صفحات سوريةعمر كوش

وحدة المعارضة السورية


عمر كوش

– تطرح مسألة وحدة المعارضة السورية بوصفها مطلباً لمعظم القوى الدولية والعربية الفاعلة، وتضعه شرطاً ضرورياً للخروج من الأزمة وتحقيق طموحات الشعب السوري، فيما يعتبر بعض المعارضين والمتابعين للشأن السوري أن هذا المطلب ترفعه بعض تلك القوى كي تبرّر في غالب الأحيان ترددها في الانخراط بقوة في حلّ الأزمة السورية، لكنه قبل ذلك يشكل أحد مطالب الحراك الثوري السوري، الذي سبق وأن رفع شعار «وحدة المعارضة» في وقت مبكر من حراكه الاحتجاجي، بهدف دعمه وتمكينه من تحقيق مطالبه، وإيصال صوته إلى المجتمع الدولي. وقد بذلت مساع عديدة في هذا المجال، لعل آخرها محاولات كل من وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، ونبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية، الرامية إلى عقد مؤتمر جامع في القاهرة، يضم مختلف أطياف المعارضة السورية في منتصف شهر مايو تحت مظلة الجامعة العربية.

ولا شك في أن هدف توحيد صفوف المعارضة السورية لا يقصد منه تجميعها في هيكل تنظيم واحد، بل التنسيق في المواقف والتوافق في الآراء لرسم ملامح سوريا الجديدة، والأهم توحيد الجهود للخروج بمواقف سياسية موحدة، ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب السوري في التغيير الديمقراطي، وتساعده على وقف نزيف الدم المستمر منذ أربعة عشر شهر.

وتضم قوى المعارضة السورية شخصيات معارضة تقليدية، جاءت من أحزاب المعارضة السورية التقليدية، إلى جانب معارضين آخرين، من مثقفين مستقلين وناشطين وحقوقيين ومهتمين بالشأن العام، لكن الحراك الاحتجاجي للثورة السورية أفرز أشكالاً جديدة من التنظيم، جسدتها التنسيقيات التي انتشرت في مختلف أحياء المدن والبلدات والقرى السورية، وأثبتت أنها الشكل التنظيمي المناسب للحراك الاحتجاجي، والفاعل ميدانياً، وشكلت البديل العملي لمختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، حيث تجاوزتها كثيراً في العمل على الأرض، من جهة القدرة على التنظيم والتحشيد واستخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة، التي تفتقر إلى توظيفها واستخدامها معظم الأحزاب السياسية السورية.

والواقع هو أن أحزاب المعارضة التقليدية السورية، بمختلف أطيافها الليبرالية واليسارية والقومية والإسلامية، وجدت نفسها في حال لا تحسد عليها منذ بداية الثورة، كونها لم تشارك في اندلاع شرارتها، وترددت – في البداية – في المشاركة بفعالياتها. لكن مع ازدياد زخم الحراك الاحتجاجي، الذي اشتّد مع تزايد نزيف دماء المحتجين، وجدت قيادات المعارضة السياسية نفسها، وكأن القطار قد فاتها، وأنها كانت تنتظر في المحطة الخاطئة، التي غادرها، فراحت تحث الخطى كي تلحق بركب الانتفاضة، وتستعجل عقد اللقاءات والمؤتمرات، في الداخل والخارج، وبشكل ينمّ عن افتقارها للخبرة السياسية ولوضوح الرؤية. إضافة إلى أنها غير قادرة على مجاراة ما يطالب به المنتفضون، كونه يحدّ من قدرتها على القيام بدورها السياسي، وعلى الإمساك بزمام المبادرة السياسية، فضلاً عن أنها لم تتمكن من نسج علاقات وروابط كافية مع مختلف التنسيقيات والقوى التي تتحرك على الأرض.

وفي سياق تحولات المشهد السياسي السوري، نشأت تشكيلات وتكوينات مدنية وسياسية معارضة عديدة، تضم في الغالب مثقفين مستقلين وناشطين، ومعظمها ذات فعالية محدودة في المشهد السياسي العام. كما ظهرت تشكيلات معارضة قريبة من النظام، ومدعومة من طرفه، بل وتزاود على أطروحاته. لكن أهم ما تمخض عنه المشهد السياسي المعارض هو تشكيل المجلس الوطني السوري، الذي يضم قوى وأحزاب سياسية وتنسيقيات فاعلة على الأرض، إلى جانب شخصيات فكرية وسياسية مستقلة، وتشكيل «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي في سوريا»، وتضم أحزاباً وقوى تقليدية، وبعض الشخصيات المعارضة المستقلة.

ولم تنضم هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي إلى المجلس الوطني السوري، نظراً لعدة أسباب موضوعية وشخصية. لكن عدم انضمامها أعلن عن انقسام فكري وسياسي واضح في المعارضة السورية، ما بين الأحزاب والقوى والشخصيات الليبرالية والإسلامية، التي تشكل منها المجلس الوطني، وبين الأحزاب والقوى والشخصيات القومية والسياسية، التي انضوت في هيئة التنسيق، بمعنى أن الانقسام بني – بشكل عام – على خلفيات وأسس سياسية وإيديولوجية، ما بين الليبراليين والإسلاميين من جهة أولى، وبين القوميين وبقايا اليساريين من جهة ثانية.

ويبدو أن هدف توحيد المعارضة يجسده قدرتها على التوصل إلى رؤية مشتركة وتشكيل قطب ديموقراطي، يوحد الجهود وينسق ويتواصل مع قوى الحراك، ويرتب العلاقات مع القوى العربية والدولية. وبالتالي ليست المشكلة في تنوع الأطر السياسية للمعارضة السورية، ولا في الاختلافات الأيديولوجية، لكن أسباباً عديدة تعرقل الوصول إليه، لعل أهمها حالة العطالة السياسية، الموروثة من عقود انتفاء السياسة ومصادرتها في سوريا، والتي طبعت العمل السياسي المعارض بطابع من الهامشية، وشوهت الفعل السياسي، بوصفه ممارسة تهدف إلى تغيير الواقع، وليس موقفاً أخلاقياً أو مبدئياً فقط، الأمر الذي يفسر تعلق بعض المعارضين وتركيزهم على المواقف المبدئية فقط، مع غياب مقتضيات العقل السياسي. يضاف إلى ذلك غياب برنامج تغيير واضح لدى القوى والأحزاب التقليدية، وتركيزها على الإرث الشخصي لبعض رموزها التاريخيين، الذين تحولوا إلى ما يشبه المستحاثات السياسية، واطمأنوا إلى تاريخهم الذاتي، بل وحولوا السياسية إلى استثمار شخصاني. يضاف إلى ذلك لجوء بعض الشخصيات المعارضة إلى سياسة تسجيل المواقف والنقاط، وسوق الاتهامات، وهدر الجهود، وتسميم الأجواء، والتركيز على شخصنة الخلافات، بما يزيد من التنابذ والفرقة

كاتب سوري:-صحيفة عمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى