صفحات العالم

الأسد شريك أم خصم؟ -مقالات مختارة-

 

 

العودة إلى أحضان الأسد/ موناليزا فريحة

لا يحتاج البيت الابيض الى “تسريب” قراره التعايش مع الرئيس بشار الاسد. المسؤولون الاميركيون بدءاً بالرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري قاموا بالواجب. مؤسسات الرأي التي تقدم المشورة الى الحكومة والصحف المرموقة تتسابق على عرض التحولات في سوريا التي تفترض مثل هذا القرار. أما الاسد الذي كان طوال فترة حربه، ولا يزال، مراهناً على حجم التردد الاميركي، فقد حدد في حديثه “السخي” الى مجلة “فورين أفيرز” شروطه لهذا التعايش، مطالباً واشنطن بالاستحصال على إذن من حكومته لشن غاراتها على “الدولة الاسلامية”!

سياسة واشنطن حيال الازمة السورية ليس فيها ولا نوع من الثبات. كانت منذ البداية ردود فعل ظرفية لا تكلّفها اي التزام جدي حيال سوريا والسوريين وسرعان ما تتلاشى. وإذا كان التعايش مع الاسد وتاليا مع ايران و”حزب الله”، يعفي الادارة الاميركية من انخراط أكبر في النزاع، فإن الوقت لن يطول حتى تدرك أن هذا التراجع لن يساعدها في تحقيق هدفها المعلن، وهو القضاء على “الدولة الاسلامية”، لا بل من شأنه أن يطيل أمد النزاع، وينذر بدينامية جديدة لنزاع متحول ومتعدد الطرف.

في تقرير لمؤسسة “راند” التي تقدم المشورة للادارة الاميركية، ينطلق باحثون عن البدائل المستقبلية لسوريا، من أن انتصار النظام في سوريا بات أكثر احتمالاً، نظراً الى تضافر عوامل عسكرية وسياسية لمصلحة القوات الموالية للأسد. ومع ذلك، فانهم يحذرون من أن انتصارا للنظام لن يكون مثابة ضربة لـ”الدولة الاسلامية”، لان تقدم التنظيم في العراق وفّر له قواعد برية جديدة يمكنه التحرك انطلاقا منها. وبالمثل، لن يكون انتصار النظام في سوريا مكسبا كبيرا لايران، بعدما باتت مكاسب “داعش” في العراق تشكل تهديدا للحدود الغربية للجمهورية الاسلامية.

الى ذلك، ثمة جبهة مفتوحة في لبنان. وبحسب مصادر ميدانية لصحيفة “الشرق الاوسط”، ان “داعش” و”جبهة النصرة” باتا يسيطران على أربعة في المئة من مساحة لبنان، ذلك أن مساحة عرسال وجرودها تبلغ خمسة في المئة من مساحته. ولا شك في أن أي تغيير لقواعد الاشتباك في الحرب السورية سينعكس على هذه الجبهة، إن لم يكن على الداخل اللبناني ايضاً.

… في افتتاحية لها في 23 كانون الاول 2008، حضت “النيويورك تايمس” أوباما على التزام وعده الانتخابي بسحب القوات القتالية من العراق خلال 16 شهراً، وعدم الاذعان للأصوات المطالبة بابقاء جنود أميركيين مع تغيير مهمتهم في ذلك البلد بعد 2011. والسبت الماضي، دعت الصحيفة نفسها واشنطن وحلفاءها الى التعايش مع الاسد، أقله الآن. في بلاد الرافدين، لم يطل الوقت حتى تكشّف “الهروب” الاميركي عن كارثة في العراق لا حل لها في الافق. وليس متوقعاً أن تكون محنة سوريا أقل تعقيداً مع العودة الاميركية الى أحضان الاسد.

النهار

 

 

 

 

 

انقلاب الوقائع في سورية… الأسد شريك أم خصم؟

نيويورك تايمز

في تشرين الأول (أكتوبر) الأخير، أعلن وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، أن السلام لن يحل في سورية ما دام الرئيس بشار الاسد ممسكاً بالسلطة وفي مركز القرار. والى اليوم، يقول مسؤولون اميركيون إن إرساء حل سياسي مستدام يقتضي رحيل الاسد. ولكن الواقع المرير يشير الى ان الديكتاتور العنيف يُمسك بالسلطة وان الولايات المتحدة وحلفاءها مضطرون الى التعايش معه في الوقت الحالي. وهذا ما بدا أن كيري يقر به في دعوته أخيراً الأسد الى تعديل سياساته من غير أن يقرنها بمطالبته بالتنحي. وفي العام الأخير، تغيرت الاوضاع في سورية تغيراً سريعاً و «دراماتيكياً». فـ «الدولة الاسلامية»، وهي تعرف بـ «داعش» أو «الدول الاسلامية في العراق والمشرق»، تسيطر على نصف سورية، بينما أصاب الوهن المعارضين الذين تعول أميركا عليهم لهزيمة الاسد، وتراجعوا امام تقدم النظام.

ويبدو أن تنحي الرئيس السوري طواعية عن السلطة في القريب العاجل غير محتمل. ويغيب كذلك احتمال إطاحة المعارضين غير المنضوين في الدولة الاسلامية، الرئيس السوري ما لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة. وهذا ما رفضه الرئيس باراك أوباما. وفيما خلا تونس، استبدلت الدول التي أطاحت الرؤساء خلال حركات الربيع العربي في 2011، المستبدين السابقين بغيرهم من المستبدين أو انزلقت الى الفوضى.

واليوم، ليس مصدر الخطر الأبرز بشار الاسد بل «الدولة الاسلامية» وتوسعها في سورية وجذبها المزيد من المقاتلين الأجانب وإعدادها هجمات ضد الغرب. وأشارت دراسة أجرتها «راند كوربوريشن» التي تعد دراسات لصالح الحكومة الاميركية، الى ان انهيار نظام الاسد مستبعد اليوم، وهو أسوأ ما قد ينزل بالمصالح الاميركية. فمثل هذا الانهيار يحرم سورية مما تبقى من مؤسسات حكومية ويخلف فراغاً أوسع تملأه «الدولة الاسلامية» وغيرها من المتطرفين لنشر الفوضى والدمار. وهذا ما لم يكن في الحسبان في 2011 يوم نظم السوريون احتجاجات سلمية ضد حكومة الاسد الاوتوقراطية. وحينها، دعا أوباما ورؤساء أوروبيون الرئيس السوري الى الاستقالة وفرضوا عليه عقوبات. ولكن الديكتاتور الذي تمده كل من روسيا وإيران بالسلاح، رد متوسلاً بسلاح الجو والبراميل المتفجرة الى قمع الاحتجاجات، ونفخ في حرب أهلية قُتل فيها حوالى 200 ألف سوري ودُمر عدد لا يحصى من البلدات. ولا شك في أن النزاع في سورية يثير أسئلة شائكة، ويترك الولايات المتحدة من غير خيارات «جيدة». ومقاربة أوباما هذا النزاع هي أقل جانب من جوانب حملته على «الدولة الاسلامية» تماسكاً. وعلى رغم أن الاسد والاميركيين يواجهون عدواً مشتركاً، لا يجمع تعاون رسمي بينهما، في وقت تخترق المقاتلات الاميركية الاجواء السورية دورياً لقصف مواقع «الدولة الاسلامية». ولكن هل يضطر الغرب، في وقت من الاوقات، الى التعاون مع الاسد في مواجهة الخطر الرئيسي، أي «الدولة الاسلامية» والحاق الهزيمة بها؟

تقول الادارة الاميركية انها تدرب معارضين سوريين من اجل أن يساعدوا الحملة الجوية الاميركية على «الدولة الاسلامية». ولكن هؤلاء لن يشاركوا في العمليات قبل أشهر، وتدور الظنون على ضعف قدراتهم. وليس استشراف مستقبل سورية في الامد الطويل بسيطاً أو يسيراً. وإذا كان مسؤولون اميركيون يرون أن السبيل الوحيد الى طي الحرب الأهلية ونشوء جبهة مشتركة ضد «الدولة الاسلامية» هو حل سياسي تُشارك فيه روسيا وإيران، حليفا الاسد، وتركيا والسعودية، خصماه البارزان، فماذا في وسع واشنطن أن تفعل لتعزيز موقفها والتأثير في مآل الامور؟

ويرى مسؤولون اميركيون أن ثمة اجماعاً دولياً على الحاجة الى حل ديبلوماسي طويل الامد بين الاسد ومجموعات المعارضين المتباينة. ويحتسبون مبادرات الامم المتحدة الى ارساء وقف اطلاق نار في حلب التي قد تكون مقدمة لسلام أوسع. ويسعى الروس الى التقريب بين الاسد والمعارضين.

ولكن ما حظوظ هذه المبادرات، في وقت لا احد يدرك السبيل الى جمع قطع أحجية الحلول؟ فالجمهوريون الذين يسيطرون على الكونغرس ويمضون الوقت في الشكوى من سياسة اوباما الخارجية، لم يقترحوا بديلاً واقعياً. وثبت أن احتمال نجاح «معتدلين» سوريين في اطاحة الاسد، ضعيف الصلة بالواقع.

* هيئة التحرير، «نيويورك تايمز» الاميركية، 24/1/2015، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

زمن الهشاشة/ هشام ملحم

بعد أربع سنوات من بدء الانتفاضة المصرية التي مهدت لبدء حركات الاحتجاج في ليبيا وسوريا واليمن، يبدو ان ما وصف خطأ بالربيع العربي قد كشف مدى تفكك بعض المجتمعات العربية، وتفشي الامراض الطائفية والمذهبية، وغياب التمكين السياسي والاقتصادي، اضافة الى هشاشة الدولة العربية الحديثة.

مطلع 2015 يواصل اليمن وليبيا انزلاقهما التدريجي الى حروب ونزاعات داخلية عبثية لا يبدو ان لها نهاية في أي وقت قريب ومن المحتمل ان تؤدي الى تقسيمها الى أكثر من كيان. في سوريا، هناك وضع مأسوي أسوأ. مناطق يسيطر عليها النظام من دمشق، وأخرى يسيطر عليها ما يسمى “الدولة الاسلامية” (داعش) واخرى تسيطر عليها تنظيمات اسلامية وغير اسلامية، فضلا عن المناطق الكردية التي تسيطر عليها تنظيمات كردية. في العراق، الحكومة “المركزية” تسيطر على بغداد ومدن أخرى، بينما تسيطر “داعش” على الموصل ثانية كبرى المدن العراقية، اما ثالثتها البصرة فان عددا كبيرا من سكانها يرغبون في الابتعاد اكثر عن بغداد، بينما يواصل الاكراد مسيرتهم الحتمية (والمحقة) على طريق الاستقلال. وحتى في مصر، اقدم الدول المركزية في العالم، كشفت الانتفاضة الاولية في 2011 وما تبعها من حكم للعسكر ثم “الاخوان المسلمين”، قبل عودتها الى حكم العسكر غير المباشر، هشاشة الدولة المصرية، بمعنى ضعف المؤسسات. وهناك رأي يقول إن المصريين – الذين قتل منهم أكثر من 20 شخصا معظمهم برصاص الشرطة في الذكرى الرابعة للانتفاضة – لن يبدأوا بانتفاضة جديدة ضد حكم قمعي لانهم يخشون الفوضى العارمة التي يرونها في سوريا وليبيا واليمن والتي ستأتي بعد انهيار مؤسسات الدولة.

الدولة الامنية التي انشئت على انقاض الانظمة الملكية في العراق ومصر واليمن وليبيا، وحكم العسكر في سوريا والجزائر والسودان، أوقفا تطور المجتمع المدني حين حاولا السيطرة عليه وتطويعه، وفرغت مؤسسات الدولة التي ورثاها، ليضعفاها اكثر. هذه الانظمة استثمرت في “تطوير” أجهزة الاستخبارات (الاستخدام المكثف لاجهزة الكومبيوتر بدأ في هذه المؤسسات) ومؤسسات القمع الوطني بما فيها الجيوش النظامية التي حولت في دول مثل سوريا الى Praetorian Guard أي الى حرس للضابط الحاكم وجنرالاته، مثل حرس الامبراطور الروماني.

الذين يعربون عن مخاوفهم من انهيار الوضع في سوريا بطريقة مشابهة لانهيار الدولة العراقية بمؤسساتها الهشة بعد الغزو الاميركي، يقصدون في الدرجة الاولى انهيار المؤسسات الامنية، مثل الشرطة والجيش. المشكلة هي ان جميع المؤسسات في دول مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا من قضائية وتعليمية وغيرها هي هشة ومرشحة للانهيار الكامل. هذه الدول العربية هي بيوت من دون سقف، وحتى جدرانها بدأت بالانهيار. أهلاً بكم الى زمن الهشاشة.

النهار

 

 

 

 

الأسد عندما يتذاكى/ عدلي صادق

في حديث نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، الإثنين المنصرم؛ قال رئيس النظام السوري، إن ضربات الطيران الإسرائيلي أهدافاً منتقاة في بلاده هي بمثابة تغطية جوية لقوات المعارضة المسلحة، وتساءل بتذاكٍ: من الذي يزعم أن “القاعدة” لا تملك سلاحاً جوياً؟!

ثمّة سؤال تالٍ في الأهمية، على الأول: لماذا، والحال هذه، لا يقارع سلاح الجو السوري ذلك السلاح الذي يغطي، حسب زعمه، عمليات المعارضة؟ أما الأول: من هو الطرف الذي أتاح لمقاتلي السلفية الجهادية انفلاتاً ساحراً، قبل أن ينقلب السحر على الساحر؟!

معلوم أن السلاح الجوي السوري، الذي يُفترض أنه يحمي أجواء البلاد من تعديّات الطيران الإسرائيلي؛ شهد في العامين الأخيرين، تغييراً بنيوياً، فبدل أن يستمر في محاولات اللحاق بسلاح جو العدو، على المستويين، القتالي والتقني، أصبح يركز على محمولاته من القنابل التي يسقطها على الناس، من سماءٍ تخلو له. ولو كان صحيحاً ما يزعمه الأسد عن تغطية إسرائيلية لعمليات المعارضة المسلحة، لكان الأهم والأول، الذي سيفعله الطيران الإسرائيلي، منع الطيران السوري من التحليق، بقنابله وبراميله، لكي يُسقطها على السوريين. وستكون للطرف الإسرائيلي من عمل كهذا سبع فوائد، أعظمها الإجهاز على سلاح استراتيجي، تمتلكه دولة يُفترض أنها تقاوم وتمانع، وأدناها أن يظهر العدو صديقاً حانياً على الشعب السوري، على نحو يمكن أن يغسل قلوب السوريين من آفة الغِل على إسرائيل أم المصائب. لكن اطمئنان الإسرائيليين إلى المقاصد الحقيقية للنظام، وقد اختبروا صدقيتها في 41 عاماً من صمت الجبهة؛ هو الذي يجعل إسرائيل تضحي بالفوائد السبع، وأن تلتزم الحياد الظاهر، وإخلاء الأجواء لحاملات البراميل المتفجرة. أما موسكو التي استنكفت، طويلاً، عن تأهيل سلاح الجو السوري لمواجهة نظيره الإسرائيلي؛ فقد أظهرت سخاءً في تأهيل السلاح الأول للقصف المدمر للمراكز الحضرية، ولنسف البيوت على رؤوس الناس وقتلها. هنا، يُحال الاستنكاف الأول إلى واقع العلاقات الروسية الإسرائيلية المتطورة على كل صعيد، أما السخاء فإنه يُعلل بالمنافع التي تتوخاها موسكو من بقاء نظام الأسد، على الصعيد الاستراتيجي.

كان نظاما سورية والعراق قد أفلتا عناصر السلفية الجهادية من السجون، ورفداها بعناصر أخرى، لخلط الأوراق في معسكر المعارضة، لوصول مكونات هذا المعسكر إلى وضعية الاحتراب المحتمة، بين أطراف في داخله، ذات مشروعات متناقضة. كان مطلوباً الإجهاز على مشروع الثورة، أو انتفاضة الشعب السوري، ذات المضامين الاجتماعية والديموقراطية. ولن يؤدي هذه المهمة سوى الوحش الظلامي الذي لا يقبل صوتاً يخالفه في حرف واحد، ناهيك عن مخالفته منطق السلفية الجهادية، جملة وتفصيلاً. وما لم يتحسب له الطرفان، نوري المالكي آنذاك، وبشار الأسد، لانقلاب المتطرفين عليهما، ربما كانت مقامرةً اضطرارية في لحظاتٍ صعبة، إما تنجح تماماً أو جزئياً. فعندما تم إطلاق سراح عناصر عسكرية خطرة، من سجن أبو غريب، والزعم بأنها هربت منه، وهو السجن الأشهر والأشد تأميناً وحراسة؛ أدرك الجميع أنها عملية إطلاق لوصم الحراك السُني المطالب بالعدالة وبالدولة النزيهة، اللاطائفية التي تكون حكماً بين الناس، بالإرهاب. وظن المالكي أنه، بهذا الفعل الشائن، سيربح تأييد الولايات المتحدة في عملية إجهاض محاولة المحافظات السُنية الحصول على حقها في الشراكة والحكم. في الوقت نفسه، أتاح نظام الأسد لفصائل من المتطرفين هامشاً من العمل الميداني، لتتمكن من التحشيد الشبابي، ومن دحر قوات المعارضة الوطنية المتماهية مع ثورة الشعب السوري!

يقول الأسد للمجلة الأميركية متوجعاً: كل الحروب سيئة، لأنها تنطوي على خسائر ودمار. وكأنه ليس هو الذي جعل النيران، ثم النيران ثم النيران، وسيلة لمواجهة الناس في تظاهراتها وجنائزها ومخابزها ومهاجع نومها. هو لم يكذب في ذمّ الحرب، إنْ كان ما يعنيه بالحرب أن تكون ضد إسرائيل!

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى