صفحات العالم

يوميات “حزب الله”/ حسام عيتاني

لا يمر يوم في لبنان إلا ويقع حادث أمني يكون “حزب الله” طرفاً أو متدخلاً أو هدفاً فيه وله. يشير ذلك، من جهة إلى تضخم دور الحزب في مجالات ليست له، وإلى تصاعد الأخطار الأمنية التي تحيط بلبنان ويساهم الحزب مساهمة كبرى في جذبها، من ناحية ثانية.

سبق الانفجار الغامض قرب بلدة اللبوة البقاعية يوم الثلاثاء الماضي، والذي قيل أنه استهدف موقعاً لـ”حزب الله”، اغتيال المسؤول العسكري حسان اللقيس في هجوم لا يقل غموضاً. وقبلهما الهجوم الانتحاري على السفارة الإيرانية التي يحرسها الحزب وتعتبر من رموز الدور الإيراني الراعي له. هذا ناهيك عن استمرار تدفق جثمانين قتلاه الذين يسقطون في القتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد المعارضة المسلحة هناك.

يضاف إلى ذلك ويباريه في الأهمية، وقوف الحزب وراء جملة من الأحداث الخطيرة أو تدخله فيها. فقد أدى دوراً لم يعد خافياً إلا على من لا يريد أن يرى في أحداث بلدة عبرا بين الجيش اللبناني ومجموعات الشيخ أحمد الأسير في يونيو (حزيران) الماضي، وما نجم عن ذلك من تداعيات تمثلت في تعرض الجيش إلى هجمات بعضها انتحاري في المدينة ومحيطها. وهو عنصر مهم في الصدامات التي تشهدها دورياً عاصمة الشمال طرابلس، حيث عمل منذ انسحاب القوات السورية منتصف العقد الماضي على اختراق النسيج السياسي للمدينة وتطويع بعض المجموعات فيها إلى جانب مساندته السياسية والأمنية للمسلحين التابعين “للحزب العربي الديموقراطي” في جبل محسن. وهو طرف رئيس في التوتر الدائم المحيط ببلدة عرسال البقاعية التي تأوي عشرات الالاف من اللاجئين السوريين والذين يتهمهم “حزب الله” بأنهم يوفرون قواعد إمداد ودعم مادي وبشري لمقاتلي “الجيش السوري الحر”.

وعند توسيع زاوية النظر قليلاً، يمكن القول ومن دون كبير مجازفة إن الحزب يشكل طرفاً في كل المشكلات التي تواجهها المناطق اللبنانية وفي كل حالات الاصطفاف السياسي والطائفي في البلاد. وللإنصاف يتعين القول إنه ليس سبب كل هذه المشكلات وليس الطرف المعتدي في الأحوال كلها، لكنه الجهة السياسية الوحيدة في لبنان التي تبدو في حالة اشتباك سياسي وأمني وثقافي مع الأكثرية الساحقة من مكونات الاجتماع اللبناني. لا شبيه لهذه الحالة من الانغماس في الشأن العام على مستوى البلد بأسره سوى حالة الدولة اللبنانية التي تفرض عليها واجباتها السيادية والإدارية هذا النوع من العمل، في حين يكتفي باقي فرقاء الطيف السياسي- الطائفي اللبناني بممارسة أدوارهم في مناطق نفوذ تقليدية رسمت حدودها كثافة وجود ابناء هذه الطائفة أو تلك.

ترافق تضخم دور الحزب في الداخل اللبناني مع ازدياد عبء المهمات المكلف بها في لبنان وسوريا بعد اندلاع الثورة في الثانية. وبوصفه اداة رئيسة من أدوات الاستراتيجية الايرانية في الخارج، تعين عليه الحفاظ على الساحة اللبنانية التي تؤدي دور منطلق الردع الايراني لاسرائيل في حال قررت هذه الهجوم على المنشآت النووية الايرانية، والدفاع عن النظام السوري لمنع سقوطه قبل التوصل الى تسوية تضمن المصالح الايرانية العليا في المنطقة. دفع تنكب هذه المسؤوليات الجديدة الى الاصطدام، او على الاقل الاحتكاك القاسي بقوى تعتبر نفسها معنية مباشرة بما يجري في سوريا.

التطور التدريجي للوضع المذكور يحيل الى حقيقتين. الأولى ان الحزب بلغ مستوى عاليا من التوسع الجغرافي ما يستتبع، حكما، انكشاف العديد من مواقعه ومقراته واضطراره الى تغيير اساليب عمله التي كان يحيطها بالسرية، الى الانتشار العسكري والامني العلني. وفي حين يريد الحزب من هذين التوسع والانتشار حفظ أمنه ودوره، فإنه في الوقت ذاته يعرض نفسه لأنظار أعدائه الكثر الذين يراقبونه من دون كلل او ملل ويوجهون ضرباتهم التي يخيب بعضها ويصيب بعض آخر.

الحقيقة الثانية تتلخص في أن حزبا بهذا الحجم والامكانات والطموحات، أمر يتناقض مع واحد من أكثر قوانين الاجتماع السياسي اللبناني أهمية، أي التعارض بين قوة المكونات وقوة الدولة. ومعروف ان كل طائفة او حزب لبناني تتصاعد قوته بما يتناسب حسابيا مع تراجع قوة الدولة المؤلفة من اتفاق جميع الطوائف على العيش في ظلها معا. هكذا كان الامر منذ الاستقلال ولم يتغير اثناء الحرب الاهلية وها هو يتكرر اليوم.

بقاء الوضع على ما هو عليه يعني أمراً من اثنين: إما تولي “حزب الله” علناً وصراحة السلطات التنفيذية والتشريعية بغض النظر عن الذريعة التي يمكن ان يلجأ إليها (وهو لا يبدو راغباً بذلك حتى الآن) والاعتراف باضمحلال الدولة القائمة، أو اضطرار الحزب إلى البحث عن تسويات وصيغ للتآلف مع الدولة والتنازل عن نطاقات نفوذه، وهذا ما لا يلوح في المستقبل المنظور.

لذا، لا يبقى غير استمرار تلك الحروب الصامتة والغامضة والمكلفة بين الحزب وخصومه الداخليين والخارجيين، في يوميات دموية تحصد أرواحاً وأمالا وتدمر ما تبقى من مستقبل مشترك مأمول.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى