صفحات المستقبل

يا مال الشام.. ومصر ولبنان


عمر حرقوص

انتهت الانتخابات الطلابية في الجامعة الأميركية في بيروت ولكن هناك بعض الأطراف لا تريد أن تصدق خسارتها أمام قوى 14 آذار، فتبدأ الضغوط على الطلاب المستقلين لإجبارهم على دخول تحالفات لا يريدونها، يصل الأمر بـ “شبيحة” لبنان إلى حد ضرب أحد هؤلاء، مما اضطر أهله لادخاله المستشفى وابتعاده عن العمل الطلابي.

يرسل أحد الطلاب في الجامعة هذه المعلومات إلى أصدقاء له علهم ينتبهون إلى ما يحدث هنا، يقول لهم هل الخسارة الطلابية ترتبط بمشاكل الأنظمة العربية والثورات والشعوب. ويترك الإجابة لهم.

تنتهي رسالة الشاب ولكنه في الوقت نفسه فتح الباب على هذا التساؤل الكبير حول ارتباط لبنان “المستقل” منذ 68 عاماً بأزمات المنطقة ومشاكلها وانهياراتها، فالمشاكل التي لاحقت الطلاب في سوريا كثيرة وهي لا تعد ولا تحصى، فالشابة السورية يمان القادري الطالبة في كلية الطب البشري في دمشق اعتقلت منذ ايام على خلفية مشاركتها في تظاهرة طلابية في حرم جامعة دمشق للمطالبة بإطلاق سراح طلاب الكلية المعتقلين بسبب مشاركتهم بالتظاهر من أجل بلدهم، تبدو يمان في صورتها فتاة رائعة، زهرة جميلة.

الشابة الشجاعة التي اختارت الوقوف في وجه القتل والقمع والطغيان المسلط على شعبها.. تقول عنها احدى صديقاتها في الكلية على صفحة “الفايسبوك” التي انشئت بعد اعتقالها “كل ما أستطيع أن أقوله عن يمان هو أنها شابة مهذبة، مثقفة وواعية. تجمع في شخصيتها بين أمرين يصعب أن يجتمعا عند شابة في عمرها فهي جريئة ولطيفة في نفس الوقت”. أصدقاء يمان في جامعتها يرسلون قصتها لينتبه العالم إلى المأساة اليومية التي يشهدونها هناك كل يوم.

صحافية فرنسية زارت لبنان قبل أسبوع وكانت زارت مدينة حمص، روت في جلسة مع عدد من الأصدقاء ما شهدته في تلك المدينة من رعب يومي يبدأ بإطلاق القذائف من الدبابات ليصل إلى حملات الاعتقال العشوائي والتعذيب حتى الموت، شهدت هناك النقص الحاد في الخبز وكذلك المازوت الذي يعتبر مادة اساسية للتدفئة في هذا الطقس البارد. وعن ذلك كتبت الناشطة هديل مرعي رسالة على صفحتها “الفايسبوكية” “يا أيتها الفتحة الجبلية في جبال لبنان، حمص تقع في مواجهتك، حمص ليس لديها مازوت ولا كهرباء للتدفئة، ارحميها من بردك الشديد وارحمي أطفالها الصغار”.

تحدثت المرأة الفرنسية عن ناشطين سوريين كانوا هربوا إلى لبنان قبل اشهر والتقت بهم في زيارتها إلى حمص أخبروها أن رعب العيش في أجواء القصف والاعتقال أهون لهم من العيش تحت رحمة الاختطاف في بيروت أو مناطق لبنانية أخرى، قالوا لها الكثير عن معاناتهم هنا ورأت هي بعينيها معاناة العيش هناك، ذهبت معهم إلى تظاهراتهم والتقت بالشابات، تنقلت في المنازل الآمنة التي لم يدخلها “الشبيحة”، صوّرت قصصهم وسمعت منهم الألم الذي لا يطاق، عن المستشفيات الميدانية التي اقتحمها “الشبيحة” واعتقلوا منها شبان عادوا بعد يوم أو يومين قتلى من شدة التعذيب.

في حمص يتضامن الناس ويتعاونون في كل شيء، يهرّبون الطعام والخبز على قلته إلى مدينتهم ويتشاركونه كأنهم بيت واحد في الخالدية وباب سباع وبابا عمرو والقصور والغوطة وغيرها. يتحركون في ساعات المساء ليتظاهروا ويرفعوا صوتهم عالياً، يتعرفون إلى بعضهم، ويخسرون كل مرة شباناً ناشطين يقومون بالتصوير كما حصل مع محمد فرزات الجربان الذي كتب تاريخ الانتفاضة بأفلام الفيديو التي صورها من القصير إلى حمص، فاقتلع المحققون عينيه ورموه جثة في الشارع.

الصحافية الفرنسية تقول إنها تشهد كوابيس ليلية منذ خروجها من هناك كأنها في حمص وكأن حاجز “الشبيحة” يتوقف فجأة تحت شباك المنزل الذي اختبأت فيه، يعتقل المارة ويضرب من يريد وتسمع صوت أحدهم يشتم الناس.

اما في القاهرة فالصورة التلفزيونية أوضح والشبان عادوا إلى ساحة الميدان، اتوا ليقولوا إنهم يرفضون إعادة الأمور إلى ما يشبه الوضع قبل 25 كانون الثاني الماضي، يجتمعون في الميدان ويرفعون علم بلادهم وكذلك العلم السوري متضامنين مع ابناء درعا وتلكلخ واللاذقية وغيرها من المدن السورية.

قبل ايام وبعد مقتل 33 شاباً مصرياً في ميدان التحرير في القاهرة هتف الشبان “ضرب النار ده كله ليه.. إحنا في سوريا ولا إيه”!!!. صار خوفهم أن يتحول وضعهم إلى ما يشبه الوضع في سوريا مع أنهم ينقلون صورهم مباشرة عبر الإعلام كله الذي تفاجأ بما يحصل هناك.

إنه الخوف المتنقل بين بلادنا العربية، هناك في اليمن مازال الديكتاتور يضغط على أنفاس الناس وهنا في لبنان تنفجر “قنينة غاز” جديدة جنوب الليطاني فتغلق منطقة بكاملها من “قوى أمنية” غير شرعية، يتحرك السؤال من جديد أين هي الدولة القادرة على حماية الناس، ومن سيكون اللاجئ السوري المخطوف هنا على لائحة “النظام” هناك.

تطل حكاية دخول قوى “غير” أمنية إلى بلدة عرسال ومحاولتها اختطاف شاب سوري، لتعيد التساؤل حول تداخل أجهزة هنا بأجهزة هناك. هنا لبنان، هل نستعيد الحرية التي دفعنا ثمنها غالياً مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري وشهداء الاستقلال ونخسرها كل يوم من خلال “هيجان” الاختطاف والتوقيف؟ أم نصمت ونترك لـ “الشبيحة” أمرنا إلى أن يصير لدينا انتفاضة ثانية تشبه انتفاضات الشعوب المحيطة بنا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى