صفحات الناس

وثائقي فرنسي عن استعادة الرقّة حياتها بعد «داعش»/ قيس قاسم

 

يدخل الوثائقي التلفزيوني الفرنسي «الرقة… حياة ما بعد داعش» إلى المدينة عبر رئيسة بلديتها الجديدة، ليلى، المكلفة بمعاينتها بعد خروج الدواعش منها وتحريرها بالكامل من براثنهم. أخذت على عاتقها دراسة احتياجاتها ومعرفة ما ينبغي عمله من أجل اعادة الحياة اليها. قبل توجهها الى المدينة، شاركت ليلى في مراسم تشييع أحد مقاتلي القوات الكردية، التي ساهمت بقوة في اخراج التنظيم الهمجي منها، وفي أول مشاهدة لها للمدينة أصيبت بصدمة أسكتتها: «لم أصدق ما رأيته من خراب حل بها. لقد سويت أغلب مبانيها مع الأرض والمدينة القديمة لم يبق من معالمها إلا القليل». خمسة أشهر من المعارك الطاحنة من بيت الى بيت ومن شارع الى آخر دمرت المباني والبنى التحتية للرقة وصارت مهمة تأهيلها شبه مستحيلة، مع ذلك بدا موظفو البلدية أكثر تفاؤلاً بإمكان إعادة الحياة إليها. في طريقها للاطلاع على سير عملهم، التقت المسؤول الثاني فيها وشاهدت بعض ما يعانيه من صعوبات ومشاكل نتجت من عمليات التهجير القسري والهروب خوفاً من بطش داعش.

الحفاظ على سجلات حفظ ملكية البيوت والأراضي، واحدة من أولى المهمات الواقعة على عاتق مسؤولي البلدية، لأن الكثير من التجاوزات والاستيلاء غير الشرعي على أملاك الغير قد حدث أثناء الفوضى، التي سادت المعارك وأيضاً بسبب سيطرة التنظيم المتشدد واستيلائه على أملاك الناس من دون وجه حق. المهمة الثانية التي كان عليهم حلها تتمثل في تنظيف الشوارع من بقايا ركام المنازل المهدمة وتوفير الحد الأدني لمقومات العيش حتى يتشجع أهلها بالعودة اليها.

في الطريق، قابل فريق العمل شاباً في العشرين من عمره دعاهم إلى رؤية ما فعله الدواعش في متجره وكيف كانت الحياة في ظل سيطرتهم على الرقة «محل بيع الملابس هذا كنت أمتلكه وتعرضت بسببه الى الكثير من العقوبات لأنهم كانوا يعتبرون عرض الملابس من خلال دمى العرض البلاستيكية «فتنة». وضعوا في أول الأمر نقاباً فوقها وبعد مدة طلبوا مني إخفاءها عن الأنظار والاكتفاء بتعليق الملابس في الواجهات من دون دمى».

حكى لهم الشاب كم مرّة رأى بأمّ عينيه عمليات قطع الرؤوس. «أكثر من مرة رأيت عمليات اعدام في الساحات. كانوا عادة يأتون بسيارات حمل. ينادون على المارة عبر مكبرات الصوت المربوطة بها، للتجمع ومن ثم يُخرجون من يريدون قطع رأسه من السيارة وينفذون به «القصاص».

حركة عودة النازحين من المدينة ما زالت ضعيفة، أحد العائدين اليها استقبلهم وشرح لهم أسباب تركه ألمانيا، التي هاجر اليها قبل سنوات «متاعب الهجرة كثيرة. العيش في الوطن وفي المدينة التي ترعرعت فيها أفضل منها حتى لو عشت في خيمة». يحاول الشاب العائد ترميم بيته ليجعله صالحاً للعيش بأقل تكلفة، فأسعار مواد البناء غالية جداً وقدرة أهلها بعد طول مكوث للدواعش فيها وبعد حرب تحريرها أفقدتهم كل ما كان عندهم. واقع صَعّب مهمة المعنيين بإعادة الحياة إليها، كما يقول ابراهيم أحد مسؤوليها «علينا تقديم المساعدة للناس، لأن امكانياتهم معدومة. ننظف ما يمكن تنظيفه من الشوارع ونوفر الضروريات؛ كالماء والكهرباء قدر المستطاع».

خارج الرقة وعلى بعد نحو ستين كيلومتراً أُقيم معسكر للنازحين من أهالي المدينة، عدد ليس قليلاً منهم كانوا من المتعاطفين مع الدواعش. معظم الرجال تم اعتقالهم، أما النساء والأطفال فرُتّبت لهم خيام ليسكنوا فيها. وضع محرّرو المدينة برنامجاً لإعادة تأهيلهم من جديد للعودة الى الحياة العادية. تلتقي المسؤولة ليلى بمجموعة من النساء وتطلع على سيّر البرامج وبعد انتهاء زيارتها قالت لمعدي البرنامج «ليس من السهل تغيير عقلية من انضم إلى «داعش». الأمر يحتاج الى وقت طويل لكننا على ثقة من قدرتنا على تحقيق نجاح في هذا الجانب. الحماسة العالية لتأهيل المدينة وإعادة الحياة اليها ظاهرة ويمكن بسهولة تلمسها من خلال حماسة موظفي البلدية ورئيستها الجديدة، ولكن ما يقلقهم أكثر في هذه اللحظة هو تنظيف المدينة من الألغام والأسلحة. يستعرض نائب رئيس البلدية المخاطر التي تواجه الأطفال أثناء لعبهم في الشوارع «في كل شبر من المدينة زرع الدواعش ألغاماً وتركوا خلفهم أسلحة يشكل وجودها خطراً على حياة الناس وبخاصة الأطفال». يعود الوثائقي لملاحقة جولات ليلى التي ذهبت لمواساة بعض أهالي شهداء المدينة وخروجها منها أشد عزيمة وأصراراً على بناء الرقة ثانية، حتى تعود كما كانت حيَّة وحيَّوية.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى