صفحات سوريةمحمد كتيلة

يا أيها الغرباء، تذكروا أن للقتيل وطناً !


محمد كتيلة

أبعدونا عنكم وانسحبوا من الحياة ما استطعتم يا أصحاب القلوب المتحجرة والضمائر المعلبة الغائبة الضامرة في كهوف معابدكم التي تقدسون وتمجدون فيها القاتل…يا أيها الغرباء تذكروا أن للقتيل وطناً! يا من تساهمون في القتل العلني وفي تسعير نار المحرقة.. يا من تنحرون الوطن من النهر للبحر ومن السهل للجبل بفاحشة الصمت القاتل.

 يا آيها المتفرجون على أجساد الضحايا العرايا آن لكم أن تصرخوا .. آن لكم أن تخرجوا من صلواتكم الفاجرة وتسألوا الجلاد عن نهاية للمجزرة .

بكل ما لدينا من طاقة حسية وفوق عادية على الإشمئزاز والقرف نعترف، وبأقل ما تبقى في أرواحنا من كبرياء على إحتمال المشهد الدموي اليومي، المرعب والمتواصل، من إراقة للدم الفتي الناهض المنتفض، والذي يفصل بالطلقات بين الأبناء والأمهات، وبين الهواء وحليب الأرض، ولا يفرق بين من هو في سبيله إلى الجامع أو الكنيسة، إلى المدرسة أو العمل،إلى الحقل أو بائع الخبز…  وبعد كل هذا الإستهتار العدمي بالأجساد التي تُمزق وأرواحها التي تُحرق وكأنها النفايات، وعلى مرأى ومسمع من أهاليها المقهورة، المرهقة المعذبة والمتشظية أصلاً وفصلاً، نعترف ونشهد ونبصم، بأصابعنا المبتورة المرتجفة: بالقوة الخارقة الحارقة لقبضات أجهزة الأمن الحديدية المصفحة بالعداء والكراهية للشعب الأبي، ونختم  ونصرح بالعلن وبالفم الملآن ونقر: بعبقريتها الشيطانية الممسوسة بالهستريا والجنون، ونصدق عداوتها العلنية السافرة الصارخة والمؤذية، لكل من هو حي ويحيا بشرف وعزة وكرامة، في بيته ووطنه، ونصدق أكثر وأكثر، اللافرق أبداً واللاإنفصال، بينها وبين من يمثلها في أعلى المراتب والمناصب، وعلى الشاشات الملونة والمنابر المتورمة بالديناصورات والزواحف ومن يحكم بإسمها ولا يتكلم أو ينطق بحرف إلا بما يخدم قصوره الشتوية ومنتجعاته الصيفة، ولا يعمل إلا وفق أوامرها وقوانين غاباتها ووحشيتها وضيق أفقها الملئ بالأوحال والمستنقعات الآسنة.

ونصدق أكثر رغبة النظام القاتلة في إيجاد وخلق العصابات المندسة والفيالق المجرمة التي تعكس صورته ووحشيته، وأكثر ما نصدقه ضعفه، وخاصة عندما لا يجد مهرباً أو مخرجاً للنجاة من الضحية وأحوالها المشتتة ما وراء الحدود وفي المعتقلات، غير الكذب والنفاق، ولكننا لا نصدق من يصدقه وإن كان غبياً أو أحمقاً، بعد أن أصبح واضحاً وضوح الدم الذي يسيل ويلطخ البلاد ويرسم مشهد الدمار والخراب.  وأنتم يا أيها السفهاء الصامتون، النظام بوقاحته وقبحه أوضح منكم لأنه حين يقتل، يقتل بصراحة وعلانية وأمام أعينكم المتورمة من الخزي والعار، ومن منكم يستطيع أن يكذب نفسه، ومن غيركم يشارك ويبارك للسلطة الأمنية في إبادتها للوطن والعباد.

 وفي النهاية من أنتم… أنتم/ ولا شك في ذلك، قتلة اليوم والغد والماضي والحاضر، قتلة سفلة إلى يوم الحساب بعد أن تنجلي هذه العتمة ويخضر النهار السوري بأحراره.

منذ زمن بعيد ونحن نصدق وحشية اللانظام وضراوته اللعينة، وفي إمكانياته الخارقة في إحراق الوطن بأهله وعاشقيه، وفي إغراق الجماهير المتفضة الغاضبة في دمها، ولم يعد في وسعنا أن نستغرب قدراتهم الفظيعة على التدمير والإفناء، وفي الذهاب بالبلاد  وكبرياء أهلها إلى الجحيم.

نصف قرن من العسف والتعسف… كانت أبواب السجون والمعتقلات مفتوحة  وعلى مصراعيها، من مطلع الشمس وحتى غروبها، لكل من تخطر في باله فكرة عن الحرية، ولأي ومضة تعبر عن الكرامة ومعناها، وكان الإرهاب والتعذيب على أشده وبالنار والحديد، كعقاب معلن وبكل وقاحة وإن أدى إلى الموت، وكانت الضحايا بالآلاف، لكنه كان يجري بصمت وبتكذيب لاذع لكل من يدعي أو يصرح، بوجود سجناء أو نشطاء حرية، أما الآن وفي مواجهة الشعب وجهاً لوجه وعلى المكشوف والملأ، صار القتل وبأبشع الطرق وبأحط الوسائل، سمة مشتركة وماركة مسجلة بإسم اللانظام وقواته الغازية، وأعلنوها حرباً ضروساً على الشعب الأعزل، وبلا هوادة وبتعسف وقهر وإصرار، وعلى مرأى ومسامع العالم كله، وبكل صلافة وبشاعة، وفي المقابل، ولأننا لا نستطيع وبالمطلق، أن نكذبهم ونخون ضحايانا، صار من الواجب علينا، الحذر ومن ثم الحذر والحذر، وخاصة من إمكانياتهم التافهة والساقطة، في المراوغة والكذب والخداع، وفي تلفيق الحقائق التي تجري على الأرض، من تزوير وفبركات كرتونية مسخ،  والحذر أكثر  من المساومة، والإلتفاف على مطلب الحرية، بتقديم تنازلات تافهة ومعيبة، وما هي إلا رشاوي تبتعد كل البعد عن مطلب الحرية وإستعادة الكرامة، ونحذر أكثرمن نصب الفخاخ التي لايقع فيها إلا من كان خارج الساحات، فاقد الضمير ومعنى الوطن.

 إتسعت حدقات العيون، وها هي اليوم تقاوم وتتحدى المخارز، بعد أن بلغ الحمل الثقيل طاقة الظهور التي إنحنت ردحاً طويلاً من العمر، والمعركة باتت عارية مكشوفة، مع خصم تفوق بفظائعه وجرائمه على العدو، والنصرللأحرار على مرمى هتاف – الحرية الحرية – يسابق الريح ويصدح في أعالي السماء الملبدة بالهموم كأغنية من هواء وضوء وجدائل شمس ويحول تراب الأرض إلى ذهب ويغسل الإنسان الحر من أدران العبودية.

إن مجموع الضحايا، التي سقطت على أرض سورية الرائعة الجميلة الوادعة، وبأسلحة اللانظام الفتاك، المعربد البائد، أكبر بكثير من مجموع الشهداء التي سقطت في جميع الحروب مع العدو، دفاعاً عن شرف وكرامة الأمة العربية ، ومن الخطأ والعيب معاً، أن نقابل الفداحة بالأرقام وحدها، فمن يسلبك أرضك وهويتك هو عدو، لكن من يذلك ويحتقرك ويهين إنسانيتك ويقضي على تاريخك ويحطم أمام عينيك وأعين أطفالك مستقبل وطن وأمة، من أجل مصلحته ومصلحة عائلته ومن يدور في فلكه، فهو أقسى وأفظع وأشرس وأحط، لأن العدو – وبغض النظر عن كونه عدواً – يفعل ما يفعل، وبكل ما يستطيع لمصلحة بلاده، ولتأمين أمان وحياة مواطنيه، في الحاضر والمستقبل !!

فهل من آدمي، من بعد كل ما رأينا وما نرى، وما تقشعر له الأبدان، وما يحز في النفس والروح ، وما يُبكي ويفلق الصخر، في الليل والنهار، وعلى مدار الساعة والزمن، وبعد لوعات الأمهات الثكالى، وحسرات الأباء المكدودين، وبعد رؤية أطفالنا للمجازر والفظائع، أمام مدارسهم ونوافذ بيوتهم، وفي أحلامهم التي تعكرت، وفي بيوت الله، وبعد كل هذا النفاق والجور والتعسف، هل منا من يصدق هذا العدو الماثل للعيان بالصوت والصورة، وبمثل هذه العنجهية  المفرطة في وقاحتها وغدرها فيما يقول عن الوطن ؟؟

أما السؤال الذي لا غنى عنه ولا بديل: إذا كانوا هم وبسبب سفالاتهم لا يستطيعون العيش خارج السلطة، فمن هو هذا الكائن الخائن الذي سيتقبل وجودهم في السلطة وفي الحياة بعد الآن، وبعد هذا الإنكشاف السافر؟

 كاتب فلسطيني يقيم في كندا

mkteileh@yahoo.ca

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى