صفحات سورية

وجهة نظر سورية

 


عادل أسعد

في نقاش لي مع صديق عن آخر التطورات في سوريا بين السلطة و المتظاهرين اختلفنا على نقطة أساسية هي محط جدل و تجاذب اعلامي منذ بداية التظاهرات السورية و هي : هل حقاً هذه التظاهرات جميعها سلمية و وردية أم لا ، و هل المتظاهرون جميعهم حملة أقلام و فكر دون السلاح أم لا ؟؟ بالنسبة لصديقي هو قد تبنى الرد الاعلامي للمعارضة على اتهامات الاعلام الرسمي السوري و هو أن من قام بجميع عمليات القتل ضد أفراد من الجيش و الشرطة هو الجيش السوري نفسه و أن المعارضة السورية في كل المناطق مصرة على النهج السلمي البحت لأسقاط النظام ، أما أنا فلم أقتنع بهذه الرواية منذ البداية بسبب ركاكتها و افتقارها إلى الدليل المقنع ، فوجود عناصر أمنية و عسكرية سورية مجروحة ينفي فرضية تصفية الجيش لهم .

إن هذا الاختلاف في وجهات النظر لهو أمر طبيعي و مشروع و لكن الشيء المفاجئ هو أن صديقي هذا ظل متمسكاً برأيه حتى بعد أن صرح زعيم جماعة مسلحة (هو الآن شخصية مشهورة على ساحة الحدث السورية) و على الهواء مباشرة لمحطة العربية ” المعروفة بمساندتها للمتظاهرين” بقتله لجنود و عناصر أمن مع ذكره للأسباب و سرده للتفاصيل !!

إن عملية وضع بعض النقاط فوق الحروف بما يخص الحالة السورية الراهنة لهو أمر ليس بالسهل أو الواضح كما يعتقد البعض . فالذي حدث هو تحول و انتقال للاعلام السياسي الذي كان بيد السلطة السورية حصرياً يبارك الموالي و يخون المعارض ، انتقل إلى الفريق الآخر و بنفس المضمون و المبادئ المتشنجة تقريباً و لكن بقالب أحدث .

فعدد “القنوات الفضائية و المواقع الالكترونية” التي تعرض مساوئ النظام السوري بأدق التفاصيل و ترفض نشر أي موضوع يسيء للمتظاهرين السوريين يفوق بأضعاف تلك الموالية للنظام السوري ، و هكذا باتت أي مساءلة للربيع السوري أو لأي من وروده و فراشاته عبارة عن تساؤلات سورية غير مشروعة و تغريد خارج السرب بعدما كان العكس صحيحاً؟؟!!

الملفت للنظر أن هذا الانتقال للحالة الاعلامية قد تم بسلاسة كبيرة و أصبح أمراً واقعاً دون أي ضجة لتتحول المعركة بين السلطة و المعارضين إلى معركة اعلامية بالدرجة الأولى يشارك فيها الاعلام الاقليمي و الدولي بزخم كبير و سريع لمصلحة المعارضة مما جعل من النظام السوِري قزماً اعلامياً كذبه مكشوف و صدقه مستور !! و لذلك و في ظل التغيرات السياسية المفصلية التي يمر بها المجتمع السوري و التي ستحدد بنيانه السياسي المستقبلي وجب التدقيق بموضوعية و شجاعة في تركيبة و نهج المعارضة السورية بنفس القدر الذي يخضع له النظام في دمشق .

هناك عدة عوامل ساهمت بخلق هذا التحول الاعلامي أهمها هو الاعلام الرسمي السوري ، فعلى مدى عقود واظب التلفزيون السوري على ترديد ممجوج لكلمات و شعارات وخطب ثورية و تخوينية جامدة دفعت بالمواطن السوري في أول فرصة إلى نبذ كل ما يصدر عن الاعلام الرسمي ولو كان حقيقة خالصة مادام قد غُلف بنفس المصطلحات العتيقة و قدم بنفس الطريقة المملة و المتكلفة . و هذا يفسر النجاح النسبي و لكن السريع التي حققته قناة الدنيا التي اعتمدت لغة سهلة و خطاب غير متكلف مع المشاهد .

العامل المهم الثاني هو المتلقي السوري نفسه ، فالملاحظ عليه هو سيطرة العاطفة على بحثه النقدي و توجهه بعواطفه و ثقته نحو الاعلام الذي يقدم له ما يتناسب مع ميوله السياسية أكثر من اعتماده البحث المستقل عن الحقيقة المنشودة ، كما يؤخذ عليه أيضاً خضوع عاطفته دونما مقاومة للحملات الحماسية و التجييش العاطفي . و هذا الانسياق العاطفي له مسبباته التي تعود بأصولها إلى موروثنا الثقافي الجمعي و التي نحن لسنا بصدد الخوض فيها الآن .

إن العاملين السابقين قد أوجدا هامشاً كبيراً من القناعات الشعبية السياسية بعيدة كل البعد عن الحقيقة و لا تستند إلى الوقائع و الأرقام ، و بمرور الزمن أصبحت هذه القناعات مسلمات يستشهد بها عند الحديث عن الوضع السياسي في سوريا و هي متناوبة عند الطرفين و تأخذ شكل الملاحقة لإبطال حجج الطرف الآخر !!

من أكثر هذه المسلمات الخاطئة عند السلطة و مواليها هو أن المعارضة السورية تفتقر جداً إلى العلمانيين و أصحاب الفكر و جلها مؤلف من أفراد أصوليين إما مجاهرين باصوليتهم أو يخفونها . و هذه القناعة تتجاهل الكم الكبير من الدراسات الأدبية و المقالات الليبرالية التي تخدم المظاهرات كما و تتعامى عن كل مفكر أو فنان دعم المتظاهرين .

و من القناعات الشائعة أيضاً هو أن مطالب الحرية و القضاء على الفساد التي نودي بها في بداية التظاهرات ماهي إلا قناع أنيق لهدف قديم و هو الاستحواذ على السلطة ، و هذه القناعة تتعامل مع الواقع و كأن سوريا هي جنة من الديمقراطية و الشفافية ولا يوجد للفساد و المحسوبيات فيها مطرح .

أما في المقلب الآخر فأن أغلب المسلمات السياسية الخاطئة هي قديمة التشكل و تعود لحقبة الرئيس الأسد الأب إبان فترة صراعه مع الأخوان المسلمين ، و كلها تدور حول العلاقة السورية الاسرائيلية . فهناك من يجزم بأن ” النظام السوري قد قايض الجولان مقابل بقاءه في السلطة ” دون أن يتوقف عند حقيقة أن الأسد الأب كاد أن يسترجع الجولان كاملة من خلال سياسة النفس الطويل التي اتبعها بنجاح و ذلك في أيام رابين لولا مقتل هذا الآخير، و أن بشار الأبن قد رفض استردادها ناقصة أمتار عدة عن بحيرة طبرية باعتراف اسرائيل و العالم كله .

و من مسلمات المناوئين للنظام الخاطئة هي أن النظام السوري له علاقة تعايش مع اسرائيل في الخفاء ، فلا هو يقوم بمحاربتها و في المقابل تدافع هي عن بقاؤه في المحافل الدولية ، أما الرد على هذا فهو ، أولاً اسرائيل تكره النظام السوري جداً فهو قد شارك في كل الحروب العربية ضدها كما أنه أضاف عليهم حربين الأولى و هي مباشرة بين الجيشين السوري و الاسرائيلي في لبنان ، و الثانية بالوكالة و في لبنان أيضاً من خلال دعمه للبنانيين في حربهم مع اسرائيل. و هذه الحرب الأخيرة هي أمر يؤخذ للنظام السوري و ليس ضده ، ففي عالم السياسة يكون الرابح هو من يستطع أن يقاتل بشكل غير مباشر و خارج أرضه ، تماماً كما تفعل أميركا في بقاع كثيرة من العالم .

ثانياً أن اسرائيل لا تدافع عن وجود النظام السوري ، فبقاؤه بالنسبة لها يعني بقاء كابوس مزعج متمثل بحزبلله في لبنان و بقاء النفوذ الايراني في غزة و على حدودها الشمالية ، بل أن أكثر ما تفضله اسرائيل هو جوار كالأردن أو مصر و ليس كسوريا ، و هذا و اضح من تصريحاتها الأخيرة التي أعربت فيها عن خشيتها العميقة من انتقال الثورات إلى الأردن بينما لم تفوت مناسبة للتطبيل لسقوط النظام السوري .

إن القناعات السياسية الخاطئة لدى النظام السوري و مواليه من جهة و المناؤين له من جهة أخرى لهي من العوامل الهامة التي كان لها دور سلبي في تأجيج الاحتقان و مهدت إلى فقدان الثقة المتبادل و التي نأمل بعودتها بمواقف تنفذ من الطرفين ، فعلى السلطة عدم التأخير في تطبيق التعددية السياسية و صياغة دستور جديد حسب ما أعلن الرئيس بشار، و على المعارضة أن تصغي إلى مثقفيها بالدرجة الأولى لتثبت أهليتها للتعددية السياسية خاصة و أننا لم نسمع منها أي تعليق على اقتراح وطني رائع يحمل صك براءة لها مما توصم به كان قد طرحه أحد كتابها بجعل الرئيس السوري القادم من أبناء احدى الأقليات الدينية في سوريا .

أما فيما يختص بالدور الذي يلعبه الاعلام الغربي على الساحة السورية فأن الهدف الانساني الذي ينادي به هو برأي مجرد بروباغاندا مزرية يتلطى ورائها خدمة لأجندة سياسية ليس أكثر. فالغرب عموماً ذو طبيعة أقسى مما نتصور و خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمصالح ، و أكبر دليل على ذلك هو اهتمام القيادة السياسية الاميركية بمقتل حمزة الخطيب ابن الأربعة عشر عاماً و ذكره بالأسم لأكثر من مرة بنفس الوقت الذي كانت فيه طائرات التحالف تقوم بقصف اثني عشر طفلاً أفغانياً و امرأتين عن طريق الخطأ دون أن يمر أحد على ذكرهم و لو مرور الكرام .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى