بيانات الانتفاضة

وثيقة من أجل مستقبل لبناني سوري أفضل


بعد حوار لبناني-لبناني ولبناني-سوري، أصدر عدد من المثقفين والناشطين اللبنانيين هذه الوثيقة عن المستقبل المأمول للبنان وسورية في ضوء مجريات الثورة السورية وطموحاتها، وقد صادق عليها ووقّّعها مثقفون وناشطون سوريون.

هنا نصّ الوثيقة، مرفقة بأسماء موقّّعيها:

< تطرح الانتفاضة السورية، فيما هي تبشّر بغد جديد، أسئلتها وهمومها على العلاقات السورية–اللبنانية وعلى تصوّر نرتضيه ونسعى جميعاً إليه، ذاك أن الانتفاضة التي تستحق منا كلَّ الإكبار لتضحيات أبنائها، وكلَّ الدعم الذي يمكن تقديمه، تَعِدُ بافتتاح حقبة تحلّ فيها الحرّية والكرامة الانسانية محلَّ العسف والطغيان، حقبةٍ يمكن معها النظر في سائر علاقاتنا وملفّات هذه العلاقات بروحية أفراد أحرار وجماعات حرّة. وغني عن القول إنّ تداخل أمور البلدين والتقاطع في تاريخهما ومصالحهما، إنّما يزيدان في إلحاح هذه المسألة التي سبق أن تناولها، في ظرف مختلف، «إعلان بيروت دمشق – إعلان دمشق بيروت». لكنْ، وبالقدر نفسه من الإلحاح، تجدر الإشارة إلى أن تعقيدات تلك العلاقات تستدعي تجديد الجهود تلك، لا سيما وأننا حيال زمن انتقال ترسم الانتفاضة بعض علاماته المبكرة.

والموضوع، في النهاية، أبعد من تضامن بين الشعبين السوري واللبناني، كما أنه لا يتوخّى بطبيعة الحال، الانتصارَ لوجهة نظر لبنانية على وجهة أخرى، فالأمر يتّصل، لبنانياً، بالرؤية البعيدة والعميقة التي تطرحها الثورة السورية على اللبنانيين الراغبين في امتلاك مستقبل أفضل وأكثر حرية. كما أنه يتّصل، سورياً، بنظرة سورية إلى نفسها وإلى مستقبلها، حيث يكفي التذكير بأن البلدين إنّما حكمهما نظام واحد طوال ثلاثة عقود: في سورية، كان هذا النظام مباشراً، وفي لبنان كان مداوراً يتمّ من طريق تلزيم النظام الطائفي وتثمير عوائده السامّة.

وهدفنا هذا إنما يدفعنا إلى طرح ما نراه عناوين عامة لعلاقات إيجابية وسليمة بين بلدينا:

إن الثورة السورية ثورة وطنية، متمركزة بقدر كبير حول الكيان السوري، وحول الداخل الاجتماعي والسياسي السوري، بعد طول إهمال وطول تسخير لضمان شروط استقرار النظام الحاكم الداخلية والخارجية. هذا لا يحتم أن تنعزل سورية عن محيط عربي ومشرقي يمتنع الانعزال عنه، ولكنْ للقول إن طوراً جديداً في الوطنية السورية قد يهل في وقت قريب، وستكون له آثاره في لبنان وعليه. ولمجرد أن سورية ستنشغل لسنوات في إعادة بناء ما خربه نظامها القائم، وما قد يمعن في تخريبه إلى حين ينهار، فإننا سنرى مشهداً مشرقياً مختلفاً، وخاصة ضرباً من الضغط السلبي أو الفراغ في لبنان، كان يملأه حضور سوري ظاهر بهذا القدر أو ذاك. هذا من دون التطرق إلى الاحتمال الأكثر إيلاماً وخطورة، وهو احتمال تفجر الأوضاع السورية في نزاعات داخلية وتدخلات إقليمية ودولية لا يمكن إلا أن يتأثر بها لبنان بقوة.

وعليه، فإننا نسلِّف أنفسنا بالاهتمام بالشأن السوري وبالوقوف إلى جانب السوريين في نضالهم من أجل سورية ديموقراطية ومستقلة. وباختصار، بقدر ما نكون إلى جانب الكفاح التحرري للسوريين نكون إلى جانب لبنان المستقل والموحد.

– إن سورية المستقبل، التي تنمّ عنها انتفاضة الشعب السوري، لا ترى لبنان بوصفه «جزءاً مسلوخاً» أو «خاصرة رخوة» ولا «ورقة» تُستخدم في الصراعات الإقليمية والدولية، ولا موضع «وصاية» أو استتباع، كما أن لبنان المستقبل الذي نطمح إليه، لا ينظر إلى سورية باستعلاء أو عنصرية، ولا بأي شكل من أشكال العدائية والخوف.

– إن علاقات «مميزة» حقّاً بين لبنان وسورية، لهي في حقيقتها ما يجب أن تكون عليه العلاقات الطبيعية والندّية والمتكافئة بين دولتين تعيشان في فضاء ثقافي مشترك، وحياة اقتصادية مترابطة، وتتواصلان تواصلاً اجتماعياً عميقاً. وهي روابط لم يُسِئ إليها إلا نظام «الوصاية» نفسه الذي فرض الديكتاتورية على سورية والهيمنة على لبنان.

– إن الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان وإقامة العلاقات الديبلوماسية معه، قد تمّ «انتزاعهما» رغماً عن إرادة النظام البعثي، لكنّنا نرى أن تكريس هذا الاعتراف سيأتي نابعاً من قناعة تامّة عند الشعب السوري. ومن أجل تبديد أي وهم أو سوء فهم، فإنّ المهمّة المشتركة للدولتين ستكون ترسيم الحدود نهائياً، وبإرادة مشتركة، بهدف إزالة اللبس عنها، فالحدود الواضحة هي ما يتيح طمأنينة الانفتاح المتبادل بين طرفيها ويبدّد سياسة الريبة والحذر.

إن العلاقات السياسية والاقتصادية بين سورية ولبنان ديموقراطيين لن تكون سهلة، بالنظر لتفاوتات متنوعة في تطور البلدين، لكنها لن تخرج عن نطاق التدبر العقلاني، على نحو يحاكي ما نرى من مشكلات بين بلدان ديموقراطية أخرى. في المقابل، كان منبع التوتر الدائم بين سورية ولبنان تعارض نظامي حكمهما، والتفاوت الكبير في تأويلهما للعالم.

– إننا نرى أن قيام الدولة الوطنية، التي يحكمها نظام ديموقراطي، ويسود فيها القانون، وتُصان الحريات العامّة والخاصّة وحقوق الإنسان، هو طموح سوري لبناني مشترك. والسؤال الذي يطرح نفسه في سورية هو: كيف التخلص من الاستبداد من دون الوقوع في الطائفية؟ بينما هو في لبنان: كيف التخلص من الطائفية من دون السقوط في الاستبداد؟ وفي الحالين: كيف تبنى دولة ديموقراطية متطورة؟ وبالطبع يصعب أن نتصوّر ديموقراطية من دون حرّيات تعبيرية وإعلامية نحرص على تعزيزها ونمائها في البلدين، بعيداً عن أي ترهيب أو ابتزاز.

– إن تحقيق تطلّعات الشعب السوري في التغيير وإقامة دولة الحرّية والعدالة، كما في تحقيق تطلّعات الشعب اللبناني في إقامة الدولة السيدة والمستقلّة، يشكّل الأمل بنهوض مشرق عربي تزدهر فيه «المواطَنة»، فلا تكون غلبة لطائفة ولا غبن لأقلية ولا اضطهاد لجماعة إثنية ولا تمييز بحقّ مجموعة قومية… ومشرق كهذا، غني بتعدديته وثقافاته وطاقاته، قادر وحده على ملاقاة العالم واستجابة تحدّيات العولمة، ومن ثمّ الانخراط في الحداثة وتحقيق التنمية والرفاه والسلام.

– إننا نرى في سورية الديموقراطية ولبنان الحرّية، السندَ الطبيعي لطموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس، ولقضايا الحقّ والعدالة في كلّ مكان من العالم. ومن شأن تمتع اللبنانيين والسوريين بتقرير مصيرهم بحرية أن يكون ضربة قوية لسياسات التمدّد والغطرسة الاسرائيلية التي استمدت بعض الصمت العالمي عنها من تعفّن العالم العربي، ومن غياب نموذج سياسي إيجابي حولها.

– إنّ البلدين يتضامنان في تأييد مطلب كلّ منهما في استعادة أراضيه المحتلّة بالطريقة التي يرتئيها شعباهما.

– إنّ الوصول إلى علاقات الحدّ الأقصى بين البلدين، على قاعدة الديموقراطية والمصالح والقواسم المشتركة، لا يتعارض مع الإقرار الصريح بحقّ كلٍّ منهما في اتّباع النظام الاقتصادي الذي يرتضيه شعبه. لكننا نرى أنه لا سياسة الباب المفتوح من دون ضوابط، ولا سياسة الأبواب المغلقة من دون نوافذ، مناسبة لتنمية اقتصادية مستدامة، ولوجوب منح رعاية خاصة للشرائح الأكثر حرماناً والمناطق الأشد فقراً في كل منهما.

– إنّنا نعتبر كلّ ممارسة عنصرية يتعرّض لها عامل سوري في لبنان جريمة بحقّ لبنان واللبنانيين قبل أن تكون جريمة بحقّ سورية والسوريين، وهي إنما تستدعي الشجب والمساءلة القانونية بقدر ما تحضّ على ضرورة صياغة القوانين العصرية الناظمة لهذا النوع من العلاقة انتقالاً وعملاً وضمانات. ونثق أن سورية ديموقراطية ستكون أحرص على كرامة مواطنيها وعلى حمايتهم اجتماعياً وقانونياً، في داخلها وفي خارجها.

– إنّنا نرى أن العلاقات الثنائية لن تستعيد حرارتها التي نريدها من دون تحرير من تبقّى من مساجين لبنانيين في السجون السورية.

ولا يفوتنا، في هذه المناسبة، التنبيه من مواقف لبنانية بالغة الضرر والإساءة ظهرت مؤخّراً، وقامت على تجاهل الانتفاضة السورية كما لو أنها حدث عارض أو بعيد. وقد ارتقى بعض أصحاب تلك المواقف، حين سلّموا نازحين سوريين إلى أجهزة النظام السوري، إلى سوية الجريمة الموصوفة والتحدّي الصريح للقوانين والأعراف والحقوق الانسانية.

إنّ ما كشفه أصحاب تلك المواقف والأعمال يتعدّى قصور النظر إلى الانتفاضة ليشمل النظر إلى مستقبل بلدينا كمجرّد امتداد لماضٍ رديء تصنعه نوازع الهيمنة ومشاعر الخوف العاجز. وهذا فضلاً عن الأصوات اللاأخلاقية التي أيدت، على نحو أو آخر، النظام السوري، إمّا بحجّة وقوفه في خطّ «الممانعة» و «المقاومة»، أو بحجّة الخوف على الأقليات. والحقّ أن مسألة الأقليات ومستقبلها في المشرق أكبر من الخفّة التي تسم التعاطي بها عند بعض وجهاء فريقي النزاع اللبناني، فكيف وأن الداعين إلى «تحالف الأقليات» في البلدين يعرضون ما لا يقل عن العداء حيال الأكثرية الدينية في المنطقة، وقد يتسبّبون في «تحالف للأكثرية» يحمل عند ذاك مشاريع الطغيان المذهبي.

إنّ الانتفاضة السورية تصنع التاريخ لبلدينا وشعبينا اليوم، وليس ثمّة ما يبرّر الغياب أو الاحتجاب أو الممالأة في هذه اللحظة الفاصلة من حياتنا وحياة أجيال لم تولد بعد.

حرية السوريين لا تحل مشكلات اللبنانيين، لكن استعباد السوريين مصدر إضافي لتعقيد وتعفن مشكلات لبنان.

اللبنانيون (بالترتيب الأبجدي):

أحمد علي الزين، إدمون ربّاط، أنطوان حداد، إيمان حميدان، أيمن مهنّا، برنار خوري، بشّار حيدر، بشير هلال، بول شاوول، تمام مروة، جاد غريب، جاد يتيم، جبور الدويهي، حارث سليمان، حازم الأمين، حازم صاغية، حسام عيتاني، حسان الزين، حسن داوود، حسن منيمنة (واشنطن)، حنين غدّار، دلال البزري، ديانا مقلّد، ربى كبارة، رنا عيد، ريان ماجد، ريم الجندي، زياد ماجد، سعد كيوان، سعود المولى، سمير فرنجية، سناء الجاك، سهيل القش، شذا شرف الدين، صباح زوين، طلال خوري، طوني شكر، عبده وازن، عقل العويط، علي الأمين، عمر حرقوص، فادي طفيلي، كريم مروة، لقمان سليم، مالك مروة، مارلين نصر، محمد أبي سمرا، محمد سويد، مروان أبي سمرا، منى فياض، منح الصلح، ميرفت أبو خليل، مي أبي سمرا، ميشال حجي جورجيو، ناديا الشيخ، نجوى بركات، نديم شحادة، نديم مشلاوي، هاني فحص، هدى بركات، وسام سعادة، يحيى جابر، يوسف بزي.

 السوريون (بالترتيب الأبجدي):

أسامة محمد، أكرم قطريب، أميرة أبو الحسن، إيمان شاكر، بدرخان علي، برهان غليون، بسمة قضماني، بكر صدقي، حازم نهار، حسام القطلبي، حسين الشيخ، خالد حاج بكري، خلف علي الخلف، رزان زيتونة، رستم محمود، سمر يزبك، صادق جلال العظم، صالح دياب، صبحي حديدي، عارف جابو، عبدالباسط سيدا، علي جازو، علي كنعان، عمار قربي، عمر كوش، غالية قباني، فاروق مردم بك، فرج بيرقدار، فهد المصري، لؤي حسين، محمد الحاج صالح، محمد العبد الله، محمد دريوس، محمد مأمون الحمصي، نجيب جورج عوض، وهيب مرعي، ياسين الحاج صالح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى