صفحات العالم

وداعاً أيّها القاموس

 


حازم صاغيّة

هناك تعابير عدّة شاعت لسنوات في لبنان، وهي تستحقّ أن نتذكّرها اليوم وأن نذكّر بها.

“شعب واحد في دولتين”، “وحدة المسار والمصير”، “سوريّا الأسد”…، نتذكّر هذه المصطلحات وسواها مثلما يتذكّر أهل القرى وادياً سحيقاً كانت السيّارات كلّها تهبط فيه قبل نصب أعمدة الكهرباء، أو ضبعاً كان، قبل عشرات السنين، يأكل أبناء القرية الذين يضلّون طريقهم في الليل.

لكنّنا لا نحتاج بتاتاً إلى ذاكرة قويّة للتذكير بمصطلحات أقرب عهداً ظلّ سياسيّون وصحافيّون يردّدونها إلى ما قبل شهرين فحسب: كان يقال، مثلاً، عن الذين لا يتّفقون معهم ومع سياسات دمشق البعثيّة: “إنّهم لا يفهمون على القيادة السوريّة”، “إنّهم يكذبون على القيادة السوريّة”، “إنّهم يقرأون الوضع السوريّ خطأً”. ومتى تبدّى لهؤلاء السياسيّين والصحافيّين ذوي الصناعة السوريّة أنّ خصومهم “يفهمون على القيادة السوريّة”، كانوا يبادرون إلى إفهام تلك القيادة أنّهم “لا يفهمون عليها”.

اليوم نحن أمام لوحة يبدو معها أنّ تلك القيادة ومصنوعيها اللبنانيّين هم الذين لم يفهموا على سوريّا، وهم الذين لم يعرفوا أن يقرأوا سوريّا، كما يبدو أنّهم هم مَن لم يفعل إلاّ ممارسة الكذب على الشعب السوريّ، فضلاً عن الشعب اللبنانيّ.

طبعاً كانت تلك العبارات غالباً ما تتّخذ لدى قولها شكلي الوشاية والشماتة في وقت واحد. وكان مردّدوها يستعرضون كفاءاتهم الباهرة في الوضاعة والعبوديّة الحديثة.

لكنْ فيما نلاحظ ذلك الآن، لا نبغي من وراء التذكير بهذا القاموس السمج سوى مطالبة اللبنانيّين الذين اندلقوا على أحذية العقداء، وهم ينتمون إلى الأطراف السياسيّة جميعاً، بقدر من الكرامة وصيانة النفس، وهذا فضلاً عن توخّي النفع العامّ والاتّعاظ بالتجارب. فلا الوشاية هدفنا، ولمن نشي؟، ولا الشماتة بالطبع لأنّها من القيم التي يُفترض بالمرء أن يتعالى عليها، لا سيّما في بلد أخطأ فيه الكلّ أخطاء كبرى بحقّ الكلّ.

وثمّة سبب إضافيّ يحمل على استبعاد الوشاية والشماتة، هو أنّ النظام البعثيّ نفسه يتداعى. وهذا ما يوفّر عزاء لا حاجة معه للوشلية والشماتة. والحال أنّ الواقع كبير، بالمعنى الذي يقال فيه إنّ الله كبير.

إذاً، لنودّع ذاك القاموس الرديء، ولنتمنّ أن يكون بلا رجعة!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى