة. فقد فزت لمرتين بجائزتها، وكنتُ، خلالها، مَلِكاً لشعبي، لمرتين”.

وقبل أن يغدو صطوف كاتبًا شهيرًا، عرف انتكاسة في فيلمه الثاني “جاكي أو مملكة الفتيات”، الذي رُصدت له ميزانية 8 ملايين يورو، إلا أنه مني بخسارة كبرى، إذ لم يتجاوز عدد مشاهديه 150 ألف شخص. وقد ذهبت أحد التفسيرات إلى القول إن المشاهدين كانوا عارفين أن المخرج عمل رسامًا مع دورية “شارلي إيبدو” الشهيرة، وأنه ترك عمله قبل الاعتداء الإرهابي عليها بستة شهور. وما يروّج لتفسيرات مماثلة، رفض صطوف الحديث عن شارلي إيبدو وما جرى لها، لكنه يقرّ أنه تلقى بعد الأحداث الأليمة اتصالات كثيرة من القراء، تحثّه على الصمود ومواصلة العمل في “شارلي” وتصف ما ينجزه بالرائع. وهو ما يعلّق عليه بالقول: “إن الصحيفة لم تكن مقروءة”. مضيفًا: “لم أمارس، أبدًا، الرسم السياسي، كما أني لم أكن أحضر الاجتماعات الأسبوعية لإدارة شارلي”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى