صفحات الثقافة

“غورنيكات” سورية.. ثلاثة أعوام من الموت/ لينا هويان الحسن

«غورنيكات سورية» أستعير هذا العنوان من كتاب للروائية والطبيبة نجاة عبد الصمد. تكاد تكون وحدها الأديبة السورية التي كتبت نصّاً حقيقياً حول الوجع السوري، نصّاً متوازناً يفضح ويعري انتهاكات ترتكبها كل الأطراف المتصارعة في سوريا. كتبت نصّها دون رفع شعارات كبيرة، أو محاولات لاستجداء شهرة «مؤقتة» تقوم على جثث السوريين. فالحزن سيد الموقف في سوريا. والمبرر قوي جداً لتستلهم عنوان كتابها من لوحة بيكاسو الشهيرة «غورنيكا» التي رسمها مباشرة عقب المأساة التي حلّت بنساء وأطفال قرية الغورنيكا الاسبانية التي قصفتها طائرات الألمان.

عندما أمسك الجنود الألمان بالفنان العالمي بيكاسو في أيام الحرب العالمية الثانية سألوه عن لوحة الغورنيكا، تلك اللوحة التي خلدت الدمار الذي أحدثه الطيران الالماني للمدينة الاسبانية الجميلة، أنت الذي رسمت الغورنيكا؟

أجابهم: بل أنتم.

بلى «نحن» السوريين، كلنا شركاء بتعليق المشانق لبعضنا البعض، بتفخيخ أرضنا بألغام الغير، لنموت نحن، لننسف أنفسنا وضمائرنا ونتكلم فقط بلغة «الكلاشنيكوف».

الجميع يريد كلاشنيكوف

فالنساء في سوريا لم يُقتلن أو ينتهكن أو يُخطفن أو يُبعن في سوق النخاسة «لمن يدفع أكثر» في مخيمات اللجوء المرير، وحسب، أيضاً امتشقن السلاح. كما تؤكد الكثير من التقارير الإخبارية.

كيف للمرأة السورية أن تحمي حياتها وحياة أولادها؟ تحميهم من الجوع أو البرد أو الخطف أو الموت برصاص القناص.

لكل جهة قناصتها، ولكل جهة ضحاياها، والنساء أسهل تلك الضحايا. كل يوم ستعبر إحدى تلك الأمهات، على طريقٍ ما، وهي تعرف أن ثمة ركناً ما، يخبئ قناصاً ما، يتبع لجهة ما، لكنها ستُقتل هي.

أغلب «الغورنيكات» السوريات هن قرويات، حيث الأرياف أضحت تعيش فوضى خالصة من القتل والسلب والنهب وارتكاب أبشع الممارسات التي يمكن للرجال أن يبيحوها لأنفسهم في الحروب. أغلبهن بسيطات لم يكملن تعليمهن لأن التقاليد كانت دائما أقوى من مقولة «العلم نور». معظمهن يتم تزويجهن بأعمار مبكرة والمرأة بعمر الأربعين تكون قد أصبحت جدّة، وشبه عجوز. أي ليس بينهن من قرأت شكسبير وتحديداً هنري الخامس وهو يقول: (اتبع قلبك، وعندما تهاجم اصرخ: من أجل هاري، من أجل إنكلترا والقديس جورج). إنهن أبسط من أن يعرفن لأجل مَنْ شرّدن، أو قُتل بعضهن. وأخريات كانت مهمتهن بث الحماسة، تلك الحماسة التي تُشن بها حروب، قد تقود للنصر لكنها ستقود حتما إلى الآلام. وأغلب تلك النسوة «الحماسيات، الفضائيات، المثقفات» هربن مع ذويهن للخارج وتركن الموت لمن صدقن «الحكاية». بلى هي حكاية، ما يحدث في سوريا حكاية عِبرتها «الموت».

لا يمكن لأحد أن يقدم تفسيراً نهائياً أو متماسكاً، لأي معركة تحوّلت مجرياتها فجأة. أو ثورة تحولت لحرب .. تماما، مثلما لا يمكن لأي امرأة سورية، هناك، بعيداً عن وسائل الإعلام، في البوادي والأرياف النائية، أن تكون قد سمعت الرأي الشهير لجورج كليمنصو الرجل: «من المهم جداً أن تترك الحرب للجنرالات». وبالتأكيد ليس بينهن من قرأت التاريخ وتحديدا تلك الفقرة منه: (قبل أن ينطلق إلى لقاء جيش السلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي، سأل ريموند دوتريبولي ملكه الإفرنجي غي دولوزينيان: سيدي، اسأل نفسك هذا السؤال: «لماذا أريد خوض المعركة؟ أمن أجل مجد أمتي – أم لمجدي الشخصي؟). ولم تسمع أي منهن القاعدة الحربية التي اتبعها الكولونيل ثيودور ليمان، قائد جيش الاتحاد في الحرب الأميركية الأهلية التي استمرت أربع سنوات: «ضع رجلاً في خندق، ومدفعاً جيداً على تلةٍ فوقه، ولسوف يقتل ثلاثة أضعافه، حتى لو لم يكن جندياً جيّداً». ولم يقل لها أحد يوماً عن مناورة نابليون الشهيرة «فرّق عدوك ثم اقضِ عليه».

المرأة السورية عزلاء، تخوض حربها، وحزنها، عزلاء تماماً. وجندي مجاني، كل الرجال جاهزون لتقديمها كقربان سهل. تكاد لا تعرف عدوها، تضرب أخماسا بأسداس وهي تحاول تخمين هوية الحاجز الذي قد يصادفها على أيّ طريق داخلي في الريف. واذا لم تمت في وطنها فإنها تقف في أرتال، تقف طلبا لبطانية ووسادة وغاز، تقدّمها بمجملها الأمم المتّحدة وبعض الجمعيات الإنسانية.

وبسبب فداحة عدد الأمهات اللواتي قتلن أو فقدن أو خطفن أو اعتقلن، صدر ذلك التقرير الذي تناقلته مؤخراً وسائل الإعلام، تقرير أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن أعدادا صادمة لأطفال لاجئين في لبنان والأردن «ينشأون في عائلات مفككة ويفقدون فرصة التعليم ويصبحون المعيل الرئيسي لأسرهم» وثمة تحذيرات قوية تقول: «إذا لم نتخذ إجراءات سريعة فستستمر معاناة جيل من أبرياء حرب مروعة».

الحرب هي القتال وتبادل النيران. لا يهمّ كم تبدو بلا جدوى، فالقتال هو صلب الحرب. إنها الهاجس الذي يستطيعه، وينفذه الجميع. بعضهم يموت. والبعض الآخر يبكي. آخرون يتذكرون ويحتفلون. ثم يليهم الذين يخططون.

الحرب ليست مجرد مارشات ومجد عسكري، إنها رحى الموت. التاريخ هو الشاهد.

ثمن الجمال السوري . . جميلات لمن يدفع أكثر

الحُسن الشامي الشهير بالتأكيد لا يحتاج شهادة دراسة بريطانية حديثة «2012» قالت إن المرأة السورية ثالث أجمل امرأة في العالم بعد المجرية والبولندية، لما تتمتع به من رقة ولطف، واصفة «السوريات بأنهن ملكات العالم».

وذكرت وسائل إعلامية أن «مركز «ستارش» البريطاني للأبحاث العلمية أصدر دراسة حديثة بعنوان «أجمل نساء العالم»، معتمداً في تقييمه على عدة معايير للجمال، ومنها الرقة التي تتمتع بها والحياء في تصرفاتها.

وأضافت الدراسة أن «المرأة السورية تتمتع بالقدرة الفائقة على التفاعل مع الموضة دون أن يفقدها ذلك شيئا من أنوثتها»، لافتة إلى أن «أكبر أسباب انجذاب الرجال إليها هو حنانها الذي يمدها بطاقة حب كافية».

بلى، لعل أشهر ملكات العالم القديم هن السوريات. ليست زنوبيا وحدها ملكة سورية. ألم يقل يوماً الشاعر الروماني جوفينالي عام 140 ميلادية إن نهر العاصي يجري الى نهر التيبر منذ أقدم العصور حاملا معه الثقافة واللغة والحضارة السورية، مشيراً الى الامبراطورة جوليا دومنا، الأميرة الحمصية التي غدت زوجة عام 158 للميلاد للامبراطور السوري سبتموس سيفوروس الذي حكم روما من العام 222 ولغاية العام 236 للميلاد. وملكات أخريات منهن: جوليا مايسا وجوليا سوميا وجوليا ماميا. الى الملكة السورية زنوبيا التي تحدت عرش الامبراطورية الرومانية قبل إخماد ثورتها عام 272 ميلادية وكذلك القديسة السورية هيلينا والدة الامبراطور بيزانطينو كوستانتينو التي كان لها كبير الأثر في انتشار المسيحية وفي بناء أول كنيسة في مدينة حمص عام 328 م.

الفتيات السوريات الشهيرات ببشرة بيضاء، ومقاييس جمالية تطلبها معظم الدول العربية «النفطية» انضم إليهم رجال من جنسيات أردنية ومصرية وجنسيات عربية أخرى، حصلوا على فتيات صغيرات تحت مسمى «عرائس» في مخيم الزعتري، حيث تحولت الفتيات إلى سلعة مغرية للمتاجرة، من قِبل أقاربهن أو أهاليهن. فكما ذكرت تقارير رسمية تؤكد أن فتيات في سن مبكرة تم تزويجهن مقابل 300 دولار في بعض الأحيان، وفي أفضل الأحوال قبض الأهل لقاء الفتاة 2000 دولار.

فالنازحون نقلوا معهم عاداتهم الاجتماعية من قراهم إلى المخيمات، حيث تتم زيجات مبكرة لا تكترث لشيء غير تزويج البنت، والخلاص من همها؟؟!

تلك النسوة هل يشبهن تلك اللقى الأثرية لتماثيل أنثوية في مدن مثل إيبلا وماري، وأوغاريت تزخر بقصص وإنجازات المرأة السورية في عصور مبكرة من التاريخ؟!

لا إجابة حالياً، فالموت لا يترك مجالاً للكلام. المرأة السورية هي الخاسر الأكبر في ما يحدث في وطنها. بكاء الأمهات النادبات سيغرق العالم دموعاً لا تنضب. الحزن الذي حوّل النساء إلى غورنيكات ناحبات، وباكيات.. الموت ذاته الذي ألهم يوماً بول ايلوار ليقول في رثاء غورنيكا:

(وجوه صالحة لكل شيء/ ها هو الصراخ يحاصركم/ لكن موتكم سيبقى مثلاً أعلى للجميع/ الموت قلبٌ مقلوب / دفعتم ثمن خبز وسماء / وأرض ودماء ونوم وبؤس / حياتكم)

فمن يهمس بأذن المرأة السورية العبارة الشهيرة: (الانتصار الوحيد في الحرب هو أن تبقى حيّاً)؟!

)كاتبة سورية )

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى