صفحات المستقبلعدي الزعبي

شبح غوغول/ عدي الزعبي

 

 

الأصدقاء في روسيا: هذه رسالة عن معركة حلب القائمة بين القياصرة وبين غوغول وخلفائه وأشباحه.

يُنسب لدوستويفسكي قوله، «كلنا خرجنا من عباءة المعطف». المقصود قصة غوغول الشهيرة، التي تحكي عن موظف بسيط يسخر منه زملاؤه بسبب معطفه المهترئ. يعمل الرجل ليل نهار لشراء معطف جديد، ولكنه يُسرق منه في أول يوم. يموت الرجل قهراً، ولكن شبحــــه يحوم في شوارع المدينة ليسرق معاطف الموظفين الكبار. نستطيع تأويل القول المنسوب لدوستويفسكي بأشكال مختلفة.

أرى أن المقصود هو أن الأدباء الروس جميعهم تابعوا مسيرة المعطف: الانحياز للمستضعفين والمقهورين والمظلومين، بأساليب مختلفة: تورغينيف وليرمانتوف وتولستوي ودوستويفسكي، ولاحقاً تشيخوف وغوركي وبولغاكوف وأخماتوفا وغيرهم. هذا الانحياز يرافقه دوماً عداء للسلطة: كلهم بلا استثناء اصطدم بالسلطة وعارضها، هذا هو إرث الأدب الروسي العظيم.

يقال إن البعض يفخر في بلدكم بدور روسيا في سوريا، ويسمّون صاحب هذا الدور بالقيصر. هذا الوصف مناسب تماماً لما تقوم به قواتكم في بلدنا. تقصف الطائرات الروسية المدارس والمشافي والأبنية السكنية كل يوم، آلاف القتلى والجرحى يسقطون في هجوم يشنّه أحد أكبر الجيوش العالمية على أفقر مناطق سوريا، بكافة أنواع الأسلحة الحديثة والمحرّمة دولياً. يبرّر إعلامكم هذه المجازر اليومية باسم الحرب على الإرهاب، ويزوّر الحقائق والأرقام، ضارباً عرض الحائط بكافة تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات، ليمجّد آلة الحرب الروسية وعظمة الجيش الروسي.

ربما يفخر آخرون في بلدكم بإرث الأدب الروسي. هؤلاء من نعوّل عليهم اليوم في سوريا. لم يبق من سير من اضطهدوا غوغول ودوستويفسكي وتولستوي واخماتوفا والبقية، إلا علامة ناقصة على عطب أصيل في الإنسانية. فيما بقيت الأعمال الخالدة المنحازة للناس العاديين، وللعذابات اليومية والأبدية، ملكاً للبشرية جمعاء. ولكننا نعرف، كما تعرفون بالطبع، أن الأدب لا يغير العالم، وأن ما بقي من الأدب الخالد لا يعوّض، ولا حتى يواسي، ولو قليلاً، أولئك الذين عانوا وشُرّدوا سنين طويلة. ولكن، ربما يمكننا وقف الظلم الواقع اليوم على السوريين. لم يتغير دور السلطة الروسية منذ كتب غوغول قصته؛ كما لم يتغير دور الأدب: ما زال العالم يحتاج الرحمة والعطف والمحبة، وما زالت السلطة تكذب ليل نهار وتعبث بمصائر الناس باسم قياصرة وأمجاد وهمية لا تشبع. في حلب، تتجــــــوّل مئات الأشبــــاح الميتة باحثةً عن معاطف بين أنقاض المدينــــة: سرقهـــا منهم طيارو جيشكم الروسي. شبح غوغول، أيضاً، يتجوّل مواسياً مطمئناً: هؤلاء الحلبيون هم من كتب لهم وعنهم طيلة حياته. معركة حلب اليوم هي إذن بين القياصرة وبين غوغول وخلفائه وأشباحه. الأصدقاء في روسيا: أنتم من بيده حسم نتيجة هذه المعركة. لا تتركونا وحدنا بلا معاطف.

٭ كاتب سوري يقيم في الدنمارك

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى