صفحات سوريةغسان المفلح

وحل الطائفية ودموع الأم السورية/ غسان المفلح

 

الطائفية “هي ميل فردي أو اجتماعي، لتفضيل تفسير محدد أو مدرسة فقهية محددة لدين أو مذهب على غيرها من الأديان أو المذاهب، يأخذ بتاثير ظروف اقتصادية – سياسية، صفة تعصبية تتداخل مع مفهوم اعتبار الذات في تفضيل أبناء نفس المذهب أو الدين على غيرهم من المنتمين لمذاهب أو أديان أخرى”

تتصاعد هذه الميول أحيانا إلى حد تتخذ فيه اشكالاً عدوانية تجاه المذاهب أو الأديان الأخرى، وميل للنبذ والرفض وحتى العزلة عن الاخرين.

أي هي نتاج تفاعل عوامل سياسية – إقتصادية – اجتماعية ذات مساس مباشر بحياة الفرد اليومية، امتزجت مع تهديدات أمنية للهوية الجمعية للمجتمع، لتشكل توجهات اجتماعية تعصبية نحو الآخرين الذي يختلف معهم الطائفي في تفسير المعتقدات الدينية أو المصلحة السياسية.

الطائفية تمييز عنصري، بكل ما تحمله هذه الجملة من معنى، التمييز على أساس الإنتماء لأصل معتقدي أو ولائي أو مصلحي. التمييز في كل حقوق الانسان بدء من حق الاعتقاد، وانتهاء بحق الحياة والوجود الانساني. التمييز عندما لا يكون ممأسس، يكون أكثر خطراً وعدوانية، لأنه يحتكم لغريزة القوة.

هذا هو الفارق بين النموذج اللبناني الممأسس طائفياً -حتى لو كانت مأسسة عرفية- وبين النموذج الأسدي غير الممأسس، ولا يمكن أن يمأسس لأنه تمييز سياسي معتمد على عصبية طائفية مصلحية وغير ممأسسة معتقدياً داخل الطائفة – كما ازعم- عابرة ترتبط بآل الأسد تحديداً.

عندما بثت سلطة الأسد منذ انقلابها1970 وحتى الآن، رسائلها اليومية المقرونة بسياسات أية سلطة قمعية مشخصنة -الترغيب والترهيب- نحو جماهير الطائفة، بأن الأسد حاميها، وسلطته سلطة الطائفة، كان ينتظر نوعا محدداً من التفاعل مع هذه الرسائل، الطائفية ليست قناة وحيدة التفاعل مرسل ومتلقي! بل هي قناة مفتوحة على تفاعل بيني وعكوس، بين المرسل والمتلقي ويأخذ كل منهما دور الآخر لكن وفقاً لأبجدية القوة.

بغض النظر عن الأسباب، كانت هذه القناة التفاعلية مقرونة باكتشاف هوياتي بمواجهة الآخر أي آخر، وهو هنا مطلق” سوري” تارة، ومطلق” سني” غير معرف تارة أخرى، إلا وفقا لآليات الولاء المطلقة. اكتشاف لذات الطائفة وهي في السلطة، حيث تحول الأسد إلى هذه الذات. لهذا ترسل الأمهات ابناءهن جنود وشبيحة للقتال، دفاعاً عن الأسد، بشعور دفاع عن الطائفة. عشرات الألوف من الأبناء هؤلاء قتلوا وذرفت دموع الامهات ولاتزال. فهل الامهات يشعرن بأن طائفتهن مهددة؟ هل هؤلاء الامهات يرسلن ابناءهن للدفاع عن سورية مثلا؟

نحن لسنا أمام جماهير غير عالمة وهنا مكمن الخطورة، التي لاتأبه لدموع الأمهات، لأننا أمام أكثرية ساحقة من جماهير عالمة، تعرف ماذا يجري في سورية؟ أما بقية الشعب السوري وامهاته، لم يرسلن ابناءهن للقتال بل القتال اتى ليلتهم ابناءهن وحياتهن كلها ويقتلعهن من جذورهن. جاء يقتل ويعتقل ويدمر.. لايوجد مكون سوري آخر لم يمت معتقلون ينحدرون أصولاً منه تحت التعذيب في سجون الأسد خلال الثورة، السني والاسماعيلي والمسيحي والدرزي والكردي، كما لايوجد مكون سوري مطلقا ليس له معتقلين تنتظرهم امهاتهم.

سورية تبكي عبر تلك الامهات ودموعهن. لقد دمر الأسد إحساس الأم بأم سورية أخرى مثلها. لم تعد تفكر أي أم إلا بعودة ابنها من القتال، أو من المعتقل.

هذا جزء من تدمير الشعور الانساني العام وليس الوطني السوري فقط. دمر النسيج الاجتماعي لكي يبرز وكأنه نسيج مؤقت وجوده من وجود الأسد واستمراره.

فهو ينتقم من الجميع بالجميع، حتى تحولت سورية إلى دمعة أم لا تقف عن النزيف. وكما يقول مغني حوران في الثورة احمد القسيم “سورية كثرت عليها المطاليب والحزن غطاها”.

روزانة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى