صفحات العالم

أدعياء

 

 

نديم جرجوره

أحد التعليقات العربية المسيئة إلى التحرّكات الشعبية العفوية في دول عربية عدّة، كامنٌ في اعتبار مطلقيه أن مجريات الأحداث هذه «فعلٌ غربيّ». قال هؤلاء إن الشعار الأساسي «الشعب يريد إسقاط النظام»، الناشئ في تونس، والمتبلور في مصر، والمتفشّي في أصقاع الدنيا العربية، مُترجَم عن تعبير غربي صنعته الولايات المتحدّة الأميركية وصدّرته إلى مجتمعات قتلتها أنظمة ديكتاتورية مجرمة. يرفض هؤلاء إمكانية أن ينبع تحرّك شعبي من خيبة وقهر وألم. يرفضون تصديق قدرة شعوب عربية على الانتفاض ضد طاغية وتسلّط. يرفضون قبول حلم جمع أناساً من أجل حقّ في عيش كريم، وحرية مسؤولة، وخبز مغمّس بشرف كبير لا يُضاهى، وكرامة لا يُعلى عليها. يرفضون رؤية حركة التاريخ، العاجزة عن إيقاف شلال الغضب الشعبي، الطالع من المطالبة بحقوق شرعية، والذاهب إلى تحقيق عدالة الأرض.

يتباهى مدّعو تحليل سياسي أن لديهم معطيات سرّية، تفيد أن محرّك الغليان الشعبي قابعٌ في غرفة معتمة داخل مبنى تابع لأجهزة أمنية واستخباراتية غربية. يظهر هؤلاء على شاشة التلفزيون. يرغون ويزبدون. يُعلون أصواتهم المبحوحة أصلاً، ظنّاً منهم أنهم يُخيفون الآخرين بهذا. يتطاولون على من صنع مجداً عربياً فعلياً، بعد سنين طويلة من الخيبات والتمزّقات والفساد والجنون والدم والخراب. وهذا كلّه، لأن حراكاً شعبياً عفوياً وسلمياً ضرب عقر دار أسيادهم، فبات عليهم تبنّي مقولة السلطة القائلة إن تدخّلاً غربياً أو انقلاباً أصولياً سلفياً، يعملان على تدمير مُمانعة قائمة على ضرب الناس، وتشويه أحلامهم، وتزوير مطالبهم.

لا يكتفي آخرون بإحالة الشعار، وانعكاسه الحراكيّ الشعبي العفوي، على الترجمة. هناك من تفتّقت عبقريته اللغوية والنحوية عن القول إن لا وجود لجملة اسمية في اللغة العربية. هناك من اعتبر أن الشعار المذكور مترجمٌ عن تقرير أصدرته أجهزة أمنية واستخباراتية أميركية أو غربية، لأن إحالته على اللغة العربية يفرض على المنادين به القول «يريد الشعب إسقاط النظام». بلغت وقاحة أولئك حدّ التطاول على اللغة العربية، بهدف تشويه المنبع الوطني الحقيقي لأي حراك شعبي عربي عفوي وسلميّ. لأن هؤلاء اعتادوا العيش في خنوع أمام الحاكم بأمره، والاقتناع بأن «كل شيء» مُسيَّر بفضل الحاكم بأمره من جهة أولى، أو بسبب أجندة خارجية من جهة ثانية. هؤلاء عاجزون عن استيعاب فكرة أن الشعب قادرٌ على الانتفاض من أجل حقّه في العيش والكرامة والحرية. هؤلاء لا يفقهون شيئاً بخصوص مفردات بسيطة، أبرزها الخبز والكرامة والحرية والعدالة الحقّة، الخاصّة بشعب ومجتمع وبلد، لا المختَزَلة بشخص واحد أحد. وهذا كلّه، لأن سيف الحقّ أصاب مقتلاً فيهم، عندما بلغ الحراكُ حدَّ مقارعة أنظمة أسيادهم.

الأجندات الخارجية تخترق الهشّ والمنقوص فقط. لكن شعوباً أطاحت ديكتاتوريين، شُبِّه لهم أنهم خالدون، قادرة على حماية إنجازاتها من الثورات المضادة، ومن أشباه الرجال هؤلاء أيضاً.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى