صفحات العالم

.. وكأن المسيحيين لا يعيشون إلا في ظل الدكتاتوريات


نعيم درويش

مفاجئة هي مواقف بطريرك الموارنة في لبنان مار بشار بطرس الراعي التي ابدى فيها خشيته من حصول حروب اهلية في الدول التي تشهد ثورات ومن تفتيت العالم العربي، متخوفا على مصير المسيحيين في هذه البلدان لا سيما سوريا، داعيا خلال زيارته الاخيرة الى باريس القيادة الفرنسية الى عدم الاستعجال في تغيير الانظمة خوفا على مستقبل المسيحيين في المنطقة.

من الطبيعي ان نأخذ مواقف البطريرك بحسن نية باعتبارها مرآة لمواقف بعض المسيحيين الخائفين على مستقبلهم بعد تجربة العراق المريرة في ظل ما تشهده المنطقة من مخاض عسير وحقبة مفصلية توازي بأهميتها مرحلة الاستقلال التي انتجت الدولة السلطوية، فيما ربيع العرب يفكك هذه الدولة.

البطريرك الماروني من حيث يقصد او لا يقصد قال لنا ان المسيحيين لا يستطيعون العيش في الدول العربية الا في ظل انظمة دكتاتورية.

قد يكون الخوف من سيطرة الاسلام السياسي المتعصب مبررا ولكن هذا الخوف مشترك ما بين المسيحيين والكثير من المسلمين، وقد يكون هاجس الوقوع في حروب اهلية وفوضى وفتن طائفية يدفع ثمنها المسلم والمسيحي كما حصل في العراق مبررا ايضا، ولكن ان نربط وجود ومصير المسيحيين الذين لعب العديد منهم دورا كبيرا في نهضة شعوب المنطقة وناضلوا من اجل قيم المساواة والمواطنة وحقوق الانسان بأنظمة دكتاتورية قتلت وتقتل شعبها زائلة مهما طال الزمن او قصر فهذا الامر فيه اجحاف للمسيحيين قبل غيرهم.

فهل كان صدام حسين الذي دمر شعبه وبلده يعمل لحماية المسيحيين؟ وهل النظام المصري الذي انكشف دوره في تأجيج الفتنة الطائفية عمل لخير المسيحيين؟ وهل النظام السوري المتورط في فوضى العراق التي هجرت المسيحيين والذي ابعد مسيحيي لبنان عن المشاركة في السلطة طوال فترة الوصاية ضنين بمصالح المسيحيين ومتشبث بحمايتهم؟ على ان السؤال الاهم يكمن فيما اذا كان الوجود والدور المسيحي في بعض الدول مرتبطان بقهر وظلم ابناء الطوائف الاخرى؟!.

من المجحف النظر الى الثورات العربية وكأنها مدخل للانقضاض على الاقليات في عالمنا العربي، فهذه الثورات ولدت من رحم القهر والذل اللذين رزحت تحتهما الشعوب لعقود طويلة دون تفرقة بين مسيحي ومسلم، فغياب الحرية والكرامة والبطش والاعتقال لم تكن محصورة بطائفة دون اخرى، كما ان مكاسب السلطة والعيش في بلاط الحكم لم تكن حكرا على طائفة بقدر ما كانت محصورة بعائلة او حاشية مرتبطة بالزعيم نفسه.

والمواطن الثائر الذي ينزل الى الشوارع حاملا كفنه بيديه هدفه قبل كل شيء بناء وطن رحب يتسع لجميع ابنائه، وهذا على الاقل ما سمعناه من جميع المتظاهرين وفي كل الدول التي شهدت وتشهد انتفاضات شعبية في وجه الظلم.

ومن هذا المنطلق لم يكن من المستغرب ان يسبق المسيحي المصري اخاه في المواطنة المسلم الى الساحات والميادين طلبا للحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية الحقة التي تستوعب الجميع. ولو قدر للشعب السوري ان يعبر عن رأيه لكان المسيحيين اول المطالبين بالكرامة والديموقراطية. لكن النظام واعلامه هما اللذان صورا المتظاهرين وكأنهم مجموعات متطرفة تحاول السيطرة على الحكم للانقضاض على ابناء وطنهم من الطوائف الاخرى. ولنا ان نسأل هل كان النظام السوري ليرمي المسيحيين بالورود اذا ما قرروا النزول الى الساحات للتظاهر؟

وإن كان البطريرك الراعي يخشى اندثار المسيحية في منطقتنا العربية، فمن المفيد تذكيره بأن تراجع المسيحية العربية ترافق مع وصول انظمة الحكم القهرية. فالارهاب والاصولية التي يخشاها المسيحيون ويعتبرونها المسبب لتآكل المسيحية العربية لم تكن الا نتيجة للدول الفاسدة والظالمة.

وإن كنا لا ننكر ان المسيحيين تعرضوا لتعديات في كثير من الدول، الا ان هناك اصرارا من قبل اكثرية المسلمين في كل الدول بضرورة المحافظة على الوجود المسيحي باعتباره قيمة حقيقية تثري المجتمع في تقدمه وازدهاره، فالمسيحيون أهل هذه الأرض وليسوا طارئين عليها.

القبس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى