درويش محمىصفحات سورية

آخر الدواء الكي


درويش محمى

 جموع شعبية غفيرة, تخرج للتظاهر تعبيرا عن رفضها للنظام القائم, تستمر بالاحتجاج لايام او اسابيع او اشهر, يرفض الحاكم تقبل الامر في البداية, ثم يحاول التفاوض في مرحلة ما, وفي الاخر يدرك انها النهاية , فلا يجد امامه من بد ولا من مفر, سوى الرحيل والفرار او الاعتقال والمحاكمة او اعتزال السياسة واعتكاف بيته, على هذا النحو جرت الامور في نهاية الثمانينات لتنهار على طريقة الدومينو, اعتى الديكتاتوريات في اوروبا الشرقية, وعلى هذا النحو يكون السيناريو الطبيعي للثورة السلمية.

“الربيع العربي” في كل من مصر وتونس, جاء منسجماً مع السياق الطبيعي والمعهود للثورة السلمية, الا انها بدأت تميل الى العنف في التجربة اليمنية, والى عنف أشد في التجربة الليبية, وفي التجربة السورية تكاد الثورة ان تفقد طابعها السلمي كلياً, هذا التدهور الخطير, هو في الحقيقة تحصيل حاصل للسياسة القمعية المتبعة من قبل النظام السوري, لا اكثر ولا اقل, والنزعة السلمية الصادقة للمنتفضين السوريين, تبقى غير ذات جدوى, لا في وضع “نهاية سعيدة” للثورة السورية, ولا في تحديد طبيعة الثورة ومسارها.

من السذاجة بمكان, الاعتقاد بأن الثورة يمكن ان تحافظ على سلميتها لمجرد التزام الجمهور الثائر بنبذ العنف في سعيه لتحقيق مطالبه, النزعة السلمية لدى الجمهور السوري غير مشكوك بأمرها, لكن الثورة السلمية تتطلب توافر شروط اخرى عدة, اهمها على الاطلاق, وجود جيش ومؤسسة عسكرية وطنية تقف موقف الحياد بين الحاكم وجموع الثوار, جيش يحترم نفسه ولا يطلق النار على المتظاهرين العزل, واذا ما تجاوز الحاكم حدوده, وخرج عن طوعه وبدء بقتل الناس, يتدخل على الفور لصالح الشعب ضد النظام, هذا العنصر للاسف غير متوفر في الثورة السورية, فجيشنا “العربي” السوري يختلف عن كل جيوش العالم قاطبة, ففي حين تقوم الجيوش بدورها في حلحلة الازمات الحاصلة بين الشعوب وحكامها, اذا ما وصل الصراع اوجه وتعدى حدوده, نجد الجيش السوري قد تحول وبفعل اربعة عقود من انتهاك حرمته من قبل النظام السوري, من جيش وطني الى جيش”طنط” تابع لا يملك قراره.

الجيش السوري, للاسف لا يملك قدره, وهو في حال لا يحسد عليه, فقد تم اخضاع معظم قياداته لعملية مبرمجة من الفساد والافساد, وتعرض قادته للمحاسبة والمراقبة من اجهزة الامن والمخابرات, التي بدورها تخضع بولائها المطلق لشخص الرئيس, بالتالي, احتمال قيام الجيش السوري بالانقلاب على بشار الاسد ونظامه, واجباره على التنحي والرحيل, يبقى ضعيفاً جداً, وربما غير وارد على الاطلاق, اما ظاهرة “الانشقاقات” والفرار من الجيش النظامي للالتحاق بالجيش الحر, فهي بدورها لا تدخل في خانة سلمية الثورة السورية, فالجيش الحر في الحقيقة لا يملك الا خياراً واحداً, وهو الدفاع عن نفسه وعن المدنيين.

في ظل البطش اللامحدود والعنف اللامتناهي لقوات النظام, فإن مسألة عسكرة الثورة اصبحت حقيقة واقعة شئنا ام ابينا, انها بالمختصر المفيد, حرب تحرير بكل ما في الكلمة من معنى, فرضت علينا فرضا من قبل النظام السوري, ولا بد ولا مناص من خوض غمارها, اما الحديث عن ثورة سلمية في سورية من قبل البعض, وهم في معرض بحثهم عن حل وعلاج ودواء, فهو حديث عقيم غير مجد لا يخدم الا النظام السوري, ولا يؤدي الا لهدر المزيد من الدم السوري, واذا كان هناك من امكانية للحفاظ على سلمية الثورة السورية, او بالاحرى الحفاظ على البقية الباقية من سلمية هذه الثورة, فهو التدخل الخارجي الفوري والسريع, ويشترط في هذا التدخل, ان يكون عسكرياً على شكل ضربات نوعية حاسمة, ضد رأس النظام ومراكز قيادته وعديد قواته, وصدق من قال: اخر الدواء الكي.

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى