صبر درويشصفحات الثقافة

يبرود أهل الخير


صبر درويش

لا يبدو أن نشاطات الثورة السورية من الممكن حصرها تماماً في إطار التظاهر، الاعتصامات وما شابهها. ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، التي حرم منها المجتمع السوري عقوداً من الزمن، بفعل شمولية حزب البعث الحاكم، يبدو أنها بفعل الثورة ذاتها راحت تنمو وتنتعش في رحاب المجتمع السوري. وفي المدن التي استطاعت التحرر من سلطة الأسد، تمكن المجتمع من تنظيم شؤونه بطريقة تثير الدهشة، فتشكلت الصحف الخاصة، والجمعيات المختلفة، وكل شيء يشير إلى بدء حياة جديدة لمجتمع وعلاقات ولدت في ظل ثورة الشعب السوري.

بدأت فكرة جمعية «يبرود اهل الخير»، من خلال حملة لإغاثة النازحين الذين قدموا إلى مدينة يبرود الواقعة إلى الشمال من العاصمة دمشق، هرباً من قصف قوات الأسد على مدنهم؛ وفي البداية لم تكن الفكرة تتجاوز موضوع تقديم بعض المساعدات للنازحين، تقول السيدة ملك وهي واحدة من القائمين على الجمعية: بعد أن كنا حققنا بعض النجاحات في تنظيم توزيع المساعدات، اجتمعنا نحن القائمين على العمل ورحنا نتباحث في كيفية تطويره وتدعيمه، وكانت الفكرة موجودة في رأسي مسبقاً، فكرة تشكيل جمعية مدنية تعنى بالنشاط المدني، بعيداً عن أي مرجعية سياسية موجودة، وهكذا كان المناخ مناسباً لانطلاق الجمعية التي ستصبح جمعية يبرود أهل الخير.

تمحور عمل الجمعية في بداية الأمر حول تقديم المساعدات المختلفة للأسر النازحة، فكان اول نشاط للجمعية تأمين وجبات غذائية وتوزيعها على الأسر المحتاجة؛ وكانت مهمتنا تقول ملك- تتركز على جمع المعلومات المختلفة عن الأسر النازحة وعدد أفرادها، أعمار الاطفال واحتياجاتهم.. إلخ، وفعلاً باشرنا بتوزيع كوبونات بقيمة ألف ليرة سورية على كل عائلة، للتمكن من شراء الثياب لأطفالها. بينما تم جمع الثياب من المتبرعين بغية توزيعها على الأهالي.

وضعت الجمعية صناديق للتبرع على أبواب الجوامع والكنائس الموجودة في المدينة، لجمع التبرعات التي كانت تذهب بمجملها للمساعدات.

تلقت الجمعية دعماً كبيراً من قبل الأهالي والفعاليات السياسية المختلفة، وذلك بسبب مصداقيتها وسمعة ناشطيها الحسنة، وهو الشيء الذي شكل حافزاً جديداً للاستمرار بالعمل وتوسيع أفقه؛ فقمنا تقول ملك- بتنفيذ اول حملة لنا وكان عنوانها «حرائر من ذهب»؛ تقوم فكرة الحملة على أن تتبرع نساء المدينة بغرام من الذهب أو ما يعادله نقداً، وفعلاً لاقت الحملة ترحيباً من قبل الأهالي.

بعدها قمنا بتنظيم حملة أسميناها بحملة «التدخين«، وتقوم الفكرة على التبرع بقيمة علبة دخان، وذلك عوضاً من أن يشتري المدخن تلك العلبة.

وقد أثمرت كل تلك الجهود، حيث استطعنا أن نحصل على مشروعية لعملنا، وهو ما دفعنا إلى فتح مكتب للجمعية في وسط المدينة، وباشرنا بتنظيم صفوفنا.

آخر فكرة عملت عليها الجمعية كانت مشروع إعادة التأهيل النفسي، وهو مشروع طموح فرضته المعطيات الراهنة لأوضاع الأسر النازحة والهاربة من الحرب. حيث أقيمت دورات لتدريب الناشطين على يد مختصين أتوا خصيصاً من دمشق من أجل تلك الغاية.

تقول ملك: «بدأت الفكرة بعد أن كنا قد لاحظنا كثرة الحالات المأسوية والتجارب الصعبة التي مرّ بها أطفال النازحين وأهاليهم، ففي إحدى الحالات التي واجهتنا ذهبت إحدى السيدات النازحات من حمص مع ابنها البالغ سبعة أعوام لتفقد منزلها في مدينتها حمص, تقول السيدة: عندما وصلنا كان كل شيء هادئ في الحي، فدخلت المنزل وبقي ابني يلعب في الخارج مع أصدقائه، وفجأة وقع انفجار عنيف، طار ابني على أثره وسقط بعيداً، لم يصب بأذى ولكن أصدقاءه تحولوا إلى أشلاء، وكان رأس أحدهم قد طار وسقط على ابني، فصار شعر رأسه في المقدمة أبيض على الفور، ومنذ ذلك الوقت وهو يعاني من حالة نفسية لا اعرف كيف أتعامل معها.

قمت بأخذ الطفل إلى الطبيب، تقول ملك، وأشار إلي بوجوب عرضه على مختص نفسي؛ وفي حادثة أخرى، صادف أنه كان من بين النازحات امرأة في العشرينيات من عمرها، تعرضت للاعتقال في مدينة حمص على يد عصابات الأسد، وكانت معها طفلتها البالغة من العمر نحو أقل من شهرين، خلال خمسة عشر يوماً من الاعتقال تعرضت المرأة وزميلاتها للاغتصاب المتكرر والجماعي، تقول المرأة: كانوا يتناوبون علينا واحداً تلو الآخر، ويهددوننا إن تكلمنا أن يعودوا ويعتقلونا، ومما زاد الأمور سوءاً أنني لم أستطع أن أغير حفاضات طفلتي خلال أيام الاعتقال تلك، فكاد جلد جسمها ان يتهرأ وقد أصيبت إصابات خطيرة. تقول ملك إن تلك السيدة كانت أشبه بالمصابة بمرض عقلي، وقد أرخت علينا تلك الحادثة شعوراً بالمرارة والانكسار، وكثيراً من هذه الحوادث والقصص التي مرت علينا، وفرضت علينا ضرورة العمل سريعاً على اطلاق حملة لمساعدة تلك الأسر من أفراد شعبنا، الذين عانوا قسوة من الصعب وصفها.

يقال عادة إن المصائب التي تحل بالجماعة توحد صفوفها وترص بنيانها، وهو حقيقةً ما يحدث في سوريا المنكوبة بنظام سياسي هو الأسوأ من نوعه. والمدن التي نجت من هذه الحرب استطاعت أن تطور نوعاً من التنظيم الاجتماعي الذي يساهم في ترميم آثار الحرب على الأفراد، وتعيد تأكيد قدرة الشعب السوري على إدارة شؤونه بنفسه.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى