صفحات العالم

آجوب» والإصلاح السوري


حسين شبكشي

ما من سوري وإلا ويعلم عن قدرة الأرمني على إصلاح أي شيء، فإذا أصاب العطل محرك السيارة فهناك الميكانيكي الأرمني «آجوب» الذي سيصلح السيارة (مهما كان عمرها وموديلها ونوع العطب الذي فيها) ويعيدها كما كانت عروسا وأحسن مما كانت عليه وقت شراء السيارة نفسها! أو إذا أصاب خلل ساعة اليد التي لديه فهو متيقن أن الجواهرجي الصائغ الساعاتي متعدد المواهب «آجوب» سيصلح الساعة مهما كان نوع الخلل وحجم الضرر، ومهما كانت معقدة حركة الساعة أو موديلها والشركة المصنعة لها.. فهو سيعيدها بحلة أفضل من السويسريين أنفسهم.. وإذا ما اشتهى صنفا من المشاوي والمأكولات الخاصة، فسيقوم الطباخ الفنان «آجوب» بإعداد أطباق ساحرة مما لذ وطاب مجهزة بخلطة خاصة وسرية توارثها عبر الأجيال..

وبناء على كل هذه الأمثلة، تحولت شخصية «آجوب» الأرمني ومساعده الصغير «آرتين» إلى شخصية أسطورية في عقلية السوريين، ولذلك لا يبدو غريبا وأنت تتحدث مع السوري في أي موضوع؛ سواء عن آخر إصدارات التقنية من «آبل» أو من «غوغل»، أو أحدث موديلات السيارات، أو أجمل وأدق الساعات، أو آخر صرعات الأجهزة المنزلية، أن يرد عليك بهدوء شديد وثقة مطلقة: «شو فيها؟ آجوب عنده مثلها أو أحسن منها».

واليوم يبدو أن النظام السوري سيعتمد على «آجوب» في خطة الإصلاح السياسي، فهو رفض نصائح الحلفاء والأصدقاء والعالم بأسره، وأصبح يتبع خطة سرية جدا نصحه بها «آجوب»، فالخطة يبدو أنها تتعمد أن «تقول» شيئا: إصلاح وحياة سياسية جديدة وأحزاب وحرية إعلامية ودستور جديد وتحجيم للحزب الحاكم وإلغاء قانون الطوارئ ومكافحة الفساد (وهو اعتراف ضمني ومؤكد بأن الحكم في سوريا ديكتاتوري وقمعي واستبدادي، ولا حرية للإعلام ولا للرأي، والفساد ينخر في اقتصادها، والبرلمان مشكوك في انتخابه، والدستور لا يمثل مطلب الشعب). وفي الوقت نفسه، يتم القمع الأمني بلا هوادة، فعدد القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين إلى خارج سوريا تضاعف عشرات المرات منذ أن وعد الرئيس بعدم إطلاق النار على المتظاهرين وإلغاء قانون الطوارئ.

مظاهرة حماه الأخيرة التي شارك فيها أكثر من 600 ألف شخص والتي تلت انتفاضة ثاني المدن السورية الكبرى «حلب»، أكدت للنظام أن السبحة انفرطت وأن الحل الأمني لا بد أن تزداد حدته، وبالتالي، كانت فكرة «آجوب» حصار حماه بالدبابات وقطع المياه والكهرباء عنها استعدادا للغزوة الجديدة لها (وحماه هي «حلبجة» البعث السوري التي فلت النظام من العقاب بسببها ذات يوم وراح ضحيتها 45 ألف بريء دكوا دكا كالحشرات بالمبيد)، ولذلك هناك ثأر قديم يتجدد، ولكن الزمن تحول.. سوريا كلها انتفضت لأجل أطفال درعا، واليوم العالم بدأ ينتفض (على الأقل على مستوى الشعوب صاحبة الضمير الإنساني الحر واليقظ).

فضائح الإبادة والجرائم أصبحت تظهر بشكل يومي، وكل مشهد يسجل إضافة سوداء في حصاد مؤسف ومزر. «آجوب» حاول أن يفصل «إصلاحا» دون أن يتنازل ويسلم السلطة، حاول أن يفصل حرية دون إعلام حر، ولكن قسم الإعلام بين إعلام مأجور وإعلام نؤجره، فخسر العالم، وحاول أخيرا أن يفصل معارضة فنادق خمسة نجوم، بينما المعارضة في الشوارع نهارا مع الرصاص وليلا تحت النجوم.

نظام لا يمكن إصلاحه وانتهى أجله؛ فلا يصلح العطار (ولا آجوب) ما أفسده الدهر والطغيان والظلم.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى