صفحات سورية

يا الله.. إنهم يقتلون الأطفال والأمهات في سوريا


محمد رشيد

مئات الآباء، ومثلهم من الاجداد والجدات، وأكثر منهم من الأشقاء والأخوات، يغضون طرفهم عندما يمرون بجوار فراش حمزة وهاجر وأقرانهما، الذين التهمهم وحش الموت الاسدي دون شفقة او رحمة، وخلال ساعات النهار، وحدها الام تغافل نفسها لتدخل الى تلك الغرفة الخالية من الحياة، تجلس الى حافة الفراش وتلمسه وهي خائفة مما تعرف، نعم ملمس الفراش بارد كما في الأمس، وأول امس، الدفاتر والكتب جامدة في مكانها فاقدة الحياة، ولعب الطفولة، تأبى الابتسام في غياب الصديق الذي اعتادت على الدلع بين اصابعه، تدمع الام وتكتم المها المفجع، تردد: “لا حول ولا قوة الا بالله”، ثم تجهش في بكاء صاخب، بكاء يملأ جنبات البيت، بحرقة ام لم تفهم بعد لماذا فلذة كبدها ليس في البيت، هل هو في المدرسة، ام حمل الغداء لأبيه في الورشة، ام، وأم، لكنها تعرف انه لن يعود، فلقد حملته أجنحة الرحمة الى جوار ربه.

وعلى الجانب الآخر من جدار المنزل الفاصل مع الجيران، تسمع الام المنكوبة، عويل ثلاثة أطفال لا يتوقفون عن البكاء رغم كل محاولات الاب، يولولون مثل صغار القطط، يلفون البيت الصغير مرة، وأخرى، وثالثة، وهم يصرخون، أمي، أمي، أمي، يحاول الاب المنكوب ان يقنع صغاره، يكذب عليهم، يعدهم باللعب والحلوى، لكنهم لا يريدون سوى امهم، يحاول الاب المسكين، لكن الصغار لا يريدون الانفصال عن رائحة امهم العطرة، ويعرف الاب المنكوب ان حبيبة القلب سافرت مع أطفال الجيران، الى حيث اختار لها الله، وبين شوقه لحبيبة الروح، وألمه القاتل على صغاره، تنهار صلابته ويجهش بالبكاء، وهو يضم صغاره الثلاثة تحت ذراعيه، خوفاً عليهم من الوحش القاتل المختبئ خلف الباب لاصطيادهم.

وعلى وقع تلك المرارة والألم، واختناق العبرات في حناجر الآباء والأمهات والاطفال، يستمر وحش الموت في قتل أطفال وأمهات سوريا، وتقول الأرقام الباردة، منذ بداية الثورة، قتل ذاك الوحش اكثر من 800 طفل وأم، تحت التعذيب الشديد، وبالرصاص الموجه عن عمد، والقصف العشوائي في مختلف أرجاء سوريا، وتلك أرقام تفوق كثيراً جرائم اي نظام عرفته البشرية منذ زمن “هتلر”، أطفال وأمهات لم يقتلوا في حرب طائفية او عرقية، بل قتلوا من قبل رأس نظام سياسي، لازال يعتبر نفسه شرعياً، والمسؤول الاول عن اي قرار في سوريا.

أقول ذلك وأنا اعرف ان شبيحة النظام الإلكترونيين سوف لن يتأخروا في الرد والتكذيب، دفاعاً عن قتلة الطفل والام، دون رحمة او حتى إبداء بعض التردد، قتلة حكم يقف في مقدمتهم رأس النظام، وأفراد اسرته يعتبرون شركاء اصيلين في دم الطفولة والأمومة السورية، وأستطيع ان أتوقع، لو ان نصف هذا العدد قد سقط في اي مكان آخر، لكان ممكناً ان نرى اليوم السيدة اسماء الاسد تشكل جمعية لحمايتهم، لكنها مع أطفال وأمهات سوريا، لا تفكر في ذلك لانها، لا تستطيع ان تفكر، فلم تعد اما، بل جزء من آلة القتل، ولا احد يعرف كيف تنام هذه السيدة ملء جفونها، قرب أولادها، تلاعبهم وتداعبهم، بل وتعد “حافظ” الصغير لحكم البلاد، وهي تعلم كم طفل سقط اليوم بنيران أسرتها، وكم ام قتلت، وهي تعلم ان دعاءات اليتامى والمساكين والثكلى عليها وعلى زوجها لا تذهب عند الله هدراً.

ولكن هناك ما هو مؤسف أيضاً، اقل خطراً وخطيئة من إجرام عائلة قتلة الاطفال والأمهات، لكنه قد يتطور ويجعل منا جميعاً شركاء في هذه الجريمة الانسانية الكبرى، ان لم يُعالج بوسائل مختلفة فوراً، لاننا جميعا نعالج ملف قتل الاطفال والأمهات باعتباره جزءاً من القتل الروتيني اليومي للمدنيين السوريين.

ورغم بشاعة قتل المدنيين في سوريا، الا انني اعتقد اننا جميعا لم نعط مسألة قتل الطفولة والأمومة السورية الأهمية التي تستحق، ولم نقم بفضح جرائم العائلة الاسدية بتركيز في هذا الملف والذي يعد من كبرى الجرائم الانسانية، وأعتقد ان الأوان متأخراً، لكنه لم يفت بعد من اجل ان ينهض الجميع لفضح تلك الجرائم المنظمة، وتحميل مسؤوليتها بالدرجة الاولى لبشار وأسماء الاسد، ولنكرس هذه الصورة الحقيقية في أذهاننا وأذهان الشعب السوري، خاصة في ذاكرة الطفولة والأمومة السورية.

وبالطبع لا يجوز التعامل مع هذا الموضوع باعتباره نشاطاً عابراً كيوم من ايام الثورة، بل إن الأمر يحتاج الى مأسسة وتوثيق ومتابعة إعلامية وقانونية، وإشراك المؤسسات العربية والدولية في ذلك، ولابد من إعداد ملف لوضعه امام القضاء الدولي، وأيضاً امام قضاء كل دولة على انفراد، والسعي لاستصدار قرارات إدانة واعتقال، لكل من شارك في جرائم قتل الاطفال والأمهات، سواء بالمسؤولية المباشرة او القانونية او الاعتبارية، او حتى بالصمت، والعمل على استصدار مذكرات توقيف بهذه التهمة بحق بشار وأسماء والاسرة والحاشية وكبار رجال النظام.

ولابد من بلورة افكار محددة، وإطلاق حملة دولية تحت شعار “حماية الطفولة والأمومة السورية”، يعد لها دون إبطاء، وأمل من ثوار سوريا تسمية الجمعة القادمة جمعة “انهم يقتلون الطفل والأم”، لتكون بداية حشد لكل الطاقات، والطلب من الجاليات والأصدقاء التوجه الى مقار سفارات سوريا ليلة الخميس، او اي يوم آخر يحدده الثوار، لإيقاد الشموع لأرواح الشهداء من الاطفال والأمهات، لنجعل من ذاك اليوم الموعود يوم “حزن وذكرى” لشهداء سوريا من الاطفال والأمهات، نتذكره كل عام، ليصبح “عهداً ووعداً” بأننا لن نسمح بعد اليوم لقتلة الاطفال والأمهات ان يحكموننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى